اتفاق إثيوبيا وإريتريا.. نجاح سعودي – إماراتي ومكاسب إفريقية | مركز سمت للدراسات

اتفاق إثيوبيا وإريتريا.. نجاح سعودي – إماراتي ومكاسب إفريقية

التاريخ والوقت : الإثنين, 17 سبتمبر 2018

رسمت إثيوبيا وإريتريا خريطة جديدة للعلاقات وفق تغير مفاجئ في العلاقات، يمكن وصفه بـ”المُذهل”، بالنظر إلى أن أكثر المتفائلين لم يكن يتخيل أن يطوي البلدان صفحات عشرين عامًا في غضون أربعة أشهر فقط، وذلك بفضل عدة متغيرات متسارعة، على رأسها وساطة خليجية ستكون الرابحة جراء التوصل إلى اتفاق السلام، بالنظر إلى محاولات بناء أمن قومي رصين في البحر الأحمر، فضلاً عن إعادة تشكيل القرن الإفريقي ليكون أكثر تقاربًا – سياسيًا واقتصاديًا – للخليج من أية أطراف أخرى، وهي المنطقة التي تشهد صراعات أطراف إقليمية ودولية، غير أنَّ دولتي السعودية والإمارات سجلتا هدفًا لصالحهما في السياسة الخارجية وإدارة الأزمات(1)، من خلال النجاح في جمع رئيسي الدولتين بالرياض يوم الأحد السادس عشر من سبتمبر، في مشهد تاريخي للتوقيع على اتفاق سلام نهائي أنهى شوطًا من الخلافات التي امتدت لعشرين عامًا، وهو الاتفاق الذي حظي بمتابعة دولية دقيقة.

بدأت قصة التقارب قبل أربعة أشهر، حين بدأ آبي أحمد، الذي يعد أول شخصية من قومية الأورومو تترأس الحكومة في إثيوبيا، رسم خريطة العلاقات الخارجية لبلاده، في إطار التوجه الجديد الذي يفك ثلاث عُقد في ضغطة زر واحدة: أولها اقتصادية، والثانية سياسية وأمنية، والثالثة اجتماعية. وهو الإطار الذي يحل جزءًا مهمًا من منطقة شرق إفريقيا وتحالفاتها المعقدة، ويعيد ترسيم القرن الإفريقي وفق مصالح مغايرة تتزامن مع تسارع الأحداث.

أسباب التحول السريع

كان الخيال بعيدًا، قبل أربعة أشهر، من مجرد تصور سيناريو في فيلم سينمائي يجسد انتهاء الخلاف بين الجارتين الإفريقيتين، لكنَّ ثمة عوامل رئيسية تقف وراء تحقيق المستحيل الذي يجري حاليًا من بينها:

1- الدور السعودي – الإماراتي الذي كان واحدًا من أهم عوامل كسر الحدّة في التفاهمات، وهو ما جسّده مدى الامتنان الذي قدّمه البلدان الإفريقيان إلى القيادتين السعودية والإماراتية(2).

2- العامل الآخر المرتبط بالسابق، هو التحفيز الخليجي للدولتين الإفريقيتين لتحقيق شراكات اقتصادية خلال الفترة المقبلة واستثمارات مشتركة، وهي التعهدات والإجراءات التي من شأنها أن تعيد رسم ثقل هاتين الدولتين في القرن الإفريقي، ويدلل على ذلك تقديم الإمارات لإثيوبيا مساعدات بلغت 3 مليارات دولار، منها مليار دولار لدعم الاحتياطي النقدي الأجنبي(3).

3- سبب رئيس – أيضًا – في التفهم السريع، يتمثل في تولي آبي أحمد، رئاسة الحكومة في إثيوبيا، حيث أظهر انفتاحًا غير مسبوق على دول الجوار، وفتح الملفات التاريخية بجرأة في سبيل حل الخلافات .(4)

4- كسب رئيس الحكومة الإثيوبية ثقة شعبية عندما اتخذ عدة إجراءات، من بينها: إطلاق سراح المعارضة، وإنهاء حالة الطوارئ، ورفع أسماء ائتلاف المعارضة المسلحة من قوائم الإرهاب، وغيرها من الإجراءات التي أكسبت تحركاته دعمًا شعبيًا، ومن ثَمَّ كان ذلك سببًا رئيسًا في إنهاء احتقان أُسر عشرات الآلاف الذي قتلوا خلال الحرب بين البلدين.

5- الإصرار على تسوية الخلاف بين البلدين انطلق من رغبة دول الخليج التي دخلت المنطقة لممارسة دور اقتصادي بإثيوبيا، بالإضافة إلى خشيتها من توغل خصوم، مثل: إيران وقطر في القرن الإفريقي. كلُّ ذلك شجّع على الدفع في إطار إنهاء الخلاف(5).

أمن البحر الأحمر

بيْدَ أنَّ النقطة الأكثر بروزًا في السلام الإثيوبي الإريتري، تتمثل في الدور الخليجي الذي قامت به دولتا السعودية والإمارات، والذي يمكن اعتباره واحدًا من أهم النجاحات في القرن الحالي، بالنظر إلى أن السياسة الخارجية لكلتا الدولتين نجحت إلى حد بعيد في تغيير بوصلة منطقة القرن الإفريقي إلى الخليج بعدما شهدت تلك المنطقة نفوذًا لتحالفات دولية على رأسها إسرائيل وتركيا، فضلاً عن دول أوروبية كان وجودها في إفريقيا ملحوظًا خلال السنوات الماضية.

لا يمكن إغفال أنَّ المساعي السعودية والإماراتية كانت محاطة بتركيز عالٍ على منطقة البحر الأحمر، وهو ما برز من تصريحات زعيمي إثيوبيا وإريتريا حين زارا، بعد توقيعهما اتفاقية السلام والمصالحة، السعودية والإمارات، وأعلنا في بيان مشترك صدر في 24 يوليو الماضي، إيلاءهما اهتمامًا خاصًا بأمن البحر الأحمر والموانئ على الضفة الأخرى للبحر الأحمر، وإسهام ذلك في جلب الاستقرار للإقليم. وهي إشارة غاية في الأهمية، حين أدركت دول الخليج ما يمثله العمق الأمني والاستراتيجي للبحر الأحمر، لا سيَّما مع تحركات إيرانية مشبوهة في تلك المنطقة، بالإضافة إلى أطراف دولية أخرى حاولت – بطريقة أو بأخرى – الاستقرار بقواعدها العسكرية على مقربة من تلك المنطقة الاستراتيجية، وهو ما يثبته الوجود التركي في جزيرة سواكن السودانية .(6)

التفوق الخليجي

إزاء ذلك، فإن الاهتمام الخليجي الذي كان منصبًا على المخاطر التي تحرج منطقة الخليج العربي، أعيد النظر في أدبياته واستراتيجيته، خاصة مع اعتبار أن المخاطر الناجمة منه جغرافيًا تبدو محددة، وهو ما يعني أنَّ سيناريوهات لمخاطر أكبر – اقتصاديًا وسياسيًا – تأتي من ضفاف البحر الأحمر؛ ما يعني أنَّ أمن البحر الأحمر بات جزءًا من التفكير الخليجي، وهو ما جعل المملكة العربية السعودية – على سبيل المثال – تنظر إلى قضية  “أمن البحر الأحمر”، باعتباره في بعض الأحيان مضاهيًا للأمن الخليجي(7).

النجاحات التي حققتها الوساطة السعودية – الإماراتية بين أثيوبييا وإريتريا

1- بناء وجود خليجي وفق شراكة إفريقية لتثبيت دعائم أمن منطقة البحر الأحمر

2- التفوق على دول إقليمية ودولية بذلت جهودًا للسيطرة على منطقة القرن الإفريقي خلال السنوات الماضية

3- سجلت الدولتان نجاحًا لم تحققه الأمم المتحدة أو مبعوثوها خلال عشرين عامًا من المواجهة بين الجارتين الإفريقيتين

4- النجاح الذي حققته الدبلوماسية في البلدين يمكن أنّ يرشح إلى التحول ملفات أكثر تعقيدًا في منطقة الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا

5-حازت الدولتان ثقة من المجتمع الدولي يمكن أن يصب في صالح الملفات الأخرى

6- تزداد أهمية إريتريا بالنسبة لدول التحالف العربي، إذ تمتلك الإمارات قاعدة عسكرية هناك تستخدمها للمشاركة في الحرب

المكاسب المحتملة

المكاسب – أيضًا – تتوزع على كافة الأطراف المشاركة في اتفاق السلام، وفي القلب الدولتان المعنيتان بالأمر من الأساس، لا سيَّما إثيوبيا التي تدشن لمرحلة جديدة من الانفتاح والتفوق الاقتصادي للخروج من عنق الزجاجة، باعتبار أن هذا الاتفاق سيغير “جيو دبلوماسية القرن الإفريقي”، بالإضافة إلى أنّ عدة مكاسب نجملها في الآتي:

  • أولى المكاسب التي تعود على البلدين، أصحاب السلام، تتمثل في كون الموارد التي كان يستخدمها البلدان في الحرب ستستخدم في التنمية مستقبلاً، وهي الخطوة الأولى على صعيد الانتعاش الاقتصادي.
  • فتح الحدود بين البلدين سيؤدي إلى انتعاشة كبيرة في حركة التجارة والتقليل من عمليات التهريب التي أدت إلى تزايد عصابات التهريب على حدودهما.
  • فتح مرافئ إريتريا أمام إثيوبيا سيضيف إلى أديس أبابا، بعدًا جديدًا باعتباره يشكل بابًا للتخلص من الهيمنة المتزايدة لجيبوتي التي استفادت من استيراد وتصدير البضائع من وإلى إثيوبيا .(9)
  • من الناحية الاجتماعية، فإن فتح الحدود بين البلدين من شأنه أن يحدث تلاحمًا غاب لسنوات، ويقلل من معدلات الإجرام التي نتجت عن افتراق أسر كاملة عن ذويها بسبب الحرب التي دارت بين البلدين.
  • بعدما فقدت إثيوبيا أسطولها البحري ولا تمتلك أية إمكانية للوصول إلى البحر الأحمر، ستبدأ مرحلة جديدة من بناء قوة بحرية، وذلك بعدما سرحت قواتها البحرية في 1991 بعد انفصال إريتريا، ونقلت تجارتها البحرية إلى جيبوتي المجاورة(10).
  • ستدخل إثيوبيا شريكًا تجاريًا واقتصاديًا مع بقية الجوار الإفريقي بعدما اقتصرت حركتها التجارية على السكك الحديد والبنى التحتية الأخرى(11).
  • من شأن الاتفاق أن ينتشل القطاعات الأكثر تضررًا خلال السنوات الماضية بين البلدين، وعلى رأسها شركات الطيران والاتصالات والكهرباء، خاصة مع انفتاح البلدين تجاريًا على بعضهما البعض.

مخاوف وتحديات

إلى ذلك يبدو الوضع أكثر تفاؤلاً، لكنَّ النظر في المآلات ومستقبل العملية السياسية والاقتصادية في المنطقة تظهر عدة تحديات من بينها:

  • التخوف من ارتدادة لعصابات التهريب التي نشطت على الحدود خلال السنوات الماضية، تضرب عمق البلدين أمنيًا.
  • التحدي الأبرز أمام رئيس الحكومة الإثيوبية هو ردة فعل الجناح المتشدد في “جبهة تحرير شعب تيجراي” TPLF, خاصة أن تسوية الأزمة مع إريتريا يتعارض مع المشروع التاريخي للجبهة التيجرينية فيما يعرف بمشروع “تيجراي الكبرى” الذي يضم إلى جانب إقليم تيجراي دولة إريتريا(12).
  • يظل التخوف من إمكانية تحالف المعارضة الإريترية مع المجموعات الموالية للجناح المتشدد لجبهة تحرير تيجراي.
  • التقارب بين إثيوبيا وإريتريا يبدو أنه سيكون على حساب السودان، بالنظر إلى اعتماد إثيوبيا على ميناء عصب الإريتري الأقرب جغرافيًا من الموانئ السودانية، وهو ما يمكن أن يزيد وجود المحور التركي القطري في القطر السوداني، خاصة مع تحول إثيوبيا إلى المحور الإماراتي السعودي.(13)

النتائج

  • السلام بين إثيوبيا وإريتريا رسم خريطة جديدة للعلاقات وفق تغير مفاجئ يمكن وصفه بـ”المُذهل”، وهو ما من شأنه أن يعيد خريطة التحالفات الإفريقية من جديد.
  • ثمة عوامل رئيسية تقف وراء تحقيق المستحيل الذي جرى بين البلدين، من بينها الدور السعودي – الإماراتي، والتحفيز الخليجي للدولتين اقتصاديًا، وتولي آبي أحمد رئاسة الحكومة في إثيوبيا، وإصرار خليجي لعب دورًا اقتصاديًا خشية توغل خصوم، مثل: إيران وقطر في القرن الإفريقي.
  • المساعي السعودية والإماراتية كانت محاطة بتركيز عالٍ على منطقة البحر الأحمر وأمنها، لبناء وجود خليجي وفق شراكة إفريقية لتثبيت دعائم أمن البحر الأحمر.
  • تفوقت السعودية والإمارات على دول إقليمية ودولية، وسجلت نجاحًا لم تحققه الأمم المتحدة، يمكن أنّ يرشح إلى اختراق ملفات أكثر تعقيدًا في منطقة الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، فضلاً عن أهمية إريتريا بالنسبة للحرب في اليمن.
  • حقق الاتفاق مكاسب للدولتين الإفريقيتين من بينها، تحويل الموارد التي كان يستخدمها البلدان في الحرب إلى استخدامها في التنمية مستقبلاً، بالإضافة إلى أن فتح مرافئ إريتريا أمام إثيوبيا يشكل بابًا للتخلص من الهيمنة المتزايدة لجيبوتي. كما ستبدأ إثيوبيا ببناء قوة بحرية، وتدخل شريكًا تجاريًا واقتصاديًا مع بقية الجوار الإفريقي.
  • ثمة تحديات – أيضًا – لا تزال قائمة، من بينها الخشية من ارتدادة لعصابات التهريب التي نشطت على الحدود خلال السنوات الماضية، وردة فعل الجناح المتشدد في “جبهة تحرير شعب تيجراي” TPLF, أو إمكانية تحالف المعارضة الإريترية مع المجموعات الموالية للجناح المتشدد لجبهة تيجراي.

وحدة الدراسات السياسية 

المراجع

1- قمة تاريخية بين إثيوبيا وإريتريا تؤسس لحقبة سلام جديدة. صحيفة العرب.

2- إثيوبيا وإريتريا.. خطوات السلام. سكاي نيوز.

3- عودة العلاقات الإثيوبية الإريترية في سياقها الإقليمي. الأهرام المسائي

4- إثيوبيا وإريتريا.. حالة الحرب انتهت. الغد. 

5- التحديات الأمنية على ضفاف البحر الأحمر. الشرق الأوسط

6- بعد حرب راح ضحيتها 70 ألف شخص.. إثيوبيا وإريتريا تختاران السلام. سي إن إن. https://cnn.it/2xhgyLg

7- الأهمية الجيوسياسية للبحر الأحمر. الاقتصادية

8-  الإمارات لعبت دورًا في السلام بين إثيوبيا وإريتريا.. خلف الستار. رويترز

9- إعلان السلام بين إثيوبيا وإريتريا بعد عشرين عامًا من الحرب. فرانس برس

10- سلام إثيوبيا وإريتريا.. إنجاز تاريخي بصبغة سعودية إماراتية. العين. http://bit.ly/2MDRdQG

11- إثيوبيا تعلن “السلام” مع إريتريا.. وتفتح اقتصادها أمام القطاع الخاص. الأهرام. http://bit.ly/2MB3cyn

12- عودة العلاقات الإثيوبية الإريترية في سياقها الإقليمي. الأهرام المسائي

13- هل يكون السلام بين إريتريا وأثيوبيا سلامًا دائمًا في إفريقيا؟ مصراوي. http://bit.ly/2QAoBem

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر