احتواء التوتر: هل يمكن إنقاذ عملية الانتقال السياسي في ليبيا؟ | مركز سمت للدراسات

احتواء التوتر: هل يمكن إنقاذ عملية الانتقال السياسي في ليبيا؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 20 ديسمبر 2021

أحمد عليبة

 

مشهد محاصرة مليشيات صلاح بادي وعبدالباسط مروان وآخرين لمقر المجلس الرئاسي الليبي، والتهديد بمحاصرة السلطة التنفيذية وعدم إجراء الانتخابات؛ هو انتهازية متوقعه في لحظة رخوة أمنيًا وحرجة سياسيًا، تضع الفاعلين في المشهد الليبي أمام اختبار حقيقي في الفصل الأخير لعملية الانتقال السياسي، بل يمكن القول إنه اختبار مصيري وفاصل ما بين تفادي مأزق التكرار في عمليات الانتقال السياسي أو العبور منها إلى مرحلة الاستقرار الشامل.

وبينما تبدو السيناريوهات مفتوحة حيال هذا المشهد، وفي مقدمتها انتكاس خريطة الطريق؛ إلا أن سيناريو الاحتواء لا يزال ممكنًا، لكنه يتطلب معالجات رشيدة من جانب الفاعلين في هذا المشهد تُنهي حالة الارتباك العام في إدارة الملفات السياسية والأمنية وبخطى متسارعة لعدم خروج الأمور عن السيطرة.

إن عملية تشخيص المشهد الحالي تعكس قصورًا واضحًا في الاستفادة من دروس الخبرة التي تراكمت على مدار عقد كامل في ملف الأزمة الليبية، فقد توقفت ذهنية الفاعلين في إدارة الملف عند مشهد معركة طرابلس (2019-2020) والسعي إلى عدم تكراره، دون الوضع في الاعتبار احتمالات تجدد سيناريو الفوضى من مداخل أخرى مختلفة، وفي المقدمة منها الإخفاق في تقويض ظاهرة المليشيات والفصائل المسلحة، بالإضافة للتباطؤ في معالجة ملف المرتزقة والمقاتلين الأجانب كجماعات مصالح ووكلاء لقوى خارجية ترى أن نجاح خريطة الطريق قد يأتي بسلطة تتعارض مع مصالحها وتوجهاتها. وفي هذا السياق يجب التطرق إلى ثلاث نقاط رئيسية هي:

أولًا: أن هناك سياقًا سياسيًا مختلفًا تمامًا عن السياق الذي جرت في ظله معركة طرابلس، فقد أصبحت هناك مصالح لأطراف الصراع المسلح في الانتقال إلى عملية الاستقرار السياسي، واللجوء إلى الحوار الأمني والسياسي عبر آلية اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) على الرغم من التباطؤ في إنجاز الملفات التي تتولاها بسبب الإرث الصعب الذي تراكم عبر عقد من الفوضى، لكنّ هناك مؤشرات عديدة كاشفة عن وجود إرادة سياسية للعبور من هذه المرحلة المظلمة، ودلالة ذلك التقارب الذي حدث مؤخرًا بين رئاستي أركان القيادة العامة ونظيراتها التابعة للرئاسي، وما نجم عن هذا اللقاء من مخرجات مبشرة في المقدمة منها عملية توحيد المؤسسة العسكرية، وبالتبعية فإن تلك الخطوة ستنعكس بالسلب على مصالح المليشيات التي لن تجد لنفسها موقعًا ودورًا في المستقبل إذا ما تمت عملية التوحيد.

ثانيًا: أنّ ترجيح سيناريو الفوضى في أعقاب إجراء الانتخابات الليبية، كسيناريو متوقع نتيجة المخاوف من عدم الاعتراف بتلك النتائج من جانب الأطراف، هي مسئولية تضامنية بين البعثة الأممية والفاعلين من الداخل والخارج. وفي واقع الأمر كان هناك ارتباك في هذه النقطة الجوهرية بسبب السياسات التي اتّبعتها البعثة في المرحلة السابقة؛ إلا أن عودة “ستيفاني وليامز” مهندسة خريطة الطريق على رأس البعثة جددت التفاؤل بشأن إصلاح الخلل، وإخراج المشهد بصورة مقبولة. ومن اللافت للنظر أن مليشيات مصراتة تحركت بالتوازي مع عقد “وليامز” لقاءات في مدينة مصراتة، وهي نقطة انطلاق جيدة تؤكد على فهمها أين يكمن الخلل المتمثل في المليشيات، وتأمين عملية تأجيل الانتخابات لفترة من الزمن، وهو ما التقطته المليشيات وتحركت كرد فعل سريع ومباشر على تلك الخطوة، عزز من ذلك تحرك متزامن لمليشيات موالية لعبدالباسط مروان آمر منطقة طرابلس الذي أقاله المجلس الرئاسي في اليوم نفسه.

ثالثًا: أن عملية تأجيل الانتخابات هي سلاح ذو حدين، تنطوي على فرصة وقيد في الوقت ذاته، فقد تمثل فرصة لإعادة ترتيب المشهد وإصلاح الخلل، لا سيما الإصلاح القانوني الذي اعترض الإجراءات التي تقوم بها المفوضية، والتي طلبت بنفسها تعديلًا قانونيًا محدودًا، ربما يتعلق بالجانب القضائي الخاص بالطعون لتأمين مستقبل العملية الانتخابية والنتائج على وجه التحديد، لكن -في الوقت ذاته- هناك قيود متعددة قد تهدر هذه الفرصة، ومنها الارتباك في المسئول عن تحديد السقف الزمني لعملية التأجيل، حيث أكدت المفوضية من جانبها أن البرلمان هو المسئول، بينما أعاد المستشار الإعلامي لرئيس البرلمان بالكرة مرة أخرى إلى المفوضية في هذا الشأن، ثم ظهر طرف ثالث ليقول إن المسئولية هي مسئولية ملتقى الحوار السياسي، وهذه النقطة الإشكالية تجر المشهد إلى إشكاليات متتالية، تتعلق بضوابط التأجيل التي يجب أن تكون واضحة الملامح.

إنّ العوامل المشار إليها سلفًا تكشف عن أن سيناريو احتواء التوتر في طرابلس لا يزال واردًا وممكنًا، وأن نقطة البداية تتطلب المعالجة السياسية أولًا، وتحديدًا الإصلاح التشريعي الذي قد يُطيح بأحد المرشحين البارزين المحتملين في الانتخابات الرئاسية، والذي سيقوض بدوره موقع مليشيات مصراتة، مع الوضع في الاعتبار الروابط السياسية ذات الصلة بهذه المليشيات، حيث يتماهى موقفها ومصالحها في الأخير مع عرقلة الانتخابات تمامًا بدلًا من تأجيلها لبعض الوقت. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى موقف قيادة مجلس الدولة، وهنا يبرز الحديث عن استدعاء سيف العقوبات الدولية، وإمكانية اتخاذ إجراء في هذا الصدد، لا سيما وأن “بادي” بالفعل معاقب دوليًا، وهو ما يؤكد مرة ثانية على أن هناك اختبارًا أيضًا للأدوات التي يمكن الاستعانة بها في احتواء مشهد التوتر ومنعه من التحول إلى مشهد للفوضى.

كذلك فإن انعقاد اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، الخميس 16 ديسمبر الجاري، قد يمثل فرصة أيضًا للتعامل مع هذا المشهد، خاصة وأنه كان هناك اقتراح بنقل السلطة التنفيذية إلى سرت لإبعادها عن مسرح الفوضى الذي يمكن أن تتحرك فيه المليشيات، وربما تكون هناك فرصة لذلك الآن، مع الوضع في الاعتبار في الوقت ذاته ضرورة التحرك من جانب لجنة البعثة الأممية التي تشارك في الاجتماع لإنذار القوى الخارجية التي تدعم تلك المليشيات وعدم الاقتصار على القوى المحلية المحركة لمشهد الفوضى، وهو ما يتطلب أيضًا تحركًا عاجلًا من المجموعة الفاعلة في إطار مؤتمر برلين، ودعم ذلك عبر مجلس الأمن أيضًا.

 

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر