سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سامح إسماعيل
لعل هناك من يظن أنّ الخلاف المذهبي بين جماعة الإخوان المسلمين، ونظام الملالي في إيران، أمر يباعد بين الطرفين المتنافسين على توظيف الدين لصالح السياسة، نحو بناء نظام سياسي قائم على الولاءات المقدسة، باسم مكتب الإرشاد حيناً، أو الولي الفقيه حيناً آخر، إلا أنّ الواقع يخبرنا عن انتهازية سياسية من نوع آخر، انتهازية تصدّر خطاباً شعبوياً يظلّ مفعماً بشتى التصورات المذهبية الضامنة للهيمنة على القاعدة، بينما يمارس من هم على رأس السلطة كل أشكال التبعية والمناورة والتماهي الأيديولوجي، من أجل مصالح سياسية، أو وربما شخصية في أحيان كثيرة.
ويمكن القول إنّه على الرغم من الاختلاف المذهبي، فإنّ إيران تدرك جيداً أنّ جماعة الإخوان يمكنها القيام بأدوار وظيفية متعددة، عبر نشر الحالة الإسلاموية في المحيطين العربي والإسلامي، كما أنّها تمثل أداة ضغط لا غنى عنها لابتزاز مصر ودول الخليج العربي، وتلعب في الوقت ذاته دوراً مهماً، ضمن التفاهمات الإقليمية بين أنقرة وطهران في ليبيا وسوريا واليمن، وكذا منطقة الساحل الإفريقي.
صفقة الإخوان الخاسرة
في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1979، استيقظ العالم على نبأ احتلال السفارة الأمريكية في طهران، واحتجاز رهائن بها، حيث طلب مسلحون، دَعَمهم الخميني، من الولايات المتحدة، تسليم الشاه محمد رضا بهلوي، في مقابل إخلاء سبيل 98 رهينة، وهو الحادث الذي اعتبره الخميني “ثورة أكبر من الثورة الأولى”.
وطيلة 444 يوماً، تواصلت الجهود في محاولة للإفراج عن الرهائن بشتى السبل، بينما واصل الخميني الضغط، بالإفتاء بضرورة بقاء الرهائن في أيدي المسلحين، قبل أن تقوم السلطات الإيرانية بنقلهم عقب عملية تحرير أمريكية فاشلة.
في تلك الآونة، طلبت الولايات المتحدة عبر أجهزتها الأمنية، من مكتب إرشاد الإخوان في مصر، التدخل لدى إيران، حيث أوفد الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر، مبعوثاً إلى الشيخ عمر التلمساني، المرشد العام آنذاك، طالباً منه التوسط لدى القيادة الجديدة في طهران، وحثها على إطلاق سراح الرهان.
وبانتهازية شديدة تحركت الجماعة على محورين؛ الأول؛ هو التواصل مع القيادة الإيرانية، لإسداء خدمة إلى إدارة الرئيس كارتر، والتي كانت آنذاك تختبر قدرة الإخوان على الحشد والتعبئة، من أجل مواجهة الغزو السوفياتي لأفغانستان تحت راية الجهاد الإسلامي، وهو الأمر الذي بلغ مستويات غير مسبوقة فيما بعد، في عهد إدارة الرئيس ريجان.
أمّا المحور الثاني؛ فكان الشروع في استغلال الأزمة، لصالح تنمية الموارد المالية للجماعة، حيث عرض الإخوان على الخميني القيام بدور من أجل تخفيف وطأة الحصار الأمريكي على إيران.
وبحسب القيادي الإخواني في التنظيم الدولي يوسف ندا، فإنّه تولى خلال أزمة الرهائن، التنسيق مع إيران، من أجل فك طوق الحصار الأمريكي على ممرات الشحن والإمداد، حيث تمكن ندا عبر دول وسيطة من الكتلة الشرقية، وخاصّة ألمانيا الشرقية وفنلندا، من تأمين وصول مئة ألف طن من الصلب إلى إيران عبر بحر قزوين، وتواصلت عمليات التهريب بالتنسيق بين يوسف ندا، ووزير التجارة الإيراني، رضا الصدر، لتشمل محاصيل غذائية، أهمها الشعير، وذلك بمساعدة المخابرات السوفياتية.
وهكذا، لعب الإخوان على تناقضات الحرب الباردة؛ فبالتزامن مع تعاونهم مع الاستخبارات الأمريكية، في الملف الأفغاني، تعاونوا في الوقت نفسه مع الاستخبارات السوفياتية، لفك الحصار الأمريكي عن إيران، ما يصب في صالح السوفيات من جهة تشتيت الجهود الأمريكية، ويحقق في الوقت نفسه مكاسب تجارية للإخوان المسلمين، لكن الصفقة انتهت بخسارة الجماعة نحو خمسة ملايين دولار أمريكي، بسبب تلف السلع مع طول خطوط النقل ومسافات التهريب.
إيران تطلّ عبّر نافذة “الربيع العربي”
في العام 2012، كان الرئيس الإخواني، محمد مرسي، أول رئيس مصري يزور إيران، منذ قيام الثورة الإسلامية، كما زار الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، القاهرة في شتاء العام 2013، وبدا وكأنّ ما جرى تداوله من علاقات سرية طيلة عقود مضت، خرج إلى العلن أخيراً، لكن حادثة مقتل الشيخ الشيعي حسن شحاتة، جمّدت تطور العلاقات التي أنهتها ثورة 30 حزيران (يونيو) العام 2013.
ومع التفاهمات التي جرت بين أنقرة وطهران في عدة ملفات سياسية، ظهر الإخوان من جديد على مسرح السياسة الإقليمية، حيث اشتبكت إيران مع خريطة التحولات السياسية في المنطقة بشكل يحقق مصالحها، ما جعل الخطوط البينيّة مع جماعة الإخوان أقرب من أيّ وقت مضى، في ظل المحور الإيراني /القطري /التركي، الذي دفع باتجاه تكوين تحالف في اليمن بين الحوثي وحزب الإصلاح الإخواني الموالي لتركيا.
وعليه تشكّلت في أفق الملف اليمني معطيات دور وظيفي جديد للجماعة، يخدم التفاهمات التركية مع إيران، وهو الأمر الذي تجلّى في الملف الليبي، حيث أعلنت طهران بشكل صريح، تأييد حكومة الوفاق في طرابلس، وهو ما جاء على لسان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في 15 حزيران (يونيو) الماضي، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو، حيث أعلن دعم بلاده لما أطلقت عليه الحكومة الشرعية في ليبيا، وهو الأمر نفسه الذي أكده العميد حسين دهقان، مستشار المرشد الإيراني للشؤون العسكرية.
وعليه جرى نوع من التعاون العسكري بين الإخوان في ليبيا ووزارة الدفاع الإيرانية، وهو الأمر الذي كشفت عنه حادثة السفينة الإيرانية “شهر كورد”، المدرجة ضمن قائمة العقوبات الأمريكية، والتي تسللت قبالة ميناء مصراتة، وعلى متنها 144 حاوية، أكد المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، أنّها تضم أسلحة وذخائر وصواريخ قصيرة المدى، ضمن صفقة أسلحة إيرانية للمليشيات الإخوانية.
وبناء عليه، يمكن فهم ردّ الفعل الإيراني إزاء محاولات إدارة الرئيس الأمريكي ترامب إدارج الإخوان على قائمة التنظيمات الإرهابية، ففي حزيران (يونيو) من العام 2019، علّق وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في مؤتمر صحفي، على ذلك قائلاً إنّ “الولايات المتحدة ليست في وضع لا يسمح لها بتسمية الآخرين كمنظمات إرهابية، ونحن نرفض أيّة محاولة من جانب الولايات المتحدة في هذا الصدد”.
كما يمكن فهم الفتور الإيراني تجاه البيان الأخير لهيئة كبار العلماء السعودية الذي اعتبر الإخوان جماعة إرهابية، فقد كشف الغطاء الديني عن المشروع الإخواني، فالرياض تمثل عدواً مشتركاً للطرفين الإيراني والإخواني، ويتفق كل منهما على الأطر السياسية العامة فيما يتعلق بمنطقة الخليج، وكذلك الدعوة إلى تدويل الحج، وهو الأمر الذي وصفته هيئة كبار العلماء السعودية، بـ”استغلال شعيرة الحج سياسياً؛ بما يخرجها عن سكينتها، ويتعارض مع ما أمر الله من احترامها.”
إنّ حالة التجاوز المذهبي التي تميز الحراك الإخواني في فلك الهيمنة الإيرانية، تكشف أبعاد التفكك الأيديولوجي عند الجماعة، التي باتت تقوم بأدوار المرتزقة لمن يدفع أكثر، ويطرح أكثر من تساؤل حول مستقبل التنظيم، وولاءاته الحقيقية، ما يكشف زيف الشعارات وضيق الأفق السياسي.
المصدر: حفريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر