سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كاميلو أيالا
يعد “الاقتصاد الأزرق” إطارًا جديدًا للتنمية لاقتصاد المحيطات، إذ يسعى لتحقيق التوازن بين ثلاثة أهداف هي: التنمية الاقتصادية للقطاعات البحرية، والعدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية.
ولتأهيل برنامج ضمن إطار لهذا العمل التنموي المبتكر بات من المتعين على أنشطة الاقتصاد الأزرق أن تكون مستدامة بيئيًا، ومنصفة اجتماعيًا، وقابلة للحياة اقتصاديًا. وبشكل قطعي فإن الاقتصاد الأزرق يختلف عن النمو الأزرق، فبينما يحاول الأخير تعظيم النمو الاقتصادي، فإن الأول يركز على الاستدامة. ويشتمل الاقتصاد الأزرق على قطاعات اقتصادية محددة لديها القدرة على تحقيق التوازن بين الأهداف المذكورة سابقًا، وغيرها مثل: الصيد والسياحة والنقل البحري؛ في حين أن القطاعات الناشئة الأكثر صلة هي الطاقة البحرية المتجددة البحرية، وتربية الأحياء المائية، والأنشطة الاستخراجية، والتكنولوجيا الحيوية. وفي المقابل، فقد اقترح بعض المؤلفين أن الصناعات الاستخراجية للموارد غير المتجددة، كونها غير مستدامة، لا يمكن أن تكون جزءًا من تعريف الاقتصاد الأزرق.
الأهمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للاقتصاد الأزرق
تمتلك منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي أكثر من عشرين ألف كيلومتر من السواحل، وإن الحاجة إلى تطوير وتعزيز الأنشطة المستدامة في محيطها تمثل أمرًا بالغ الأهمية؛ إذ تتعرض محيطاتها لضغوط شديدة، فقد وصل الصيد إلى مستويات غير مستدامة، فضلاً عن إزالة غابات المانغروف التي تعد أكبر بثلاث إلى خمس مرات من الغابات الأرضية. ويمكن للاقتصاد الأزرق أن يلعب دورًا أكثر أهمية في المنطقة من خلال العمل المنسق لحماية البيئة البحرية والساحلية والمجتمعات التي تعتمد عليها. ويمكن أيضًا للسياحة وغيرها من القطاعات الرئيسية المعتمدة على المحيطات أن تمثل أكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة. ويمثل الاقتصاد الأزرق الموسع فرصًا اقتصادية وتجارية جديرة بالملاحظة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي إعادة بناء مخزونات الصيد الجائر إلى زيادة الإنتاج السنوي العالمي بمقدار 16.5 مليون طن، أي ما يعادل الإيرادات السنوية من 53 إلى 83 مليار دولار أميركي. ويمكن لدول أميركا اللاتينية أن تحصل على جزءٍ كبيرٍ من هذا الإنتاج، لأنها مصدرة للأسماك. ويعد الاقتصاد الأزرق على قدر من الأهمية بسبب فوائده للبشرية. فوفقًا للميثاق العالمي للأمم المتحدة(UNGC) ، يمكن للمحيطات أن توفر غذاء كافيًا بشكل مستدام لإطعام سكان العالم بأسره في حالة حدوث أي ضعفٍ غذائيٍ. علاوة على ذلك، يلعب دورًا رئيسيًا في تخفيف الضغوط على موارد الأراضي وتعزيز التخفيف والتكيف مع تغير المناخ.
الاقتصاد الأزرق في المنطقة
تبنت دول أميركا اللاتينية أخيرًا الاقتصاد الأزرق. فقد صنفت إحدى الدراسات، مؤخرًا، مناطق أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي وفقًا لتنفيذ البلدان لاستراتيجيات تعزيز الاقتصاد الأزرق. وقد وجدت أنه رغم إدراج المفهوم في خطاب 80% على الأقل من الإقليم، إلا أن 23% منه فقط يرتبط باستراتيجيات الاقتصاد الأزرق الإقليمية، بينما تغطي الاستراتيجيات أو الخطط الوطنية 16% فقط منها. أمَّا فيما يتعلق بالاستراتيجيات الإقليمية، فقد حددت الدراسة أمرين: الاستراتيجية الإقليمية للنمو الأزرق في بلدان نظام التكامل لأميركا الوسطى (SICA)، والتي تقودها منظمة قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في أميركا الوسطى (OSPESCA)، بما في ذلك ثماني دول في أميركا الوسطى هي: (بليز وكوستاريكا والسلفادور وغواتيمالا وهندوراس ونيكاراغوا وبنما وجمهورية الدومينيكان)؛ والإطار التنظيمي للاقتصاد الأزرق المستدام، الذي يربط بين الدول الأعضاء في برلمان منطقة الأنديز، وهي: (كولومبيا والإكوادور وبيرو وتشيلي وبوليفيا). أمَّا فيما يتعلق بالاستراتيجيات الوطنية، فقد حددت الدراسة جهود بونير وكولومبيا وترينيداد وتوباغو، التي تعتمد على الخطط والبرامج ذاتية الصياغة، بجانب مونتسيرات، وبربادوس، وجزر فيرجن البريطانية، مع وجود خططٍ وُضِعَت بالتوازي مع خطة الأمم المتحدة للتنمية والمعروفة باسم برنامج (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) في أنتيغوا وبربودا وذلك على أساس إطار الكومنولث، بالإضافة إلى جرينادا التي لديها خطة مرجعية عالمية بمساعدة البنك الدولي. وتُظهر الدراسة المذكورة تنوع مناهج الاقتصاد الأزرق في المنطقة، لكنها تسلط الضوء على الحاجة إلى ربط خطاب السياسة بالاستراتيجية.
في حين تشير دراسة أخرى إلى جهود المنظمات الدولية والبنوك المتعددة الأطراف لدعم مشاريع الاقتصاد الأزرق في المنطقة. وقد وجدت هذه الدراسات أن المانحين الدوليين قد ساهموا في الفترة بين عامي 2012 و2020 بمبلغ 13.3 مليار دولار في المنطقة (تضمنت 434 مشروعًا أزرق)، فقد تركزت الموارد في بعض القطاعات والبلدان. فعلى سبيل المثال، كانت البرازيل هي المستفيد الأكبر من حيث عدد المشاريع (81 مشروعًا)، تليها كولومبيا (62 مشروعًا)، وبيرو (55 مشروعًا)، وبنما (54 مشروعًا). وكان لدى البرازيل أكبر استثمار مخصص لمشاريعها. علاوة على ذلك، وجدت الدراسات أن الموارد كانت موجهة بشكل مفضل نحو مشاريع تنمية الدولة الساحلية (5 مليارات دولار)، تليها مشاريع الطاقة (3.2 مليار دولار)، وإدارة وحفظ الموارد البيئية (2.5 مليار دولار)، والزراعة (0.6 مليار دولار)، والسياحة (0.5 مليار دولار)، وصيد الأسماك وتربية الأحياء المائية (0.17 مليار دولار).
إن البرامج التي تروج للاقتصاد الأزرق في أميركا اللاتينية تكشف عن أهداف متنوعة، تتراوح بين التنمية الاقتصادية والاستدامة والتنمية الاجتماعية. وبينما تعطي دول مثل البرازيل وتشيلي وبيرو الأولوية لجهود الاقتصاد الأزرق في التنمية الساحلية والحفاظ على البيئة؛ فدول مثل كولومبيا ونيكاراغوا وهندوراس تفعل ذلك على أساس الاستغلال الاقتصادي للمحيطات. لكن هناك دولاً محددة مثل الإكوادور وكوستاريكا هي التي تتجه أكثر نحو استدامة المحيطات ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية. ومع ذلك، فإن السياحة تحظى بالأولوية في جميع الوثائق الإقليمية والوطنية باعتبارها قطاعًا رئيسيًا يجب تطويره.
تحديات الاقتصاد الأزرق في المنطقة
يواجه تنفيذ نهج الاقتصاد الأزرق الشامل في هذه المنطقة العديد من التحديات، من بينها ما يلي:
– تبني مفهوم الاقتصاد الأزرق بكافة أبعاده؛ إذ قد يؤدي الخلط بين الاقتصاد الأزرق والنمو الأزرق إلى انحراف في الأهداف الإقليمية والخاصة بالبلد. فعلى سبيل المثال، نجد أن التركيز على التنمية الاقتصادية قد أدى إلى تهميش قطاعات مثل مصايد الأسماك الحرفية من التخطيط والاستثمار على نطاق واسع. وبالمثل، فإن التركيز على صناعة السياحة واسعة النطاق قد عرّض الاستدامة والعدالة الاجتماعية للخطر. ويمكن للسياحة أن تولد توترات بين المجتمع المحلي والسياح، والفجوات الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن إعادة التوطين القسري بسبب زيادة الدخل في الأماكن السياحية.
– إضفاء الطابع الرسمي على الأهداف في خطط ملموسة وممولة، إذ لا تزال بلدان أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي بحاجة إلى اعتماد استراتيجيات إقليمية أو تطوير خطط وطنية لما يقرب من 60% من أراضيها لتعزيز الاقتصاد الأزرق. ومن الضروري تخصيص المزيد من الموارد من الميزانيات الوطنية لبلدان أميركا اللاتينية والموارد من التعاون الدولي، لتلبية احتياجات تنفيذ الاقتصاد الأزرق في المنطقة.
– عدم التزام الأطر القانونية للإدارة الساحلية والمحيطية. إن هذا الضعف يولد ظواهر مثل الاستغلال المفرط للأنواع، وفقدان التنوع البيولوجي، والتعرض لتغير المناخ. فعلى سبيل المثال، نجد في بنما أنه من الممكن الاستخدام المستدام للموارد البحرية، لكن لا يتم فرضه بسبب نقص أدوات الإدارة المخصصة للحكومة. إذ يُسمح للجماعات غير القانونية باستغلال الموارد، والإضرار بالنظام البيئي للمنطقة وصغار الصيادين. علاوة على ذلك، ففي كوستاريكا وكولومبيا، هناك مستويات محدودة للحوكمة المتعلقة بالسواحل والمحيطات بسبب ضعف التنسيق بين الوكالات الحكومية والمشاكل السياسية مثل الفساد وإعطاء الأولوية للمكاسب الاقتصادية.
– الصدام بين حقوق المجتمعات والصناعة التقليدية، إذ تحد مصالح الجهات الفاعلة التقليدية في الصناعات الاستراتيجية الكبيرة من القدرة على دمج مصالح الأقليات في استراتيجيات الاقتصاد الأزرق. لذلك، غالبًا ما يتم استبعاد مجموعات من الصيادين والنساء صغيري ومتوسطي الحجم، أو التقليل من اهتماماتهم، في تصميم الخطط والبرامج. ففي البرازيل، على سبيل المثال، نجد أنه من الصعب على صغار الصيادين أن يتمتعوا بالسلطة والتأثير على الصيد الصناعي والبنية التحتية، إذ توجد فرصة أقل للمشاركة العامة والإشراف فيما يخص إدارة المحيطات. وقد حدثت مواقف مماثلة في كولومبيا وبنما وكوستاريكا وغيرها.
الاستنتاجات
لا يزال دمج الاقتصاد الأزرق في أميركا اللاتينية بحاجة إلى المزيد من العمل؛ فرغم وجود شواهد على إحراز تقدم في تطوير الخطط والبرامج الإقليمية والوطنية، فإنها لا تغطي سوى 39% من أراضي المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن أطر الحوكمة الحالية هشة وتحيد في بعض الأحيان عن المفهوم. ويتطلب تبني مفهوم الاقتصاد الأزرق في المنطقة نهجًا شاملاً يوازن بين الفوائد الاقتصادية والتأثيرات المحتملة على البيئة البحرية والمجتمعات المحلية. ويتطلب تطوير هذا النهج أطر حوكمة أفضل، وإجراءات مراقبة وإدارة فعالة، وبناء مشترك مع جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك المجتمعات المحلية، وذلك لضمان إشراك جميع الأطراف والاستفادة منها.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: The Global Americans
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر