سيكون للذكاء الاصطناعي قريباً وجود هائل في الفنون. فقد أظهر برنامجا «DALL-E 2» و«Stable Diffusion» قدرتهما على إنشاء صور بصرية معقدة وشائقة. وهناك بالفعل موسيقى ابتكرها الذكاء الاصطناعي، وستتحسن. بل هناك كلام عن إملاء قصة لجهاز كمبيوتر ثم ينتج برنامجٌ فيلماً رقمياً قصيراً. والسؤال هو احتمال ومدى انتشار هذا الفن، نظراً للدور المتناقص للإبداع البشري. وعلى الرغم من قوة التقنيات الأساسية، سيكون لهذه الأعمال تأثيرٌ أقلَ على الثقافة مما يعتقده المدافعون عنها. فالمستهلكون وعشاق الفنون يريدون حزمة تجمع المشاهير وفنونهم، والذكاء الاصطناعي، على الرغم من ذكائه، لم ينجح بعد في هذا.
ولنأخذ مثالاً من الموسيقى. فلو أن أغاني تايلور سويفت أو بيونسيه كانت من إبداع برنامج كمبيوتر، من دون نجم خلف الميكروفون، فهل ستكون بنفس الشعبية تقريباً؟ ولا مصادفة أن لدى تايلور سويفت أكثر من 227 مليون متابع على «انستجرام». فمعجبوها يريدون أكثر من مجرد الموسيقى، وهذا الشيء الإضافي (على الأقل حتى الآن) يجب أن يوفره إنسان حي يتنفس. وفي عالم الفنون البصرية أيضاً، غالباً ما يشتري هواة الجمع العمل الفني بقدر ما يشترون الفنان نفسه. وحتى الخبراء يجدون صعوبة في التمييز بين لوحة «كازيمير ماليفيتش» الحقيقية والمزيفة. وكازيمير يرسم مربعات سوداء مجردة على خلفية بيضاء بأقل قدر من التفاصيل. فالصورة الإبداعية واللوحة المادية نفسها، حين يرتبطان بيد فعلية لفنان، فإنها تساوي ملايين الدولارات، وإذا تبين أنها مزيفة، فإنها تساوي صفراً.
من المحتمل أن تبلغ جودة الفن الذي يبتكره الذكاء الاصطناعي درجة لا يستطيع العالم تجاهلها. ولكن حتى مع بلوغه هذه الدرجة، سيظل جمهوره محدوداً. فموسيقى مونتيفيردي رائعة جداً، وتجذب الملايين على يوتيوب. لكن من الأفضل النظر إلى نوع آخر يكون منافساً نداً لجوستين بيبر وجاي-زي. فليس من اللازم أن تفوز الجودة. فشطرنج الكمبيوتر أفضل دون شك من لعب البشر للشطرنج، وغالباً ما يكون أكثر تشويقاً، لكن مباريات الكمبيوتر التي تلعبها أجهزة مع بعضها تحظى باهتمام أقل بكثير من المباريات التي يشارك فيها بطل العالم في الشطرنج ماجنوس كارلسن.
وسيكون هناك بلا شك أوجه تعاون كثيرة بين الذكاء الاصطناعي والمبدعين البشر، يصبح فيه البشر الوجه المعلن للجهود المشتركة. وستظهر فضائح دورية حول التأليف، تماماً كما برزت مزاعم الغش مع هيمنة الذكاء الاصطناعي في لعبة الشطرنج. وسيجذب الفن الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي أكبر قدر من الاهتمام حين تتواءم فيما يبدو جمالية الإبداع والشخصية البشرية. ماذا لو أشرف إنسان أو «درب» مجموعة من مبدعي الذكاء الاصطناعي؟ هل سيروق هذا الجماهير؟ سيكون لهذه العمليات حدود بالتأكيد. وتخيل دورياً أميركياً لكرة السلة للمحترفين يجمع بين مدربين بشريين وروبوتات قوية ومذهلة وأكثر مهارة من البشر في التسجيل بالوثب والتسديدات ثلاثية النقاط. قد يكون هذا مناسباً في بعض أركان عالم الرياضة أو الرياضات الإلكترونية، لكنه لن يحل محل لاعبين مثل ستيفن كاري وليبرون جيمس في مشاعر الجمهور.
وتميل إبداعات الذكاء الاصطناعي نحو الدمج والمزج، لأنها تستند إلى قواعد بيانات موجودة سلفاً للصور والأصوات والإبداعات الثقافية. ولذا قد تواجه منتجات الذكاء الاصطناعي مشكلة في إنشاء نوع من الأصالة يؤدي إلى مستويات مذهلة ومكثفة حقاً من الولع الجماهيري. وتخيل أنك أخذت نسخة مستقبلية مطورة من برنامج «GPT-3» وقمت بتزويدها بجميع نصوص العالم خلال عام 1500، هل تتوقع أن تستطيع ابتكار شيء لا يقل أهمية وأصالة عن مسرحيات شكسبير أو قوانين نيوتن الثلاثة؟ ماذا عن أغنية «Strawberry Fields Forever» (حقول الفراولة للأبد) لفريق البيتلز؟ والتطورات في الآونة الأخيرة بصرف النظر عن مدى روعتها لم تدحض تقريباً الشكوك حول هذه النقطة.
ومن نافلة القول تقريباً أن ثورة الذكاء الاصطناعي التي تسير على قدم وساق حالياً مثيرة للإعجاب. ومن المحتمل أن يكون لها تأثير كبير في بعض مجالات عالم الفن، مثل المجال التجاري، فالمستهلكون لا يهتمون عموماً بمن صنع أي إعلان أو شعار معين. فإما أنها مستساغة أو غير ذلك، وتلك الظروف تلعب في صالح الآلة. وسيوفر الذكاء الاصطناعي أيضاً مساعدين شخصيين (آليين) بجودة عالمية وسيارات ذاتية القيادة، من بين العديد من التطورات الأخرى. لكن عندما يتعلق الأمر بالفنون والثقافة التي تتعلق كثيراً بالتفوق الفردي وسط الجماعة والشهرة، فمازالت الآلات تعمل في وضع غير مؤات لها.

المصدر: صحيفة الاتحاد