قبل بضعة أعوام، شاهدت احتجاجا صغيرا لكنه كان مفعما بالحيوية بينما كنت أصطف لشراء مجلة في محطة كينجز كروس في لندن. أشارت امرأة أمامي إلى كشك الدفع الذاتي وقالت: “لن أتحدث إلى تلك الآلة”.
يمكن لمعظمنا أن يتفهم. يمكن أن تكون آلات الدفع الذاتي مجردة من الإنسانية، كما أن استخدامها يأتي بإحساس لا مفر منه بأنك تعزل شخصا ما من وظيفته إن لم يكن اليوم، فعندئذ في مرحلة ما في المستقبل.
أتساءل كيف تشعر المرأة التي رأيتها في محطة كينجز كروس حيال عمليات الدفع الذاتية اليوم؟ لقد غير فيروس كورونا وجهة نظرنا. قد تمثل الأتمتة الآن النظافة والسلامة والسرعة. الدخول والخروج ببضائعك في أسرع وقت ممكن، وتجنب أكبر عدد ممكن من الناس. أو من الأفضل طلبها من المنزل. حتى مع ارتفاع معدلات التطعيم، فإن بعض هذه العادات ستستمر.
يقول مارك مورو من معهد بروكينجز، الذي يدرس مواقف المستهلكين حول التكنولوجيا، إن الرغبة في تجنب الاتصال الشخصي وجها لوجه ميزة جديدة حقا “قد تصبح الخدمة وجها لوجه سلعة فاخرة للنخبة”.
تكيفت الأعمال بسرعة. في أيلول (سبتمبر)، قدم أكبر صاحب عمل في أمريكا والمارت خطة تخطيط متاجر جديدة، يروج لفعاليتها في الحد من “الاتصال بين الشركاء والعملاء”. من خلال خدمة التسليم، تقوم بتجربة أنظمة روبوتية يمكنها انتزاع البضائع من الأرفف المصممة خصيصا بشكل أسرع من أي إنسان.
المطاعم تتغير أيضا. قدمت “شيبوتلي” تصميما جديدا لمنافذها واستثمرت في بدء تشغيل التوصيل دون سائق. في “تايمز سكوير” في نيويورك، افتتح “تاكو بيل” أول موقع رقمي فقط في الولايات المتحدة، مع الحد الأدنى من الموظفين العاملين في المنزل.
في كثير من الحالات، أدى الوباء ببساطة إلى تسريع الخطط الحالية للحد من وجود العاملين البشريين في البيع بالتجزئة. ربما جاء الجهد الأكثر تقدما من “أمازون”. تستخدم متاجر “أمازون جو” (تسمى جو فريش في المملكة المتحدة) نظاما من الكاميرات العلوية وأجهزة مراقبة الأرفف لتتبع وقت استلامك لأحد المنتجات، والخصم من حسابك تلقائيا بعد المغادرة. تقوم أمازون بترخيص هذه التقنية الخالية من الدفع، المسماة (غادر فحسب) لتجار التجزئة الآخرين.
لا يزال عديد من هذه الابتكارات تعتمد على الموظفين للعمل بسلاسة، لكن من الصعب تجنب الشعور بأن البشر يتم دفعهم إلى الهامش، مثل العمال الذين يتدخلون لتصحيح الآلات عندما تتعثر أو الطهاة الذين يعملون في العدد المتزايد من المتاجر والمطابخ المظلمة التي تلبي الطلب الهائل من تطبيقات توصيل الطعام.
ربما تكون أفضل حجة لزيادة الأتمتة أن بعض المناصب التي قد نخسرها أدوار رتيبة ومرهقة جسديا ومنخفضة المكانة. يجب أن نكون سعداء لتسليمها للآلات.
سيشير آخرون إلى أن هذه الابتكارات توفر وظائف جديدة، وهو ما تفعله بلا شك -وإن كان بشكل غير متساو. قال سيجرد، صانع شاحنات الرافعة الشوكية المستقلة في بيتسبرج، لصحيفة واشنطن بوست، إن عائداتها تضاعفت خلال الوباء. منذرا لأولئك الذين يعملون في مجال قيادة الشاحنات ذات الرافعات الشوكية، لكنه مبشر لمن يعملون في الأتمتة. وقالت الشركة إنها مستعدة لزيادة قوتها العاملة من 150 إلى 350 بحلول نهاية العام.
تدافع “أمازون” عن نفسها ضد الاتهامات بأن جهودها ستقيل الناس من العمل من خلال الإشارة إلى القوة العاملة المتزايدة بسرعة -نصف مليون عامل جديد وقعوا في العام الماضي- واستثماراتها في البرامج التعليمية للوظائف الجديدة مثل هندسة الرؤية الحاسوبية والحوسبة السحابية.
مثل هذه المبادرات تساعد. لكن ما يميز هذه الثورة عن غيرها في تاريخ البشرية السرعة التي يتوقع من خلالها الشعور بالتغييرات. في تقرير مستقبل العمل، الذي نشر في شباط (فبراير)، قدرت شركة ماكينزي أن نحو 17 مليون عامل أمريكي سيحتاجون إلى الانتقال إلى وظائف جديدة بحلول 2030، بعد مراجعة توقعاتها قبل كوفيد – 19 ارتفعت بمقدار الربع.
لاحظ باحثون من بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا أن النقص الحالي في العمالة سيوفر للشركات حافزا إضافيا للاستثمار في الآلات المقاومة للأوبئة بدلا من إعادة الموظفين بأجور أعلى. مثل هذا النمط من شأنه أن يتبع اتجاه الاستثمار الآلي الذي جاء في أعقاب فترات الركود السابقة، ما يزيد من شبح التعافي من البطالة، حيث يعود الطلب على العمل لكن يقل الطلب على الإنسان. وحث الباحثون الحكومات على التدخل لتوفير شبكة أمان للنازحين بسبب الأتمتة ودعم الانتقال إلى طريقة جديدة للعمل. تبدو المقاومة عقيمة بشكل متزايد.