إعادة ضبط العلاقات بين الهند وسريلانكا | مركز سمت للدراسات

إعادة ضبط العلاقات بين الهند وسريلانكا

التاريخ والوقت : السبت, 28 ديسمبر 2019

راجيف بهاتيا

 

ولَّدت سلسلة من التطورات المتسارعة التي شهدها الشهر الماضي، أملاً في إعادة ضبط علاقات الهند مع سريلانكا. فمن ناحية أولى تمكن “جوتابايا راجاباكسا” من تحقيق فوز حاسم في الانتخابات الرئاسية. ثم أقسم اليمين الدستورية في معبد “روانويلي سايا”، الذي يحيي ذكرى النصر الأسطوري للملك المحارب السنهالي على غزاة شولا. وقد سافر وزير الشؤون الخارجية (EAM) “س. جيشانكار” جوًا إلى كولومبو للقاء الرئيس الجديد، الذي أعاد هذه اللفتة بحماسة مماثلة بجعل الهند أول دولة أجنبية زارها. وهنا يثار التساؤل حول: ما مدى تفاؤلك بتوقع تغييرات في هذه العلاقة الحيوية والمعقدة في ضوء الواقع المعقد؟

فخلال فترة تولي “ماهيندا راجاباكسا” (شقيق جوتابايا الأكبر) الرئاسة بين عامي 2005 و2015، أصبح الميل الواضح لسريلانكا تجاه الصين سببًا للقلق الشديد في الهند. فالحكومة الائتلافية، بقيادة الرئيس “ماثريبالا سيريسينا” (من حزب الحرية في سريلانكا)، ورئيس الوزراء “رانيل ويكرميسينغ” خلال الفترة 2015-2019، عملت في البداية على تحسين العلاقات مع الهند. لكن أداء الحكومة تميز بالتوترات الداخلية الخطرة. حيث خلفت وراءها اقتصادًا ضعيفًا. وقد أدت التفجيرات التي حدثت في عيد الفصح في شهر أبريل 2019، إلى أزمة أمنية كبيرة. وفي وقت سابق، أدى إيجار ميناء “هامبانتوتا” للصين لمدة 99 عامًا إلى قلق واسع النطاق أيضًا.

زيارة “جيشانكار”

بالنظر إلى تاريخ العلاقة، كانت زيارة وزير الشؤون الخارجية الهندي إلى كولومبو تعتبر قرارًا واعيًا أكثر من كونه عملاً متهورًا. فقد أبقت حكومة “مودي” قنوات الاتصال مفتوحة مع معسكر “راجاباكسا”. وقد عقد “ماهيندا راجاباكسا” اجتماعًا صريحًا ومثمرًا مع رئيس الوزراء في سبتمبر 2018، بينما تعرفت المؤسسة الأمنية والسياسية الهندية على “جوتابايا راجاباكسا” جيدًا في صورة شخصية له، وذلك في وقت سابق عندما عمل وزيرًا للدفاع تحت رعاية شقيقه. كما أنه عندما جاءت الانتخابات الرئاسية السريلانكية التي انتهت أخيرًا، تبنت نيودلهي مقاربة غير متوازنة.

الوزير لم ينقل تهنئة رئيس الوزراء “مودي” والدعوة لزيارة الهند وحسب، بل إنه أوضح شروط نيودلهي وتوقعاتها بشأن إعادة التعيين التي يريدها الجانبان. وأكد التزام الهند المستمر بسياسة “الجوار أولاً” وأساسيات مبدأ الأمن والنمو للجميع في المنطقة. وهنا نشير إلى أن لسريلانكا دورًا خاصًا تلعبه في كلا الإطارين السياسيين.

وفي الوقت نفسه، أوضح الوزير الهندي اهتمام الهند المستمر بالقيادة السريلانكية الجديدة التي تعزز المصالحة الوطنية، مما يؤدي إلى “حل يلبي تطلعات مجتمع التاميل من أجل المساواة والعدالة والسلام والكرامة”، على حد تعبير المتحدث الرسمي.

لقد استاءت نيودلهي من تأكيد الرئيس “جوتابايا” بأنه يعتزم أن يكون رئيسًا لجميع السريلانكيين، وليس فقط لأولئك الذين صوتوا لصالحه. حيث قدّر بعض النقاد أن ذلك أمر شكلي فقط، حيث لم تعد الهند مهتمة أو قادرة على فعل الكثير بشأن قضية التاميل. لكن ذلك التصور يبدو خاطئًا. فالهند ملتزمة برفاهية كافة الجماعات في سريلانكا، ولكن كان لدى التاميل صلة وثيقة وعميقة بالهند. وبالمثل، لا يمكن تجاهل الإكراهات السياسية الملحة لحزب “بهاراتيا جاناتا”، الحزب الوطني الحاكم في إقليم تاميل نادو. وقد أدى فوز “جوتابايا راجاباكسا” إلى استقطاب النظام السريلانكي بحدة، فربَّما لا يرغب في نقل السلطات إلى المقاطعات، لكن أولويات الهند لن تتغير.

“راجاباكسا” في دلهي

على الرغم من ميوله السياسية، فقد حصل الرئيس السريلانكي الجديد على فرصة رائعة لالتقاط الصور عن طريق تفضيل “دلهي” على “بكين” كوجهة أجنبية أولى. فلو أنه ذهب إلى الصين أولاً، لكان قد مسح تاريخه في عيون هندية. ولكن لتجاوز الأوضاع الشكلية، قدم العديد من التأكيدات العامة، مدركًا أنه سيتم الحكم عليهم في الأشهر المقبلة، حيث كان الأساس في الحكم لديهم ما يلي:

  • إننا نريد حقًا تعزيز علاقتنا مع (الهند).
  • لا نريد أن نفعل أي شيء من شأنه أن يعرض أمن الهند للخطر، ويثير مخاوف الهند بأي شكل من الأشكال.
  • كما أننا نريد أن نكون دولة محايدة وألا نتورط في منافسات القوى العالمية.
  • لطالما قلنا مرارًا أن المحيط الهندي يجب أن يكون منطقة سلام. لذا سنفعل كل ما في وسعنا للحفاظ عليه بهذه الطريقة.

ومن خلال الرد على النوايا الحسنة التي أبداها الرئيس والإيجابية التي بدت على كلامه، أعلن رئيس الوزراء “مودي” أن الهند هي “أقرب جار بحري وصديق موثوق به” لسريلانكا، مع التركيز على هدف السياسة الأساسي لنيودلهي بأن بقاء سريلانكا مستقرة وآمنة ومزدهرة ليس فقط في مصلحة الهند، ولكن أيضًا من أجل مصلحة منطقة المحيط الهندي كلها. ودعمًا لكلماته بقرارات ملموسة، أصدر إعلانات عن تأسيس خط ائتمان جديد بقيمة 400 مليون دولار لتعزيز البنية التحتية والتنمية في سريلانكا، وخط ائتمان بقيمة 100 مليون دولار لمشاريع الطاقة الشمسية، ليتم استخدامه “مبكرًا” . وكذلك خط ائتمان خاص قدره 50 مليون دولار لتمكين سريلانكا من “مكافحة الإرهاب”. بالإضافة إلى مشروع إسكاني ضخم يتضمن 40 ألف وحدة سكنية للنازحين، تمَّ إنجازها في المقاطعات الشمالية والشرقية، مع الإعلان عن إحراز تقدم جيد في إكمال مشروع إسكان آخر يتضمن بناء 14 ألف منزل للتاميل من أصول هندية في منطقة الريف.

قد يجادل البعض بأن هذه الحزمة تضعف إلى حد ما، بالنظر إلى التدفق الهائل المستمر للائتمانات والاستثمارات من الصين لمشاريع في سريلانكا. وفي حين أنه لا يمكن لأي بلد ثالث استخدام الفيتو على مصادر الدعم والمساعدة، يجب على سريلانكا تقييم المخاطر الواضحة للاعتماد المفرط على بلد واحد فقط. ومن المؤكد أن خطة الرئيس الجديد المعلنة – آنذاك – لإعادة التفاوض مع الصين حول شروط ميناء “هامبانتوتا”، بهدف إلغاء عقد الإيجار الذي تصل مدته إلى 99 عامًا، ستتم مراقبتها باهتمام وثيق.

لقد تشارك البلدان في مجموعة من الاهتمامات ومن بينها المحيط الهندي كونه منطقة سلام، والتكامل الإقليمي في جنوب آسيا، ومستقبل رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك)، وإيجاد طريق لتجديد مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي ذات القطاعات المتعددة، وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي الثنائي بين الهند وسريلانكا. فقد تلاقت توجهات الجانبين بشأن بعض النقاط، بينما اختلفت في نقاط أخرى. لكن الشيء الجيد هو أن الزعيمين السياسيين أطلقا محادثة جديدة.

والآن، يتعين على الدبلوماسية الهندية والسريلانكية أن تتنقل في المياه المتقلبة إلى الأمام مع البراغماتية. فقد أخذ الجانبان في الاعتبار أن ما يمكن أن يخدم مصالحهم جيدًا هو:

أولاً، أن سريلانكا الملتزمة بتوسيعها وتطويرها، ترغب في تغيير كيفية تمويلها، والانتقال من الائتمان إلى الاستثمار كأداة رئيسية لها. وهي منفتحة على تلقي الاستثمارات من كل مكان، ولكنها ستحتاج إلى جذب الهند بشكل أكثر نشاطًا، وذلك بالنظر إلى التصورات السلبية السائدة فيما يتعلق بالأمن والفساد وعدم سهولة ممارسة الأعمال التجارية في سريلانكا. ومع ذلك، قد لا يهتم كولومبو اهتمامًا مفرطًا بإغراء الشركات الهندية.

ثانيًا، سيكون من الممكن إجراء تقييم أوضح لنطاق وتيرة إعادة ضبط العلاقة بين الهند وسريلانكا بعد زيارة الرئيس “جوتابايا” للصين. فهذه التطورات الأخيرة قد تكون ذات تأثير مباشر على كيفية تشكيل التقارب بين دلهي وكولومبو.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: جيت واي هاوس Gate Way House

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر