وبغض النظرعمّا إذا كانت المعاهدة المُبرَمة تحتوي على وثيقة واحدة أو أكثرمن ضميمة لهذا الصك الدولي، كما في حالة معاهدات تعيين الحدود الدولية، ولا تُؤثر التسمية التي تختارها الدول الأطراف في هذه المعاهدات في صحتها و آثارها القانونية .

تَنقسم خطوات إبرام المعاهدة الدولية إلى عدة مراحل، وتتصدر المفاوضات هذه الخطوات،  وإذا نجحت المفاوضات بين الأطراف، يجب تحريرالمعاهدة قبل التوقيع عليها ، ثم تقوم هذه الدول عن طريق ممثليها المُعتمدين بتوقيع المعاهدة ، وقد يُفضي التوقيع علي المعاهدات الدولية إلي نفاذها مباشرة مثل اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة التي وقعت في العاصمة السودانية الخرطوم في 23 مارس 2015، وفي المقابل قد يلزم لنفاذ وإلزامية المعاهدة الدولية تجاه الدول أطرافها أن يتم التصديق عليها من جانب الدول الأطراف والتي سبق لها التوقيع علي المعاهدة.

يُشَكل التوقيع على المعاهدات الدولية طريقة للتعبيرعن الرضا بالإلتزام بالمعاهدات الدولية، بالإضافة إلي طَرَائق أخري عددتها المادة 11 من اتفاقية فيينا المشار إليها سالفا وهي: تبادل الوثائق المكونة للمعاهدة أو التصديق أو الانضمام أو أي وسيلة أخري يتم الاتفاق عليها بين أطراف المعاهدة الدولية.

تنقسم أشكال التوقيع التي تتفق عليها أطراف المعاهدة إلي الأشكال الأتية: التوقيع والتوقيع بالأحرف الأولي والتوقيع المرهون بالإستشارة ولا يُعد التوقيع بالأحرف الأولي علي المعاهدات الدولية ملزمًا للدول التي أقدم ممثلوها علي ذلك الإجراء، إلا إذا ثبت أن المتفاوضون اتفقوا علي إلزامية ذلك الشكل من أشكال التوقيع، وتدليلا علي ذلك يُعد التوقيع بالأحرف الأولي بواسطة وزير الخارجية المصري على الإتفاق المقترح لتشغيل سد النهضة في فبراير 2020 المثال الذي يُضرب في ذلك الصدد، أما التوقيع المرهون بالإستشارة لممثل  دولة أو منظمة دولية اذا أيَدته دولته أو منظمته، يُشَكل بدوره توقيعاً نهائياً للمعاهدة.

يُعَتبر التوقيع علي المعاهدات الدولية إجراءً يتخذه أشخاص القانون الدولي سواء الدول ذات السيادة أو المنظمات الدولية؛ وعليه تعرب الدول أو المنظمة الدولية عن موافقتها المبدئية على قبول الاتزامات الواردة في المعاهدة، حين تشترط هذه الأخيرة التصديق عليها من جانب أطرافها، وهنا لا يجعل  التوقيع الدولة الموقعة طرفاً في المعاهدة، ومع ذلك يُمكن القول بأن ذلك التوقيع يمنح الدولة مركزاً مؤقتاً، وإلى أن يتم  التصديق علي المعاهدة، كما في حالة اتفاقية القاعدة الروسية في السودان، وهذا المركز المؤقت يَمنح الدولة الموقعة الحق في أن تَصوغ، كتدبير احتياطي، اعتراضات هي نفسها ذات طابع مؤقت وإذا اُتبِع التوقيع بالتصديق، غدا الإعتراض نهائياً و إلا زال.

يُعد التصديق على المعاهدات الدولية تأكيداً رسمياً للإلتزام بالمعاهدات المُوقَعة، والمُصَادقة علي المعاهدات الدولية إجراء داخلي ينفذه شخص اعتباري دولي وفقاً لدستورالدولة أو المنظمة الدولية، وبناءً عليه يُعلن قبوله لأحكام المعاهدة ويتعهد بتنفيذ أحكامها، والمصادقة تعد إجراء دستورياً داخلياً، يَمنح باسم الدولة الرضا الحر بنصوص المعاهدة، وحتي تُصبح الدولة ملتزمة بالمعاهدة يجب أن يتلاقي هذا الرضا مع رضا دولة أو عدة دول أخري.

تَعني المصادقة أيضاً قيام السلطة المختصة لدي الدول أطراف المعاهدة بإيصال أو تبادل أو إيداع وثيقة احتفالية تَنشر المصادقة على الصعيد الدولي. فأصول التصديق والإجراءات الداخلية التي تُحَضَر له لا تُشكل بحد ذاتها تصديقاً للمعاهدة مالم تُكمل السلطة التنفيذية في الدولة تحرير ونقل الوثيقة الدولية، وفي غياب تلك المصادقات لا تدخل المعاهدة حيز التنفيذ.

قررت المحكمة  الدائمة للعدل الدولية لعصبة الأمم، فضلا عن محكمة العدل الدولية لمنظمة الأمم المتحدة ضرورة التصديق علي المعاهدة الدولية حتي ترتب آثارها القانونية وتنشئ مراكز قانونية جديدة لأطرافها طالما تضمنت نصوص المعاهدة علي دخولها حيز النفاذ بعد المصادقة الداخلية وفقا للأصول  الدستورية لأطراف المعاهدة، فقد قرت محكمة  العدل  الدولية في عام 1952: “إن التصديق عندما ينص عليه، كما في معاهدة التجارة و الملاحة  المعقودة بين اليونان والمملكة المتحدة في عام 1926، يعد شرطاً لا غِني عنه لدخول  المعاهدة حيز  النفاذ”، كما قررت  المحكمة في عام 1992 بشأن الدعوي  المقدمة إليها من كل من نيكاراغوا وهندوراس: “أن المفاوضات التي أفضت إلي توقيع الدولتين في عام 1884 علي معاهدة “كروزليتونا”، والتي لم تصادق عليها هنداروس ، لم تدخل إطلاقاً حيز النفاذ حيث اتفقت الأطراف علي أنه لا يمكن التمسك بأي أثر قانوني ناجم عن المعاهدة ، لأنه لم يتم التصديق عليها.

نافل القول، وقعت السودان وروسيا الإتحادية في نوفمبر عام 2020 ، في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، اتفاقية  حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر بهدف “تعزيز السلام والأمن في المنطقة”، ولا تستهدف أطرافاً أخرى حسبما جاء في مقدمة الاتفاقية ، وسيحصل السودان مقابل ذلك على أسلحة ومعدات عسكرية من روسيا، ومدة الاتفاقية 25 عاما قابلة للتمديد 10 سنوات إضافية بموافقة الطرفين، وبالرغم  من  الخلافات الأخيرة العميقة بين البلدين حول باقي نصوص الاتفاقية، فما يمكن القطع به  وبلا أدني شك، أن هذه الإتفاقية لن تري النورإلا بعد مُصادقة المجلس التشريعي السوداني الذي لم يصادق عليها بعد.