اتحاد علماء القرضاوي.. أخونة في ثياب الدين | مركز سمت للدراسات

اتحاد علماء القرضاوي.. أخونة في ثياب الدين

التاريخ والوقت : الخميس, 30 أغسطس 2018

منذ تأسيسه في يوليو 2004 بالعاصمة البريطانية لندن، رسم ما يُسمى بـ”الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” إطارًا سياسيًا لمنهجيته الدينية، انتهت بارتدائه ثياب جماعة الإخوان المسلمين على كافة المستويات السياسية والدينية والأيديولوجية، بالنظر إلى عدة مقدمات أهمها اقتصاره على مشايخ الجماعة، فضلاً عن تسييس كافة الآراء الفقهية والشرعية بما يتوافق مع المنطلقات السياسية للجماعة، وشرعنة القرارات التي تتخذها الدول الموالية للإخوان، خاصة قطر وتركيا الداعمتين لمشروع الإسلام السياسي.

شيوخ الإخوان

ضم الاتحاد عددًا كبيرًا من المشايخ المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، بل بعضهم يعتبر أحد الكوادر القيادية بالتنظيم، رغم أنّ الملف التعريفي للاتحاد تضمن بندًا من ضمن الأهداف يحمل عنوان “الاستقلال” حين قال إنه “لا يتبع دولة من الدول، ولا جماعة من الجماعات، ولا طائفة من الطوائف”، لكنّ الواقع يُغاير هذه المزاعم باعتبار الاتحاد يضم كافة مشايخ التيار الإخواني في الدول العربية، وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي.(1)

كما أنّ من بين الأسماء – أيضًا – الدكتور حسن الشافعي، وهو المعروف بمواقفه المؤيدة بالكلية لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة موقفه من نظام الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، حين أصدر بيانًا داعمًا لاعتصامَي النهضة ورابعة العدوية.(3)

بالإضافة إلى الدكتور صلاح سلطان، الذي يعتبر أحد الكوادر الإخوانية الذي قاد اعتصام أنصار الجماعة بميدان رابعة العدوية في عام 2013، حين صدّر خطاب الجهاد في مواجهة شباب الجماعة لأجهزة الأمن حينها واتهم بالتسبب في إراقة الدماء.(4)

هذا، بالإضافة إلى الدكتور عمر عبدالكافي، الذي لم يخفِ مواقفه السياسية الواضحة خلال تسعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى الليبي سالم الشيخي، الذي تصدر خطابه الديني عناوين سياسية خالصة مؤيدة لأهداف جماعة الإخوان، بالإضافة إلى تصدير خطاب جهادي إبان الإطاحة بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي، لا سيَّما دوريته التي حملت عنوان “ثورة شباب ليبيا الأحرار”.(5)

تناقض منهجية الاتحاد

لم تخلُ منهجية الاتحاد من المتناقضات، ففضلاً عن مخالفته منهج الاستقلال الذي تبناه، ضم أمناؤه وأعضاؤه كوادر جماعة الإخوان كما لم يضم أيًّا من مشايخ التيارات الإسلامية الأخرى، والقليل من الكوادر الدينية الرسيمة في البلدان العربية بخلاف من هو متقارب مع منهجية الجماعة.

ثاني المبادئ التي صدّرها الاتحاد وجاءت مخالفة على أرض الواقع، يتمثل في تضمن تعريفه للعلماء الذين ينخرطون في عضويته أن يكونوا خريجي الكليات الشرعية والأقسام الإسلامية، لكنّه ضم من بين الأسماء شخصيات لم تدرس قط العلوم الشرعية، غير أنّ مواقفها تأتي داعمة لفكرة ومنهجية جماعة الإخوان، ومن بينهم الكاتب فهمي هويدي، وهو خريج كلية الحقوق، في جامعة القاهرة.(6)

ثالث التناقضات في منهجية الاتحاد، يتمثل في شعار “الدعوية”، حين حصرها في تعريفه بأنها “مؤسسة تُعنى بالدعوة إلى الإسلام”، وهو ما يخالف تصرفات وإجراءات وفاعليات الاتحاد واقعيًا بالنظر إلى اتساع تداخلاته السياسية على حساب الأخرى الدينية، فلم تخلُ خطب مشايخ الاتحاد من تداخل الدين بالسياسة. ففضلاً عن فتاوى وتصريحات يوسف القرضاوي، فإن الشيخ علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد، أطلق العديد من التصريحات التي تربط بين قضايا الدين وضرورة “إصلاح الأنظمة السياسية”، وهو الخطاب الذي ترفعه دائمًا جماعة الإخوان في المناطق التي تريد السيطرة عليها وإسقاط أنظمتها الحاكمة.(7)

رابع المتناقضات، النص على أنّ منهجية الاتحاد تعتمد على الوسطية والبعد عن الإفراط، رغم صدور عشرات الفتاوى والخطابات التي تُصنّف على أنّها جهادية، أو ما تُسميها الجماعة “الحركة الثورية”بالجماعات الإسلامية، وهو ما ظهر جليًا في الأحداث التي شهدتها الدول العربية، خاصة سوريا والعراق وليبيا ومصر.

فتاوى التطرف والتوظيف السياسي

حملت فتاوى الاتحاد وتصريحات وبيانات علمائه، كمًا هائلاً من التطرف الذي خرج من عباءة السياسة، لعل أهمها ما جاء على لسان رئيس الاتحاد القرضاوي في أغسطس 2013، عندما ظهر على قناة “الجزيرة” عقب فض اعتصام أنصار الإخوان للتحريض على الحرب الأهلية ودعوة المصريين للاقتتال، حين وصف ذلك بأنه “فرض عين على كل مسلم مصري قادر ومؤمن بأن يترك منزله”، فضلاً عن فتواه خلال الانتخابات الرئاسية المصرية عام 2014، بدعوة أنصار الجماعة بمقاطعة الانتخابات، حين حرّم النزول في تلك الانتخابات، كما اعتبر أن من يشارك فيها يرتكب إثمًا.(8)

كما أنّ من أكثر الفتاوى الشاذة التي أثارت الجدل، جاءت على لسان القرضاوي نفسه، حين أفتى بجواز القيام بعمليات انتحارية، وهي الفتوى التي تستند إليها الجماعات المتطرفة في تجنيد الشباب للقيام بعمليات انتحارية، حين قال نصًا “التفجيرات الانتحارية لا تجوز إلا بتدبير جماعي، فلا بد للجماعة أن ترى أنها بحاجة إلى هذا الأمر، فإذا رأت الجماعة أنها في حاجة إلى أن يفجر شخص نفسه في الآخرين، يكون أمرًا مطلوبًا، وتدبّر الجماعة كيف يفعل هذا بأقل الخسائر”.

آخر الفتاوى المسيسة جاءت حين وقف الاتحاد خلف النظام القطري عندما أعلنت دول الرباعي العربي مقاطعته بسبب دعمه للجماعات الإرهابية، وهي المقاطعة التي وصفها الاتحاد بأنها “حرام شرعًا”.(9)

الأكثر وضوحًا بدا من فتوى القرضاوي، أخيرًا، عن الحج، عندما أطلق تدوينات حُملت على أنها إسقاط لفريضة الحج عندما قلل من أهمية الحج، وهو ما يشير إلى إدخال صريح لأزمة قطر والدول العربية في واحدة من أهم الفرائض الدينية عن المسلمين.(10)

ثياب شرعي

لعل الهدف الأبرز إذًا من إنشاء الاتحاد يبدو في إيجاد شرعية دينية لتطريز ثياب الأنظمة السياسية الموالية لجماعة الإخوان، خاصة قراراتها ومواقفها، وهو ما بدا واضحًا في الآتي:

1- استعمل الاتحاد سياسة الحشد الجماهيري للإجراءات السياسية للأنظمة الموالية للجماعة، وهو ما بدا جليًا في الانتخابات التي جرت في البلدان العربية في أعقاب ما سُمي بـ”الربيع العربي”، خاصة في مصر وتونس وليبيا، حين جاءت الفتاوى والخطابات التي صدرت عن الاتحاد داعمة لجماعة الإخوان في قرارات وإجراءاتها السياسية بصبغة دينية شرعية.

2- انحاز الاتحاد بشكل صريح إلى دول رعاية الإخوان، وهو ما جاء على لسان أمينه العام علي القره داغي، عقب انتهاء الانتخابات التركية الأخيرة، حين كتب عبر صفحته على فيسبوك “فاز السيسي بنسبة 97% في الانتخابات المصرية رغم القتل والتعذيب والسجون والدمار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي! وفاز أردوغان بنسبة 52.5% في الانتخابات التركية رغم الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي حققها!”، وهو ما بدا تلميعًا سياسيًا من ثياب الدين.(11)

3- حاول الاتحاد أن يحجز لنفسه مكانة على المستوى الإقليمي والدولي باعتباره المنبر الأكبر المعبر عن الدين الإسلامي، فبدأ حربًا مضادة من خلال الانتقاد والسخرية من المؤسسات الدينية الرسمية كالأزهر الشريف في مصر، وهيئة كبار العلماء بالسعودية، وضرب مصداقيتهم عبر المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، دعمتها جماعة الإخوان من خلال إعادة نشر تصريحات وفتاوى وآراء مشايخ الاتحاد المشككة والساخرة والمنتقدة لشيوخ المؤسسات الدينية الرسمية.(12)

أخونة الخطاب الديني

إلى ذلك، بات واضحًا أن الاتحاد كان الذراع الديني لتوغل جماعة الإخوان في الخطاب الديني الإسلامي، بهدف دعم طموحاتها للسيطرة على أنظمة الحكم في البلدان العربية، انطلق ذلك من مقاربات عديدة تلازمت مع الأحاديث السياسية وغيرها الدينية، وظهرت عبر خطابات وتصريحات علماء الاتحاد، وبدا ذلك من خلال الآتي:

 أولاً: هيمنة التأويلات الدينية الوضعية والاجتماعية والسياسية على مجمل الفتاوى التي أطلقها مشايخ الاتحاد، انطلاقًا من فرضية التماشي مع التطورات الحديثة.

ثانيًا: برز بشكل علني وواضح خطاب تكفير ديني إزاء الخصوم الفكريين على حساب الخطاب الفقهي التعبدي الذي يعنى بأمور الدين الإسلامي المتعلقة بفقه التعبد، حيث جرى توظيف الخطاب الديني ليكون متواطئًا مع السلطة الحاكمة إزاء خصوم النظام، وهو ما بدا واضحًا مع خصوم فترة حكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي لتثبيت حكمه.(13)

ثالثًا: لم يغفل الاتحاد الدعوات التي تصاعدت خلال الفترة الماضية بشأن تجديد الخطاب الديني لينبري مشايخه في فرض إطار آخر لشكل وآليات هذا التجديد، اقترن في أغلبه بمقاربة كلامية وسياسية حول التراث والتجديد، وصل إلى إطار يجمع الدين بالسياسة باعتبار الاثنين من مقتضيات التجديد الديني، وهو ما جرى توظيفه في النهاية لصالح جماعة الإخوان.(14)

رابعًا: بروز الفتاوى التكفيرية التي وصلت إلى حد الإفتاء بجواز العمليات الانتحارية، وفق ما أدلى شيخهم يوسف القرضاوي، خلال حلقة إذاعية عبر قناة الجزيرة القطرية نصًا بـ”جواز التفجيرات الانتحارية شريطة أن تكون في إطار جماعاتي وليس فريدًا”.(15)

خامسًا: ثبّت الاتحاد منهجية “الصراع” في الأمور الدينية، وهو ما بدا من تعريفه لأهدافه الإنشائية ومنهجيته، حين نص على أن الدور الذي يقوم من أجله الاتحاد هو “تجنيد الكفاءات العلمية والطاقات العملية، تقودها ثلة من العلماء المشهود لهم بالفقه في الدين، والاستقامة في السلوك، والشجاعة في الحق”، إذ تُظهر لفظًا الـ”تجنيد” و”الشجاعة في الحق” مدى الندية التي وصلت في مراحل متقدمة إلى ما يسمونه “حتمية الصراع”.(16) (17)

 

النتائج

1- الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنشئ في إطار ديني دعوي بثياب سياسية لجماعة الإخوان المسلمين، على كافة المستويات السياسية والدينية والأيديولوجية.

2- ضم الاتحاد عددًا كبيرًا من المشايخ المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، بل بعضهم يعتبر أحد الكوادر القيادية بالتنظيم.

3- لم تخلُ منهجية الاتحاد من المتناقضات من بينها منهج الاستقلال والوسطية وشعار “الدعوية” ومعايير اختيار أعضائه.

4- حملت فتاوى الاتحاد وتصريحات وبيانات علمائه كمًا هائلاً من التطرف الذي خرج من عباءة السياسية، أغلبها تتعلق بانتخابات كانت جماعة الإخوان طرفًا فيها، أو قرارات لدول وأنظمة موالية للجماعة كقطر وتركيا.

5-استعمل الاتحاد سياسة الحشد الجماهيري للإجراءات السياسية للأنظمة الموالية للجماعة، وهو ما بدا جليًا في الانتخابات التي جرت في البلدان العربية في أعقاب ما سُمي بـ”الربيع العربي”.

6- حاول الاتحاد أن يحجز لنفسه مكانة على المستوى الإقليمي والدولي باعتباره المنبر الأكبر المعبر عن الدين الإسلامي، فبدأ حربًا مضادة من خلال الانتقاد والسخرية من المؤسسات الدينية الرسمية كالأزهر الشريف في مصر وهيئة كبار العلماء بالسعودية.

7-كان الذراع الديني لتوغل جماعة الإخوان في الخطاب الديني الإسلامي، بهدف دعم طموحاتها للسيطرة على أنظمة الحكم من خلال بروز خطاب تكفير ديني إزاء الخصوم الفكريين على حساب الخطاب الفقهي التعبدي الذي يعنى بأمور الدين الإسلامي.

 

وحدة الدراسات الاجتماعية*

المراجع

1-الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكيبيديا.

2- صرخة الشيخ حسن الشافعي بسبب فض اعتصام رابعة والنهضة، اليوتيوب.

3- صلاح سلطان في ميدان رابعة العدوية، اليوتيوب

4- سالم الشيخي.. من أوروبا إلى حلبة الصراع في ليبيا، بوابة الحركات الإسلامية

5- الاتحاد العام لعلماء المسلمين، وكيبيديا.

6- القره داغي: إصلاح الأنظمة السياسية شرط أساسي لتقدم الأمة، موقعه الإلكتروني

7- القرضاوي.. فتاوى لخدمة مصالح “الحمدين”، صحيفة الاتحاد

8- أبرز 5 فتاوى تحريضية لاتحاد القرضاوي للإرهاب، صحيفة العين

9- أول تعليق من القرضاوي بعد الهجوم عليه بسبب “تغريدة الحج”، سي إن إن. https://cnn.it/2P9MMyv

10- قيادي باتحاد يرأسه القرضاوي يقارن بين فوزي أردوغان والسيسي بالانتخابات، سي إن إن.  https://cnn.it/2MPFbI2

11- من لندن إلى قطر.. رحلة “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” مع الإرهاب ومعاشرة الجثث، صحيفة سبق

12- الهوس الديني وخطاب التكفير.. الدكتور يسري عبدالله، الأهرام. https://bit.ly/2KmRSJZ

13- تجديد الخطاب الديني .. سلمان العودة. https://bit.ly/2tTrnke

14-أبرز 5 فتاوى تحريضية لاتحاد القرضاوي للإرهاب، صحيفة العين

15- الاتحاد العام لعلماء المسلمين، وكيبيديا.

16- مقدمة أزمة الخطاب الإسلامي عند الإخوان، مؤمنون بلا حدود. https://bit.ly/2IGzciF

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر