اسكتلندا وبريطانيا تتجهان لأزمة دستورية بعد الانتخابات العامة | مركز سمت للدراسات

اسكتلندا وبريطانيا تتجهان لأزمة دستورية بعد الانتخابات العامة

التاريخ والوقت : الخميس, 13 فبراير 2020

مايكل كيتنج

 

هناك أمواج متقلبة تنتظر المدافعين عن هزيمة الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة، حيث تباعدت المسافات بين اسكتلندا وإنجلترا بشكلٍ حادٍ في خياراتهما بشأن الانتخابات العامة الأخيرة التي أجريت في ديسمبر 2019.

وقد ركَّزت الحملات في كلا البلدين على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن في اسكتلندا نالت قدرًا مماثلاً من الأهمية فيما يخص إمكانية إجراء استفتاء ثانٍ حول الاستقلال. وفي عام 2014، صوَّت الاسكتلنديون بنسبة 55% للبقاء في المملكة المتحدة بعد حملةٍ شارك فيها الجانبان حول الرغبة في البقاء بالاتحاد الأوروبي. وبعد ذلك بعامين، صوَّتت اسكتلندا بنسبة 62% للبقاء.

ومع ذلك، فإن التصويت بـ”الموافقة” في إنجلترا وويلز يعني أن اسكتلندا تعدُّ ملزمةً دستوريًا باتباعها. وقد تمثل الرد الأول على ذلك فيما صدر عن الحزب الوطني الاسكتلندي (SNP) الذي اقترح استفتاءً جديدًا على الاستقلال من أجل البقاء في الاتحاد الأوروبي. وقد جاءت تلك المناورة بنتائج عكسية، فأيَّد حوالي 30% من الناخبين الموالين لفكرة الاستقلال بـ”نعم”.

في الواقع، على الرغم من الحجة التي يتبناها الحزب الوطني الاسكتلندي بأن أوروبا تجعل الاستقلال أسهل، فإن معظم الناخبين لم يسبق لهم التعرف على جوهر الموضوع وأبعاده.

فقد أظهر التحليل الذي أجرته دراسة بشأن الانتخابات البريطانية أن التصويت بـ”نعم” أو “لا” في عام 2014 والتصويت بـ “نعم” أو “البقاء” في عام 2016، لم يكن هناك أغلبية لأيٍّ من الطرفين. كما لم يكن معظم الاسكتلنديين على استعداد لإجراء استفتاء دستوري ثالث بعد الاضطرابات التي حدثت بين عامي 2014 و2016.

وعلى خلفية ذلك، فقد حقق حزب المحافظين الاسكتلندي انتعاشة ملحوظة وإن كانت متواضعة، في الانتخابات العامة لعام 2017، فاز بـ13 مقعدًا من أصل 59. وبفضل الانتخابات الاسكتلندية لعام 2016، حلَّ حزب المحافظين في اسكتلندا في المرتبة الثانية، متغلبًا على حزب العمل. فقد كان أساس حملتهم بسيطًا، إذ تمثل في عبارة “لا للاستفتاء الثاني”. ولم يتهم المحافظون الاسكتلنديون الحزب الوطني الاسكتلندي بأنه مهووس بالاستقلال، لكنهم لم يتحدثوا عن شيءٍ آخر.

غير أن الأمور بدأت تتغير منذ عام 2017. فلم يبذل الحزب الوطني الاسكتلندي، على عكس حزب العمال البريطاني، سوى جهد ضئيل لتجاوز الفجوة بين الحشد من أجل “الموافقة” أو “البقاء”. بل يبدو أنه فقد الكثير من مؤيدي موقفه أمام حزب المحافظين أو حزب الاستقلال البريطاني (UKIP) أو حزب “بريكسيت”. وبدلاً من ذلك، تضاعفت الجهود الداعمة لاستراتيجية “البقاء” (والاستفتاء الثاني على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) والاستقلال (من خلال استفتاء آخر).

وقد تضاعف اهتمام المحافظين الاسكتلنديين باستراتيجية “لا” للاستفتاء على الاستقلال و”نعم” على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقد اصطف حزب العمل الاسكتلندي خلف استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن يبدو أن الناخبين لم يلاحظوا ذلك، فبالنظر إلى حالة التردد التي بدت على زعيم حزب العمل آنذاك “جيريمي كوربين” في هذا الشأن، نجد أن حزب العمل بدا غير واضح بنفس القدر في موقفه من التصويت على الاستقلال الثاني.

وكانت النتيجة فوزًا كبيرًا للحزب الوطني الاسكتلندي، الذي حصل على 45% من الأصوات و48 مقعدًا، بينما تراجع المحافظون إلى 25%، كما فقدوا سبعة من مقاعدهم الثلاثة عشر. وقد طالب الحزب الوطني الاسكتلندي على الفور بإجراء استفتاء على الاستقلال في عام 2020، لكن ذلك غير مرجح.

فالاستفتاء الجديد يطلب أولاً المزيد من الوقت للتحضير. كما أنه لا يوجد ضمان للفوز في هذا الاستفتاء. إذ أظهرت استطلاعات الرأي في الأشهر الأخيرة تأييد الاستقلال بنحو 50%. وعلى النقيض من عام 2016، فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية صغيرة من الناخبين “الباقين” يؤيدون الاستقلال. وقد يعني ذلك أن الاسكتلنديين يضعون أنفسهم في معسكرات “الاستقلال” و”البقاء”، أو “الاتحاد” و”المغادرة”، لكن المواءمة تبدو بعيدة جدًا، إذ أوضحت الحكومة الاسكتلندية أنها لا ترغب في اتباع النموذج الذي حدث في كاتالونيا والذي تمثل في الاستفتاء من جانب واحد. وبالتالي، فلن تقوم حكومة وستمنستر، بخلاف الحكومة الإسبانية، بإرسال الشرطة لمنع الناس من التصويت، لكن المؤسسات النقابية يمكنها ببساطة مقاطعة وتجاهل الأمر برمَّته.

بجانب ذلك، يمكن للبرلمان الاسكتلندي تمرير مشروع قانون الاستفتاء والانتظار حتى تقوم حكومة وستمنستر بإحالته إلى المحكمة العليا. وهناك، يمكن للحكومة الاسكتلندية تقديم الحجج التاريخية حول فكرة البقاء في الاتحاد، ذلك أنهم يقولون إن الاستفتاء كان تشاوريًا فقط، أو يأملون في أن تنظر المحكمة العليا في سابقة أكثر وضوحًا شهدتها كندا قبل بضع سنوات. ومع ذلك، فبالنظر إلى موقف المحكمة العليا البريطانية من الدستور، فمن الصعب أن نرى هذا النجاح بالشكل الذي حدث في كندا.

ويعني ذلك أنه سيتم حل القضية سياسيًا. فلا أحد يريد أن يظهر في صورة رئيس الوزراء الذي خسر اسكتلندا أو ترأس عملية “تحلل” المملكة المتحدة. كما أن الرأي العام في إنجلترا قد يكون أقل جمودًا، فقد أظهرت الدراسات الاستقصائية أن ما يقرب من نصف الناخبين الإنجليز يبدون رضاهم عن ترك الأمر للاسكتلنديين. ويبدو أن هناك شهية قليلة لإكراه اسكتلندا، إذا كانت الأخيرة ترغب حقًا في المغادرة.

وحتى إن استطلاعات الرأي أظهرت أن غالبية الناخبين المؤيدين لفكرة “الخروج” في إنجلترا، باتوا مستعدين لفقدان كل من اسكتلندا وأيرلندا الشمالية إذا كان ذلك هو ثمن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ إذ يرغب حوالي 20% من الناخبين الإنجليز في أن تغادر اسكتلندا بريطانيا.

لقد جاء تعيين حكومة “بوريس جونسون”، أخيرًا، على خلفية موقفه من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أن تخلت حكومته عن هدف التكيف مع لوائح الاتحاد الأوروبي. فقد تسرعت حكومة “جونسون” في اتخاذ موقف من حماية العمال من مشروع قانون الجديد بشأنهم. وبدلاً من ذلك، يُعرض على الناخبين الجدد من الطبقة العاملة مشاريع استثمارية ضخمة من النوع الذي ينتهي به الأمر عادةً إلى تكبد مبالغ ضخمة.

فهناك صفقات ضخمة بشأن المحليات، إلى جانب صندوق “الازدهار المشترك” المقترح من قبل الحكومة البريطانية الذي سيحل محل التمويل الهيكلي للاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث ستوجه المبالغ التي تستحوذ على عناوين الصحف إلى اسكتلندا وويلز. ومن غير المرجح أن يتم كبح أكبر اختلال في الاقتصاد المكاني، من خلال النمو غير المنضبط في لندن. إن كل هذا يمكن أن يزيد من دعم الاستقلال، لكن هناك ثلاث قضايا تقف كحجر عثرةٍ في الطريق.

فمع خروج اسكتلندا وإنجلترا وويلز من السوق الأوروبية، ستكون هناك حدود صلبة فيما بينهما. كما أن قضية العملة لا تزال دون حل، فبعد لجنة “التنمية المستدامة” التي أنشأها “نيكولا ستورجيون”، رئيس الوزراء في اسكتلندا وقائد الحزب الوطني الاسكتلندي، في سبتمبر 2016 لتقييم توقعات الاقتصاد وحالة المالية العامة، والنظر في الآثار المترتبة على الاقتصاد والمال في ظل سيناريوهات مختلفة محتملة للحكم. وبالإضافة إلى تقديم توصيات بشأن السياسات المتصلة، يبدو أن الحزب الوطني الاسكتلندي قد تخلى عن النموذج “الإسكندنافي” لرفاهية الدولة الصغيرة لصالح “العقيدة الاقتصادية”.

بجانب ذلك، فإن الحصول على الدعم من أجل الاستقلال بشكل مقنع بنسبة 50% لا يزال مهمة صعبة. وعلى جانب آخر، فلا يزال هناك حاجة إلى موافقة وستمنستر على هذا الاستفتاء.

 

المصدر: In-depth News

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر