اختبار أفغانستاني لطموحات روسيا الإقليمية | مركز سمت للدراسات

اختبار أفغانستاني لطموحات روسيا الإقليمية

التاريخ والوقت : الأربعاء, 22 سبتمبر 2021

ابتهال أحمد عبدالغني

 

نشر موقع World Politics Review مقالا للكاتب جيفرى مانكوف عرض فيه التحديات التي يفرضها الانسحاب الأميركي من أفغانستان على روسيا وطموحاتها في إقليم وسط آسيا.. نعرض منه ما يلي.

فشل حملة الولايات المتحدة في أفغانستان التي استمرت لعقدين من الزمن كان مصدرا للشماتة في موسكو، ولكن انهيار الحكومة الأفغانية برئاسة أشرف غني المدعومة من الولايات المتحدة يفرض تحديات على روسيا. حتى مع تأكيد الرئيس فلاديمير بوتين أن روسيا ليس لديها نية لنشر قوات في أفغانستان، فإن احتمالية انتشار التطرف والعنف حول حدود روسيا تفرض مسئولية أكبر للحفاظ على الأمن الإقليمي على موسكو في وقت تتصاعد فيه التحديات الداخلية.

كما أن انهيار حكومة أشرف غنى ورحيل القوات الأميركية من وسط أوراسيا، على ما يبدو إلى الأبد، يوفر أيضًا لروسيا فرصة لتعزيز دورها كوسيط قوى داخل أفغانستان وحولها، وتعزيز رؤيتها للتواصل الإقليمي التي تعزز مصالحها الخاصة، وترسيخ نفوذها السياسي العسكري في آسيا الوسطى. ومع ذلك، ستتطلب كل هذه الخطوات موارد أكثر مما كانت القيادة الروسية مستعدة لتقديمها، ومخاطرات أكبر مما كانت أمريكا مستعدة لتحملها.

تتخوف روسيا بالأساس من تأثير ما جرى في أفغانستان على إقليم آسيا الوسطى المجاور لها. منذ سقوط الاتحاد السوفيتى، نظرت موسكو إلى منطقة وسط آسيا كمنطقة استراتيجية عازلة عن عدم الاستقرار الموجود في أقصى جنوب آسيا، وتظل روسيا هي الضامن الأمني الرئيسي للمنطقة على الرغم من النمو الهائل للتجارة والاستثمارات الصينية في السنوات الأخيرة.

لطالما طالبت روسيا الاعتراف بـ«مصالحها المميزة» في جميع أنحاء منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي. الآن بعد أن تنازلت واشنطن أفغانستان، وعن وسط أوراسيا على نطاق أوسع، يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكان موسكو بالفعل أن تلعب دور المحور الإقليمي الذى طالما طمحت إليه، وتأمين نفسها وجيرانها، بينما تدير في نفس الوقت تنافسها الأوسع مع الولايات المتحدة.

تتركز أهداف موسكو على ضمان عدم انتشار أى فوضى أو عدم استقرار من أفغانستان إلى الشمال. وفقًا لرئيس مجلس الأمن القومى نيكولاى باتروشيف، تركز روسيا على «إحكام السيطرة على تدفقات الهجرة»، لا سيما عندما يتعلق الأمر «بالدفاع عن المنطقة من عبور الإرهابيين للحدود تحت ستار اللاجئين». تسعى موسكو أيضًا إلى منع «انتشار الأيديولوجية المتطرفة والأسلحة المهربة وتهريب المخدرات». نظرًا لأن روسيا لا تطلب تأشيرات من دول جوارها في آسيا الوسطى، فإنها تخشى أن الإرهابيين الذين يعبرون من أفغانستان يشقون طريقهم بسهولة إلى روسيا. ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو احتمال أن يؤدى تدفق اللاجئين إلى زعزعة استقرار دول آسيا الوسطى نفسها، مما يؤدى إلى هروب مجموعة من مواطنى آسيا الوسطى إلى روسيا وإجبار موسكو على التدخل بشكل مباشر في المنطقة. لهذا السبب، تشعر السلطات الروسية وآسيا الوسطى بالقلق من انهيار النظام في أفغانستان، لا سيما شمال أفغانستان حيث يعيش معظم السكان من أصل طاجيك وأوزبك.

شكلت الميليشيات الطاجيكية والأوزبكية نواة التحالف الشمالى الذي حارب حركة طالبان ــ التي يهيمن عليها البشتون ــ في التسعينيات. بعد سيطرة طالبان على كابول في منتصف أغسطس، نظم القائد الطاجيكى أحمد مسعود ونائب الرئيس الطاجيكي السابق عمرو الله صالح قوات مناهضة لطالبان في شمال وادى بنجشير. على الرغم من أن طالبان تدعى الآن أنها هزمتهم وسيطرت على الوادى، لا يزال هناك احتمال استمرار الاضطرابات والقتال هناك. عبدالرشيد دوستم، نائب الرئيس الأفغاني السابق والأوزبكي، يقود ميليشيا أوزبكية تجرى حاليًا مفاوضات مع طالبان، ويمكن أن تلعب أيضًا دورًا مهمًا في المستقبل السياسى لأفغانستان.

لطالما حافظت حكومات موسكو ودول آسيا الوسطى على علاقات مع الطاجيك والأوزبك في شمال أفغانستان ومع شخصيات مثل دوستم. في غياب برنامج موحد مثل تحالف الشمال، يخشى المسئولون الروس من أن المقاتلين المناهضين لطالبان في الشمال قد يتحولون اليوم إلى مجموعات أكثر تطرفا مثل القاعدة. وأعلن الفرع الإقليمي لداعش في أفغانستان، داعش خراسان، مسئوليته عن تفجير 26 أغسطس خارج مطار كابول. وقد ينضم إلى صفوف هؤلاء الجماعات المتطرفة آلاف من الروس ومواطنى دول آسيا الوسطى الناطقين بالروسية الذين ذهبوا للقتال في سوريا مع تنظيم داعش، والذين يمكن تحفيزهم للعودة إلى أفغانستان بعد مغادرة الولايات المتحدة وتدهور أوضاعهم في سوريا.

وكما يشير الباحث الروسي أندريه كازانتسيف، فحتى لو تعهدت طالبان بحرمان هذه الجماعات من إيجاد ملاذ آمن على أراضيها، إلا أنها ستتركها حرة في الشمال، لأنها ترى خصومها غير الإسلاميين، بما في ذلك الميليشيات التي شكلت سابقا حلف الشمال، كتهديد أكبر.

إذا كانت مخاوف دول آسيا الوسطى من الفوضى تدفع روسيا إلى المنطقة، فإن طموحات موسكو الجيوسياسية تدفعها في نفس الاتجاه. في رحيل الولايات المتحدة عن أفغانستان فرصة لموسكو لتعزيز تواجدها الأمنى وتقوية المنظمات الإقليمية، وعلى رأسها منظمة معاهدة الأمن الجماعى. ومع ذلك، فإن القيام بذلك يتطلب من موسكو أن تتحمل مسئوليات إضافية قد لا تكون القيادة الروسية ــ بغض النظر عن حكومات آسيا الوسطى ــ على استعداد لقبولها.

موسكو هي القوة الدافعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي كتلة أمنية إقليمية تهدف إلى ضمان «السلام والأمن والاستقرار الدولي والإقليمي وحماية استقلال الدول الأعضاء». كما ساعدت روسيا أيضًا في تقوية حدود المنطقة من خلال التدريب وبيع المعدات ونشرها، بعضها تحت رعاية منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

سيكون انهيار أفغانستان اختبارا لمنظمة معاهدة الأمن الجماعى. في الأزمات الماضية، بما في ذلك نزاع أذربيجان وأرمينيا العضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، سعت المنظمة إلى نأى نفسها عن الصراع. تقوم موسكو بتقوية منظمة معاهدة الأمن الجماعي كعنصر من عناصر التكامل الإقليمي، لكنها لا تقوم بمعالجة الاختلافات بين الدول ومخاوفهم بشأن التنازل عن السيادة لكتلة تهيمن عليها روسيا. تحتفظ منظمة معاهدة الأمن الجماعي بقوة استجابة سريعة قوامها 5 آلاف فرد تركز على آسيا الوسطى، لكن نشر أفراد منظمة معاهدة الأمن الجماعى على الأرض سيفرض بعض الخيارات الصعبة، نظرًا للخلافات بين الدول الأعضاء ــ بما في ذلك قيرغيزستان وطاجيكستان، اللتان خاضتا حربًا حدودية محدودة هذا الربيع ــ وقلقهم من القوة الروسية.

تجدر الإشارة إلى التعاون الأمني الروسي المتزايد مع أوزبكستان، والتي انسحبت من منظمة معاهدة الأمن الجماعى في عام 2012 وحافظت لاحقًا على علاقات متوازنة مع موسكو وواشنطن وبكين. في أبريل، وقعت موسكو وطشقند اتفاقية شراكة استراتيجية جديدة. يشير بعض المراقبين الروس إلى الأزمة الحالية على أنها فرصة لإعادة أوزبكستان إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعى. على الرغم من رفض طشقند بشدة هذا الاقتراح، فإن الانسحاب الأميركي يجبر أوزبكستان، وجيرانها، على التوجه نحو روسيا للحصول على الدعم، وهو ما يعزز دور روسيا كضامن للأمن في المنطقة.

أكد وزير الخارجية سيرجي لافروف أن روسيا مستعدة لاستئناف المحادثات بموجب ما يسمى «صيغة موسكو»، التي تجمع جيران أفغانستان للبحث عن إطار إقليمى لإنهاء الصراع هناك. في هذه العملية، تهدف موسكو إلى وضع نفسها باعتبارها وسيطًا إقليميًا قويًا، مع تعزيز التكامل الاقتصادى للمنطقة وبناء روابط جديدة بين آسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان.

في الوقت الذي تسعى فيه موسكو إلى تحمل مسئولية إقليمية أكبر، برر الرئيس الأميركي جو بايدن انسحاب القوات الأمريكية بحاجة واشنطن إلى تركيز طاقتها ومواردها على المنافسة مع الصين ومحاولات روسيا زعزعة الاستقرار. سيؤدى الانسحاب الأميركي إلى وجود روسي أكبر في أفغانستان وحولها، أما ما إذا كان هذا الوجود المتزايد يساعد أو يعيق الاستراتيجية الأميركية يظل سؤالًا مطروحا.

وضع العلاقات بين روسيا وأمريكا في إطار التنافس بين القوى العظمى يقول إن محاولات روسيا تعزيز تواجدها في وسط آسيا لن يركز فقط على تقليل المخاطر القادمة من أفغانستان بل أيضا تقليل التأثير الأمريكى والغربى في المنطقة وإعادة بناء عناصر الهيمنة الروسية عبر آسيا الوسطى. بالطبع، كلما زادت الموارد والاهتمام الذى تكرسه موسكو للمنطقة، كلما قلت قدرتها على تكريسها لمناطق أكثر أهمية مثل أوروبا الوسطى والشرقية. وفى حال قرر الكرملين العودة إلى أفغانستان عسكريًا، وهو حدث غير مرجح، فمن المؤكد أنه سيعانى مثل كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، اللذين احتلا أفغانستان لعقد من الزمن قبله.

 

المصدر: صحيفة الشروق

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر