إميل أمين
حين يتحدث وزير الخارجية البريطاني دومنيك راب مشيرا إلى أن بلاده لن تسمح لإيران بحيازة سلاح نووي، ومؤكدا أنه سيتم محاسبة طهران على تصرفاتها وخرقها للقوانين الدولية، فإن ذلك ينم عما هو جديد ومثير ومؤكد أيضا خطير بالنسبة لإيران وبرنامجها النووي الذي يقترب يوما تلو الآخر في طريق الوصول إلى هدفها النهائي، أي حيازة السلاح النووي.
خيل للإيرانيين في الأشهر الثلاثة المنصرمة أن العالم قد انشغل في إشكالية فيروس كورونا مرة وإلى الأبد، غير أن الحقيقة على خلاف ذلك، سيما وأن المراقبين للشأن الإيراني يدركون أنها إن لم تستطع الذهاب مباشرة إلى هدفها، فإنها تلتف من وراء التضاريس، وتختبئ عامدة متعمدة عن أعين الوكالة الدولية للطاقة النووية، في محاولة لخداع العالم، لكن المكر السيئ يحيق أبدا ودوما بصاحبه.
إيران التي لا ترتدع تم فضحها نهار الثالث من مارس آذار الجاري من خلال التقرير الفصلي الصادر عن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، والذي كشف عن أن مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب قد تضاعف ثلاث مرات تقريبا منذ صدور التقرير السابق في تشرين الثاني/نوفمير.. ما الذي يعنيه هذا الخبر أول الأمر؟
باختصار غير مخل ومن الناحية النظرية يعني ذلك أن زيادة التخصيب قد تمكن إيران من إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم لصنع قنبلة نووية بسيطة خلال ما يزيد قليلا عن ستة أشهر، اعتمادا على عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة وفعاليتها.
تجاوزت إيران في واقع الأمر نسبة التخصيب المتفق عليها في الاتفاق النووي سيئ السمعة الذي عقده باراك أوباما مع الإيرانيين، وقد كان بشكل أو بآخر بابا خلفيا حقيقيا لحيازة السلاح النووي في مدى زمني بعينه، فقد أشار تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى مواصلة إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة أربعة ونصف في المائة منذ يوليو تموز 2019، وارتفاع مخزون إيران منه إلى ما فوق 1020 كلغ.
النوايا الإيرانية السيئة والالتفاف على العالم برمته، بادعاء أنه برنامج نووي سلمي لتوليد الطاقة، لم تعد تنطلي على أحد لا سيما بعد العثور على جسيمات يورانيوم في موقع غير معلن، يرجح أنه ضمن ثلاثة مواقع جرت فيها تجارب نووية إيرانية في بدايات العقد الأول من القرن الحالي، أي قبل فترة طويلة من ابرام إيران اتفاقا تاريخيا مع القوى العالمية عام 2015.
السؤال الجوهري الذي يتردد على العقول: لماذا تسعى إيران الى حيازة السلاح النووي، وتعرض شعبها لمخاطر الحصار، وربما الحرب التي لن تقوى عليها في الغد؟
هناك رؤية مؤكدة مفادها أن إيران تسعى حثيثا لان تكون المكافئ الموضوعي لإسرائيل في الشرق الأوسط، وتاليا يمكنها تقاسم النفوذ مع تل أبيب، عبر فرض السطوة والهيمنة في الشرق الأوسط، ومن غير ادنى شراكة عربية في الحال أو الاستقبال.
هذا الحديث يؤكده سايمون هندرسون، مدير برنامج “برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة”، في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وعنده أن الانظمة المشابهة للنظام الإيراني تميل الى اعتبار ترسانة القنابل النووية بمثابة دلالة رمزية على مكانتها ورادع للهجمات العسكرية الخارجية، حتى إنه يعتقد ان شاه إيران الراحل كان قد درس الخيار النووي قبل ان تطيح به الثورة الاسلامية.
كثيرا وطويلا حاججت إيران بملاليها ومنظريها وباقوال وتصريحات مرشدها بأنها لا تسعى لحيازة مثل هذا السلاح الفتاك، وأنه محرم شرعا، الامر الذي يتسق وفكر التقية الذي يوجه القيادة الإيرانية منذ اليوم الاول للثورة غير المحمودة، إلا أن ما لا يغيب عن ناظري العالم، وما قد تنبه له الأوروبيون ولو متأخرا موصول باعتقاد المرشد الأعلى ومن لف لفه أن الاسلحة النووية سوف تؤكد نجاح نظامه واستمرار سلطته الدينية.
ارتكان خامنئ هنا يتأتى من مقاربة بين الأنظمة التي حازت السلاح النووي وتلك التي اخفقت في التوصل إليه رغم محالاوتها وإنفاقها مليارات الدولارات في هذا الشأن.
الإيرانيون يروج وسط جماهيرهم وإن بطريق خفي كيف أن كوريا الشمالية تفرض شروطها على المجتمع الدولي عامة وعلى الولايات المتحدة الأميركية خاصة، وها هو كيم جونغ يجري تجاربه النووية وما من أحد قادر على الاقتراب منه، في حين أن القذافي قد تعرض في حياته وموته لمهانة كبرى بعد أن سلم مفاتيح مشروعه النووي للوكالة الدولية للطاقة الذرية لانهائه.
هل الوضع الإيراني يقترب من حد الخطر أي المقدرة على بلوغ العتبة النووية؟
المقطوع به في ضوء رقم 1020 كيلوغرام من اليورانيوم التي حازتها إيران مؤخرا، لا يبقى أمامها سوى 30 كيلوغرام فقط، للوصول إلى المعدل الذي يقدر الخبراء أنه سيمكنها من انتاج راس حربي إذا اختارت ذلك، ما يعني بالفعل أن المزيد من المماطلة وتسويف الوقت من قبل الإيرانيين لا يعني سوى أمر واحد وهو وصول إيران لامتلاك قنبلتها النووية الاولى قبل 2025 بشكل مؤكد وقاطع، ومع هذه النتيجة يبقى السؤال الجذري: ما العمل لقطع الطريق على إيران النووية، وسواء كانت قنبلتها بسيطة او معقدة؟
من الواضح أن المجتمع الدولي وواشنطن على نحو خاص يدركان الحقيقة، ومفادها أن كافة وسائل الحصار والعقوبات الاقتصادية لن تجدي لسببين أساسيين:
أولا: أن إيران أعدت نفسها جيدا لمثل هذا الحصار الخانق، ورغم الأزمات فإن صوت الدوجمائية المروجة بديماجوجية شديدة سوف يعلو على أي اعتراض داخلي والذي سيظهر كخيانة للوطن لصالح أعداء الأمة والدين وبقية المنظومة المهترئة من الشعارات الزاعقة.
ثانيا: أن إيران لن تعدم من يدعمها من القوى الدولية، وإن لم يكن بطريق مباشر، فالمكايدة السياسية للعالم العربي تحديدا من قبل تركيا، سوف تفتح مساقا اقتصاديا ما لطهران، الأمر الذي ينسحب كذلك على الصين وروسيا بنوع اكثر خصوصية.
عطفا على ذلك يكاد مشهد باكستان النووي في نهاية ثمانينات القرن الماضي يتكرر اليوم مع إيران، الأمر الكفيل باشعال سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط.
الحل لا يخرج عن سيناريو من اثنين من غير مواراة أو مداراة، الإطاحة بنظام الملالي مرة وإلى الأبد، أو الاشتباك مع إيران في حرب ضروس تجعل ملاليها يتجرعون كؤوس السم من جديد، كما فعل الخميني في نهاية ثمانينات القرن الماضي.
إيران لن ترتدع إلا عبر أحد هذين المسارين.. فانظر ماذا ترى.