سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أحمد الديباوي
خلال السنوات القليلة الماضية، إبان ما يُعرف إعلامياً بـ”الربيع العربي”، ظهرت كل من إيران وتركيا كدولتين تتنازعان القضايا الإقليمية، السياسية والاقتصادية والعسكرية، في منطقة الشرق الأوسط، وتحاولان الظهور بمظهر المؤثر في خضمّ الأحداث المتلاحقة التي اكتنفت مسيرة التاريخ السياسي لأكثر من دولة عربية في المنطقة، ولا سيما في ظل التحالف التركي المعلَن مع جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها في مصر آنذاك، وكذا التحالف غير المعلَن لإيران مع الجماعة نفسها، على الرغم من التباين المذهبي بين إيران الشيعية وجماعة الإخوان السنية.
إيران وأذرعها في المنطقة
في ظل انشغال الدول العربية الكبرى، خصوصاً مصر، في قضاياها المحلية الداخلية، وانكفائها على نفسها في أعقاب سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، سعت إيران حثيثاً إلى التوسع في المنطقة، والتأثير؛ سياسياً ومالياً وعقائدياً، في أكثر من دولة عربية، وتحديداً في: العراق واليمن وسوريا ولبنان.
استطاعت إيران عبر عدة خطط وطرق ممارسة نفوذ واسع في تلك الدول، من خلال التنسيق السياسي والدعم اللوجيستي والتمويل المالي، فضلاً عن إذكاء الروح الطائفية والمذهبية في تلك الدول، لكن ذلك النفوذ المتزايد يواجِه باستمرار عوامل داخلية واقتصادية تعوق التوسع، فضلاً عن اصطدامه بحزمة من العقوبات الأمريكية التي أثبتت التجربة أنّها لا تحد من الطموحات الإقليمية الإيرانية وتصاعد دورها كمنافس إقليمي شرس في المنطقة.
لكن تبقى اليمن البيئة الخصبة لممارسات إيران المريبة في المنطقة، من خلال التنسيق الشامل، والدعم المتكامل اللذين تقدمهما لميليشيا الحوثي، خصوصاً بعد سقوط نظام علي عبد الله صالح واغتياله لاحقاً، لتصبح هي القوة المسيطرة على الجمهورية اليمنية، كذراع إيراني طويل بالوكالة يهدد دول الخليج، على المستوى الأمني والاقتصادي، وهو وضع لم يعد مبشراً سوى بمزيد من القلق، وإثارة المشكلات ذات الأبعاد الطائفية، ليس في منطقة الخليج العربي وحدها؛ بل في العالم العربي كله، ولا سيما في ظل ميوعة الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي في التعامل مع الملف الإيراني!
التحالف التركي الإخواني ضد مصر
تركيا، بدورها، انتهزت الاضطرابات التي هزّت أكثر من دولة عربية على رأسها مصر، بعد الخامس والعشرين من يناير 2011، فوجدت الفرصة سانحة للنفاذ وتحقيق أطماعها في تلك الدول، وكانت مصر أكثر تلك الدول التي سعت تركيا إلى التدخلات السافرة في سياساتها من خلال تحالفها المريب مع جماعة الإخوان المسلمين، سعياً في المقام الأول إلى تأمين مصالحها الخاصة من خلال التدخل في شؤون البلاد الداخلية، مُرتكبة انتهاكات تمس السيادة الوطنية لها، وهو ما دانته جامعة الدول العربية في غير بيان لها.
ولم تجد تركيا غضاضة من دعم التنظيمات الإرهابية وجماعات الإسلام السياسي؛ لبسط نفوذها في المنطقة، ومحاولة تدمير الدول الكبرى، خصوصاً مصر، ففي تقرير أخير لصحيفة “نيويورك بوست”، نُشر الشهر الماضي، ذكرت أنّ تركيا أصبحت في عهد رجب طيب أردوغان ولاية قضائية للأنظمة المارقة وملاذاً لقوى الشر والجماعات الإرهابية الإقليمية وتبييض الأموال.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ الأدلة ضد تركيا بدعم الإرهاب أصبحت تتزايد باستمرار، آخرها قيام وزارة الخزانة الأميركية قبل أسبوعين بفرض عقوبات على 11 كيانا وأفراداً مرتبطين بالنظام التركي لدعمهم جماعات إرهابية، ومما هو جدير بالذكر أنّ تركيا تسمح لعناصر خطيرة من حركة حماس بحرية الحركة في أراضيها وممارسة أدوار مخالفة للقانون الدولي، وعلى رأس تلك العناصر يبرز اسما صالح العاروري وعماد العلَمي!
وبعد سقوط جماعة الإخوان في مصر العام 2013، لجأ من هرب منهم إلى تركيا التي وفرت ملاذاً آمناً لهم، متخذين منها قاعدة لبث حربهم الإعلامية المأجورة ضد مصر ونظامها، وبالإضافة إلى ذلك، تبث المحطات التلفزيونية التابعة للجماعة مثل؛ “الشرق”، و”مكملين”، وغيرهما، تهديدات بالقتل ضد المسؤولين المصريين والرعايا الأجانب في مصر، وفي الوقت الذي تدعي فيه تركيا أنّها مع حرية الرأي والتعبير والمعارضة، إذا بها في الوقت نفسه تمارس انتهاكات داخلية تطال حرية التعبير في تركيا، وتطارد أصوات المعارضة الداخلية لأردوغان، في مفارقة غريبة جداً تدل على أنّ تركيا تريد فقط إسقاط دولة كبرى بحجم مصر في سبيل فرض نفوذها وأحلامها التوسعية في المنطقة.
يقتضي الموقف، الآن، من الدول العربية ترتيب الخطوات السياسية والدبلوماسية والقانونية، وتنسيق الأدوار فيما بينها لكبح جماح هاتين الدولتين اللتين باتت طموحاتهما خطراً يهدد أمن واستقرار المنطقة كلها، خصوصاً بعد مهاجمة مواقع نفطية سعودية، وتزايد الدعايات والتحريض السافر بالثورة والانقلاب في مصر من جانب القنوات التلفزيونية التابعة لجماعة الإخوان في تركيا، فضلاً عن محاولات أردوغان البائسة للتشهير بمصر في خطابه الأخير بالجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، لصرف النظر عن تدهور وضع نظامه، والخسائر المُتتالية التي يُعانيها حزبه.
المصدر: حفريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر