سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Mohamed El Bendary
تشهد إفريقيا تأثيرات متراكمة للتغيرات المناخية، مما يضعف نمو الاقتصاد على القارة. خلال فترة إقامتي البالغة عقدين في القاهرة، لم أشهد فصلاً شتويًا دافئًا مثل هذا العام. وقد شهدت مصر في العام الماضي أعلى درجات حرارة في تاريخها، حيث تجاوزت درجات الحرارة 30 درجة مئوية في أكتوبر ونوفمبر. وتجرب العديد من الدول الأفريقية الأخرى – مثل الصومال والسنغال وليبيا وجنوب إفريقيا – درجات حرارة مرتفعة جدًا.
يُحدث التغير المناخي الناتج عن الأنشطة البشرية تأثيرًا اقتصاديًا مدمرًا ببطء على الدول الإفريقية الفقيرة. بعض مناطق إفريقيا تصبح أكثر جفافًا وحرارة؛ بينما تشهد مناطق أخرى زيادة في هطول الأمطار، مما تسبب في فيضانات مدمرة وأدى إلى نزوح العديد من الأفارقة. ارتفاع درجات الحرارة وطول مواسم الصيف والجفاف – وخاصة في القرن الإفريقي – يضر بنمو المحاصيل ويقلل من الحصاد، ويؤثر في الأمن الغذائي للفقراء في إفريقيا.
على الرغم من أن إفريقيا تعد من بين القارات التي تسجل أقل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإنها تعاني من تأثيرات تغير المناخ بشكل متفاوت ومدمر. تشير منظمة الأرصاد الجوية العالمية إلى أن القارة تعاني من تأثيرات “غير متناسبة”. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، تواجه إفريقيا أزمة غذائية غير مسبوقة حيث يعاني ما يقرب من 282 مليون شخص من التغذية السيئة من بين إجمالي عدد سكان القارة البالغ 1.4 مليار نسمة. وبصراحة، يمكن القول إن ربح الدول الغنية يأتي على حساب الدول الفقيرة. ولذلك، يراقب المسؤولون والمفكرون الأفارقة بعناية المؤتمرات العالمية المتعلقة بالتغير المناخي، مثل الجمعية البيئية السادسة للأمم المتحدة (UNEA-6) التي انعقدت مؤخرًا في نيروبي بكينيا، واستمرت لمدة خمسة أيام. وقد شملت بعض القرارات التي اتخذتها قمة UNEA-6 تحسين جودة الهواء عالميًا، وإدارة المواد الكيميائية والنفايات بشكل سليم، والتصدي للآفات الخطيرة جدًا، وتعزيز سياسات المياه الفعالة في الزراعة.
ارتفاع درجات الحرارة وتراجع إنتاجية الزراعة لا يضران بالأمن الغذائي فحسب، بل يفاقمان أيضًا من نزوح البشر وخطر النزاعات المحتملة. إن تغير المناخ يزيد من عدم الاستقرار السياسي في مناطق إفريقية مثل الساحل وحوض بحيرة تشاد ومنطقة البحيرات العظمى وشرق إفريقيا، إلى جانب موزمبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى. ارتفاع أسعار الغذاء، بما في ذلك في مصر ونيجيريا – اقتصادَي القارة العملاقين – يدفع تدريجيًا بملايين الأشخاص نحو انعدام الأمن الغذائي ويشكل خطرًا على رفاهية مواطنيهم.
تتسبب التغيرات والتقلبات في درجات الحرارة وكميات الأمطار في تطوير الأمراض المعدية وزيادة معدلات الإصابة بها. إن تغير المناخ يؤثر على الطبيعة في الدول الغنية، ولكنه يشكل أيضًا تهديدًا لحياة الملايين من الأفارقة، حيث تغرق القارة ببطء في كابوس المناخ. ومع ذلك، يكون تأثير تغير المناخ على الصحة أكثر تأثيرًا على الأفارقة، ببساطة لأن العديد منهم يعانون من نقص الموارد والاستعداد للطوارئ والمبادرات الدقيقة لمواجهة هذه التحديات. ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات والأعاصير يؤدي إلى زيادة انتشار البعوض والذباب الرملي، وهما ناقلان للأمراض المعدية مثل الملاريا، والتي تُعتبر حاليًا واحدة من أكبر التهديدات لصحة الأفارقة.
تواجه الأفارقة اليوم تحديًا كبيرًا فيما يتعلق بصحتهم وسلامتهم، حيث يتزايد القلق من ارتفاع معدلات الأمراض غير السارية في القارة التي تشهد أكثر من 100 تفشٍ للأمراض سنويًا. يتجاوز خطر الأمراض المعدية القاتلة في إفريقيا بكثير ما يحدث في أجزاء أخرى من العالم. فعلى سبيل المثال، هناك نقص في الوصول إلى الأدوية الملائمة والميسورة التكلفة في القارة، وتفتقر المستشفيات – ولا سيما في جنوب الصحراء – إلى التجهيزات الطبية الضرورية. تشمل هذه “الأمراض المهملة للفقر” الإسهال، والملاريا، وحمى وادي الريفت، والبلهارسيا، وحمى الضنك.
هناك بعض الأنظمة الإفريقية التي تتخذ موقفًا سلبيًا إزاء قضية تغير المناخ. ولكن تغير المناخ لا يتعلق أيضًا بالعرق أو الجنس. لتقليل الفقر والتخفيف من آثار تغير المناخ على صحة مواطنيها، تحتاج إفريقيا إلى اعتماد مبادرات مناخية وتنفيذ تدابير وقائية، تتطلب امتلاك أدوات تكنولوجيا خارجية فعالة. ستحتاج إلى المساعدة لتصنيع اللقاحات للقضاء على الأمراض المعدية التي تقتل مواطنيها.
لإيجاد حلول دقيقة لتغير المناخ في إفريقيا، يتطلب الأمر جهودًا مشتركة وتعاونًا عالميًا، حيث تلعب الدول الغنية دورًا مهمًا في دعم هذه الجهود من خلال تعزيز إعادة التدوير وتبني مفهوم “الصفر نفايات” وتحول المجتمعات إلى اقتصاد دائري. لقد أشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة بقوة إلى هذه المسألة في تقريره الأخير، ويعزز الدعوة إلى التحرك في هذا الاتجاه.
يقع على عاتق الدول الغنية مسؤولية مساعدة الأفارقة في تعزيز قدرتهم على التعامل مع الأمراض الحساسة للمناخ، لأن أزمة الصحة في إفريقيا يجب أن تُنظر إليها أيضًا على أنها كارثة مناخية. لإعطاء الأولوية للعدالة المناخية، ولكي تنجح جهود الأفارقة نحو التنقل الأخضر، يجب على الدول الثرية الاستثمار في إفريقيا من خلال تعزيز تدابير الحوكمة المناخية لديهم من خلال تمويل البرامج. إنه في مصلحة العالم أن تنهض إفريقيا من هذا الكابوس المناخي.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر :Newsweek
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر