احتمالات استمرار “بايدن” في سياسة صارمة تجاه بحر الصين الجنوبي | مركز سمت للدراسات

احتمالات استمرار “بايدن” في سياسة صارمة تجاه بحر الصين الجنوبي

التاريخ والوقت : الأحد, 15 نوفمبر 2020

دريك لونج

 

تشير التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي المنتخب، ومستشاروه المقربون، إلى أنه سيكون هناك استمرارية أكثر من التغيير في سياسة الولايات المتحدة بشأن بحر الصين الجنوبي في ظل إدارة “بايدن”، حيث إن الموقف المتشدد تجاه الصين لا يزال ثابتًا عبر كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين.

لكن الخبراء يعتقدون أيضًا أنه في عهد “جو بايدن”، ستواصل واشنطن المزيد من المشاركة الدبلوماسية مع المطالبين من جنوب شرق آسيا حول المياه المتنازع عليها، بعد أربع سنوات من الاهتمام القليل نسبيًا بالكتلة في المنطقة.

وخلال الحملة الانتخابية الحادة، لم يكن هناك اهتمام كبير بالسياسة الخارجية، مما جعل من الصعب التكهن بالكيفية التي سيتعامل بها “بايدن” أو الرئيس “دونالد ترمب”، الذي لم يسلم بعد بنتائج انتخابات 3 نوفمبر، مع موقف الصين الحازم بشكل متزايد بشأن مزاعمها الشاملة تجاه بحر الصين الجنوبي خلال السنوات الأربع المقبلة.

ويجب أن تصبح الأمور أكثر وضوحًا عندما يتم إصدار استراتيجية الأمن القومي الجديدة، وهي مراجعة مشتركة بين الوكالات للسياسة. ومن المقرر أن يتم ذلك في غضون 150 يومًا بعد تولي الرئيس الجديد مهام منصبه في 20 يناير.

يقول “كارل ثاير”، الأستاذ في جامعة نيو ساوث ويلز في كانبيرا، إنه لا يتوقع تغييرًا جذريًا في نهج الولايات المتحدة، الذي يتميز في عهد “ترمب” بزيادة المناورات العسكرية في بحر الصين الجنوبي، أو عمليات حرية الملاحة البحرية، وموقف دبلوماسي أكثر قوة ضد مزاعم الصين بالمياه المتنازع عليها. فتلك الاستراتيجية ستظل موجودة، ولن تتغير المصلحة الوطنية الواضحة رغم تغير الرئيس الأميركي.

وضرب مثالاً على ذلك بعمليات حرية الملاحة البحرية التي تهدف إلى تحدي المطالبات الإقليمية والبحرية غير المدعومة بالقانون الدولي. ويقول “ثاير” إن تلك العمليات ستستمر، ولكن بوتيرة ونطاق سيتم تحديدهما بعد المراجعة المشتركة بين الوكالات.

وفي حين أن الولايات المتحدة لا تطالب ببحر الصين الجنوبي، فإن ما يقرب من 208 مليار دولارات من البضائع الأميركية تسافر عبر تلك المياه سنويًا، وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن. وقد أثارت عسكرة الصين للمنطقة مخاوف بشأن الاضطرابات التجارية، بينما تتدخل سفن خفر السواحل والميليشيات البحرية بانتظام في مياه المطالبين الآخرين، بما في ذلك الفلبين، وهي حليف مع الولايات المتحدة. كما أن واشنطن ملزمة بالدفاع عن “مانيلا” إذا تعرض أي من أفرادها العسكريين لهجوم في بحر الصين الجنوبي.

ويقول “أميتاف أشاريا”، الأستاذ بالجامعة الأميركية بواشنطن، مشيرًا إلى برامج المساعدة العسكرية الخاصة بعمليات حرية الملاحة البحرية وبرامج المساعدة العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة لدول جنوب شرق آسيا: “إنني أشعر أن إدارة بايدن ستستمر في الجانب العسكري، حيث تم وضع كلتا السياستين في الواقع تحت إدارة أوباما عندما شغل بايدن منصب نائب الرئيس، على الرغم من تسارع وتيرة تلك العمليات والتدريبات العسكرية في عهد ترمب. ذلك أن كل ما تريده دول جنوب شرق آسيا هو أن تحافظ الولايات المتحدة على التوازن العسكري، والمشاركة الدبلوماسية، وكافة أنواع المساعدات الاقتصادية وما شابه ذلك دون حرب أيديولوجية أو خطاب ضد الصين”.

المزيد من المشاركة مع الآسيان

تشير هذه التوقعات إلى الطرق التي قد يختلف بها نهج “بايدن” عن نهج “ترمب”.

فمن الممكن أن يكون نهج “بايدن” السياسي أكثر “تنظيمًا”، وأن تقوم إدارته بتكثيف التواصل رفيع المستوى مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تضم 10 دول. وقد اتهم المنتقدون الرئيس الأميركي الحالي باتباع نهج وضغط على الحكومات للانحياز بين الولايات المتحدة والصين.

فكما يقول “ثاير”، سيستمع “بايدن” إلى قادة الآسيان وهو ما قد يغير الأجواء الكاملة لما يحدث. ذلك أن خمسة أعضاء في الآسيان، وهي: بروناي وفيتنام وماليزيا والفلبين وإندونيسيا، لديها مطالبات إقليمية أو مناطق اقتصادية حصرية تتداخل مع مطالبات الصين الكاسحة في بحر الصين الجنوبي.

فخلال السنوات الثماني التي قضاها في منصبه، كان الرئيس – آنذاك – “باراك أوباما” يحضر بانتظام قمم الآسيان السنوية. وبالمقارنة، لم يحضر “ترمب” القمم خلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه ولم يعين سفيرًا لدى الآسيان.

وفي حين يتم انتقاد مشاركة إدارة “ترمب” رفيعة المستوى مع الآسيان باعتبارها فاترة، فقد اتخذت نهجًا أكثر قوة لتأكيد دعمها لدول جنوب شرق آسيا التي تتعامل مع الضغط الصيني في بحر الصين الجنوبي.

وفي يوليو، أعلن وزير الخارجية “مايك بومبيو” عن تحول جديد في نهج الولايات المتحدة تجاه بحر الصين الجنوبي، واصفًا مزاعم الصين ببعض الميزات المغمورة وارتفاعات المد المنخفض بأنها “غير قانونية”، ودحض مزاعم الصين البحرية التوسعية، قائلاً: إن سلوك بكين العدواني ينتهك حقوق دول جنوب شرق آسيا في الموارد داخل مياهها الخاصة. ولم تتخذ الولايات المتحدة في السابق موقفًا رسميًا بشأن أي مطالبات إقليمية في بحر الصين الجنوبي.

بالإضافة إلى ذلك، فقد فرضت إدارة “ترمب” في أغسطس عقوبات على الشركات الصينية المملوكة للدولة التي قالت إنها متورطة في أنشطة غير مشروعة في بحر الصين الجنوبي. وشاركت بعض الكيانات مثل “شركة الاتصالات والمقاولات الصينية” China Communications Construction Co، في تجريف الشعاب المرجانية والصخور في جزر اصطناعية.

لكن ذلك أدى إلى ضغوط أميركية أثارت قلق حكومات جنوب شرق آسيا. وفي حديثه إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا في سبتمبر، طرح “بومبيو” قضية عزل الشركات الصينية عن الاقتصادات الإقليمية. وحتى الآن لم تفعل أي دولة من دول الآسيان ذلك.

وفي غضون ذلك، يبدو أن في الولايات المتحدة ثمة دعم سياسي وعام قوي لخط متشدد تجاه الصين. فحوالي 73% من الأميركيين لديهم وجهة نظر غير مواتية تجاه البلاد، وفقًا لمركز بيو للأبحاث.

وفي الكونجرس، دعَّمَ المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون قانون “هونغ كونغ لحقوق الإنسان والديمقراطية” لعام 2019، واستهدفوا الصين بسبب سحقها للمؤسسات الديمقراطية في هونغ كونغ.

وبالمثل، فإن مشروعًا لقانون يفرض عقوبات أشد على الصين بسبب سلوكها في بحر الصين الجنوبي يحظى برعاية مشتركة ودعم من كلا الطرفين.

كلمات “بايدن”

يبدو أن رأي “بايدن” بشأن الصين، وزعيمها “شي جين بينغ”، قد توتر منذ أن تولى المنصب آخر مرة. وقد تفاعل “بايدن” بكثافة مع نائب الرئيس “شي” – آنذاك – في عهد “إدارة أوباما”، لكن خلال المناظرة التي أجراها في فبراير، وصف بايدن “شي” بـ”السفاح”. كما كتب مقالاً في مجلة فورين أفيرز في (مارس) يصف الصين بأنها “تحدٍ خاص”.

وكتب يقول: “لقد أمضيت ساعات طويلة مع قادتها، وأنا أفهم ما نواجهه، فالطريقة الأكثر فعالية لمواجهة هذا التحدي هي بناء جبهة موحدة من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لمواجهة سلوكيات الصين التعسفية وانتهاكات حقوق الإنسان”.

لقد ترك “بايدن” الباب مفتوحًا أمام إمكانية العمل مع الصين في المجالات التي تلتقي فيها المصالح الأميركية، لكنه صرح بوضوح قائلاً: إن الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تكون صارمة مع الصين.

ويبدو أيضًا أن مستشاري “بايدن”، والمرشحين لحكومته على الأرجح قلقون من سلوك الصين في المنطقة.

لقد وصف “أنتوني بلينكين”، كبير مستشاري السياسة الخارجية لـ”بايدن”، خلال حملته الانتخابية، وهو مرشح لدور كبير في الإدارة، الصين بأنها “أكبر تحدٍ نواجهه من دولة قومية أخرى، اقتصاديًا وتكنولوجيًا وعسكريًا وحتى دبلوماسيًا”، وعندما أجرى برنامج “إنتليجنس ماترز” التابع لشبكة “سي بي إس نيوز” مقابلة معه في سبتمبر، قال إن الولايات المتحدة بحاجة إلى تحالف من الدول التي تقف وراءها للاقتراب من الصين من “موقع قوة”.

كما أعربت “ميشيل فلورنوي”، التي يُعتقد على نطاق واسع أنها المرشح الأعلى لوزير دفاع “بايدن”، بعبارات صارخة عن كيفية مواجهة الحشد العسكري الصيني، إذ قالت: “إذا كان لدى الجيش الأميركي القدرة على التهديد بمصداقية بإغراق جميع السفن العسكرية والغواصات والسفن التجارية الصينية في بحر الصين الجنوبي في غضون 72 ساعة، فقد يفكر القادة الصينيون مرتين قبل شن حصار أو غزو تايوان، على سبيل المثال”، وذلك في مقالة لها بمجلة الشؤون الخارجية في يونيو الماضي.

هناك علامة أخرى على أن إدارة “بايدن” قد يمضي قدمًا بسياسة “ترمب” تجاه المنطقة، وهي أنه عندما أجرى مكالمة بعد الانتخابات مع رئيس الوزراء الأسترالي “سكوت موريسون”، أصدر فريقه الانتقالي بيانًا قال فيه إن “بايدن” يتطلع إلى التعاون بشأن “الحفاظ على أمن وسلام” منطقة المحيطين الهندي والهادئ المزدهرة”.

وقد تبنت إدارة “ترمب” مصطلح “المحيطين الهندي والهادئ”، وأصبح الأساس لمفهوم “المحيطين الهندي والهادئ الحر والمفتوح” الذي قدم الكثير من الأساس المنطقي لنهجها تجاه بحر الصين الجنوبي وانتقادها لسلوك الصين هناك.

وقد يكون استخدام “بايدن” لهذه العبارة علامة على أنه في الوقت الذي ستختلف أجزاء كثيرة من سياسته الخارجية عن تلك الخاصة بسلفه، فإن بعض الأشياء ستبقى كما هي.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: بينار نيوز  Benar News

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر