سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تينيولا تايو
في عالم يزداد انقسامًا، يكتسب التعاون الإفريقي زخمًا كبيرًا.
يمثل بدء التجارة بموجب اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) في 1 يناير 2021 فجر حقبة جديدة في رحلة التنمية في إفريقيا. فبمرور الوقت، ستلغي الاتفاقية القارية للتجارة الحرة الإفريقية (AfCFTA) رسوم الاستيراد على 97٪ من السلع المتداولة في القارة، فضلاً عن معالجة الحواجز غير الجمركية.
ومن المتوقع أن يؤدي فتح سوقٍ يضم أكثر من 1.3 مليار شخص إلى تحفيز المزيد من التجارة بين البلدان الإفريقية، مع زيادة جاذبية الاستثمار المباشر في إفريقيا لبقية العالم.
وقد كانت التجارة البينية الإفريقية منخفضة تاريخيًا. ففي عام 2019، جاء 12٪ فقط من واردات إفريقيا بقيمة 560 مليار دولار من القارة. كما وقعت البلدان الإفريقية في شرك المستويات الدنيا للاقتصاد العالمي من خلال بيع مواد خام منخفضة القيمة وشراء سلع مصنعة عالية القيمة. وهو ما يعتبر أحد التحديات الرئيسية للتنمية في إفريقيا. في حين تسعى اتفاقية التجارة الحرة إلى خلاف ذلك.
إن الأساس المنطقي وراء ذلك بسيطٌ من الناحية النظرية، لكنه أمر معقد في الواقع. ومن المتوقع أن تحفز التجارة الحرة بين البلدان الإفريقية التحول الهيكلي في إفريقيا. وكذلك من الممكن أن يؤدي التحول الهيكلي إلى زيادة نمو الصادرات من السلع والخدمات الأكثر تعقيدًا. ويتوقع أيضًا أن يؤدي نمو الصادرات، في القطاعات كثيفة العمالة، إلى خلق المزيد من فرص عمل.
إن إنشاء طبقة وسطى إفريقية كبيرة يعني زيادة الاستهلاك، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الإنتاج، بل والوصول إلى أعلى المستويات الوطنية.
تُظهر البيانات أن التجارة بين البلدان الإفريقية تشتمل على حصة أعلى من السلع المصنعة، ويمكن أن تؤدي تلبية الطلب المحلي عليها إلى وضع البلدان الإفريقية بشكل أفضل في سلاسل القيمة العالمية. لهذا، يجب على البلدان الإفريقية أن تجد إجابات للعديد من الأسئلة بما في ذلك نمو الإنتاج وخفض تكاليف النقل.
لا يمكن أن تحدث زيادة الإنتاج والصادرات من فراغ. فالاتفاقية تعمل على حل مشكلات الطلب من خلال إنشاء سوق إفريقية واحدة، ولكن هناك أسبابًا لعدم تمكن البلدان من زيادة الإنتاج لمطابقة استهلاك مواطنيها.
وبعد المنتجات البترولية، تعد السيارات أعلى الواردات من حيث القيمة إلى إفريقيا. ففي عام 2019، أنفقت القارة حوالي 19 مليار دولار على استيراد السيارات، إذ تم تحقيق 3٪ فقط من هذه القيمة من خلال المصدرين الأفارقة. وقد أنفقت نيجيريا ما يقرب من 4 مليارات دولار في استيراد السيارات في نفس العام، وقد حدث ذلك لمدة خمس سنوات.
إن فهم سبب عجز المنتجين النيجيريين عن تلبية الطلب المحلي على السيارات سوف يسلط الضوء على ما يجب تغييره في سياق سوق إفريقي واحد. ومع ذلك، فإنه من المنطقي أن وجود سوق أكبر سوف يُحَسِّن حالة الأعمال للاستثمار الأجنبي المباشر، مما يجلب رأس المال والتكنولوجيا، وهو ما تشتد الحاجة إليه في إفريقيا.
من ناحية أخرى، قد يكون من الصعب السيطرة على الإنتاجية، أو القدرة على المزيد من الإنتاج. فقد تمَّ الاعتراف بزيادة الإنتاجية كمحركٍ رئيسٍ للنمو. وسيتطلب تحسين الإنتاجية تخصيصًا أكثر كفاءة لعوامل الثروات مثل: الأرض، والعمالة، ورأس المال، مع الاستفادة من التقنيات المناسبة.
وقد تكون إحدى طرق دفع نمو الإنتاجية باستخدام السياسات الصناعية من خلال تشجيع انتقال النشاط الاقتصادي من الاستخراج البسيط للمواد الخام إلى الإنتاج الأكثر تعقيدًا للسلع المصنعة. وأحيانًا ما يتم ذلك من خلال توفير البنية التحتية والقروض والإعانات والحوافز الضريبية لدعم المنتجين، أو عن طريق “حمايتهم” بالقيود التجارية.
أمَّا القضية الثالثة، فتتصل بتكاليف النقل. إذ لم تكن التعريفات الجمركية هي السبب الوحيد لانخفاض التجارة بين البلدان الإفريقية، فقد لعبت الحواجز غير الجمركية مثل تكاليف النقل دورًا مهمًا. فالمحادثات حول تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة أدركت الحاجة إلى الاستثمار في البنية التحتية للنقل لتسهيل التجارة. وعلى الرغم من إمكانية النظر في العديد من الخيارات، لا تزال تكاليف النقل المرتفعة تشكل تهديدًا للقدرة التنافسية التسعيرية للصادرات بين البلدان الإفريقية، لا سيَّما في السياق عبر الإقليمي.
وسيكون هناك العديد من الحواجز الأخرى أمام التجارة بما في ذلك العجز في البنية التحتية الصلبة وغير المادية، ومتطلبات الاعتماد، والروتين البيروقراطي، والسعي وراء الريع من قبل المسؤولين الحكوميين. وقد تمَّ وضع آلية للإبلاغ عن معالجة الحواجز غير الجمركية.
لذا، ستحتاج البلدان الإفريقية إلى العمل معًا لإيجاد حلول دائمة لهذه المشاكل. وبشكلٍ أكثر تحديدًا، لكي تعمل السياسات الصناعية لصالح منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية وليس ضدها، فقد يتعين تنسيقها على المستوى القاري. وبخلاف ذلك، يمكن أن تركز معظم البلدان الإفريقية على سلع وخدمات مماثلة، وقد تقتصر مرة أخرى على أسواقها المحلية.
كما أن تنسيق السياسات الصناعية سيساعد البلدان أو المناطق على تخصيص الإنتاج في اتجاهات محددة ومتكاملة. لهذا، فإن التخصص يسهل وفورات الحجم ونمو الإنتاجية. كما يمكن أن يؤدي أيضًا إلى انخفاض الأسعار والمزيد من السلع التنافسية لكل من الأسواق الإفريقية والعالمية.
لقد كانت هناك محاولات عديدة، على الصعيدين الوطني والإقليمي، لإيجاد حلول جماعية لهذه المشاكل. فقد أنشأت كافة الجماعات الاقتصادية الإقليمية تقريبًا استراتيجيات صناعية جماعية في مرحلة ما. إذ أطلق الاتحاد الإفريقي استراتيجية تنفيذ خطته للتنمية الصناعية المعجلة لإفريقيا في عام 2008.
وقد فشلت بعض هذه المحاولات للتعاون والتنسيق فوق الوطني، وذلك لعدة أسباب بما في ذلك تحديات الشرعية والإنفاذ مع الهيئات الإقليمية، وعدم كفاية الإرادة السياسية من الحكومات الوطنية.
وعلى غرار “قرن الإذلال” الذي شهدته الصين، يوفر تاريخ إفريقيا في العبودية والاستعمار والتهميش العالمي اللاحق قوةً دافعةً للتغيير. فمن الاستقلال إلى فترة ما بعد الاستقلال، وضع قادة مثل “كوامي نكروما” رؤية للوحدة والتعاون لإفريقيا. ومع توقيع 54 دولة و36 تصديقًا، فإن السرعة التي تحرك بها القادة الأفارقة بشأن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، قد تشير إلى مستوى جديد من الالتزام بهذه المُثل.
ويواجه التعاون صعوبات، كما يتضح من تراجع تعددية الأطراف. لذا، يجب على القادة الأفارقة أن يسيروا في طريق التنمية الجماعية بحذر كافٍ لهذه القضايا. وتجسد فلسفة “أوبونتو” الفكرة الجماعية الإفريقية الشهيرة التي غالبًا ما تتناقض بفخر مع النسخة الغربية الفردية.
ويمكن لإفريقيا أن تصبح منارة للتعاون المتعدد الأطراف في عالم يزداد انقسامًا. وهنا يثار التساؤل: هل ستضع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية الأساس للتقدم الإفريقي، أم أنه سيكون مقدمة لانهيار سابق لأوانه للوحدة الإفريقية والتعاون؟ سنكتشف ذلك قريبًا.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Institute for Security Studies
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر