سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
في انتظار دخول جو بايدن البيت الأبيض لا تقتصر عملية إعادة التموضع لدول في الإقليم الممتد من المحيط إلى الخليج، إلى شاطئ البحر المتوسّط، على إيران وحدها. هناك دول عدّة تسعى إلى التكيّف مع التغييرات المتوقّعة في ضوء النهاية المشينة لدونالد ترمب.
خيّب ترمب مناصريه، بما في ذلك كبار الحزب الجمهوري الذين باتوا مستعدين لطعن الرئيس المنتهية ولايته في الظهر من أجل تفادي غرق الحزب معه… ومن أجلّ ألّا يغرقوا هم أنفسهم معه.
من الواضح، أنّ إدارة بايدن ستكون مختلفة عن إدارة ترمب في مجالات كثيرة، لكنّها ستتمسّك، على الأرجح بخطّ واضح تجاه الملفّ النووي الإيراني. سيكون هناك ربط بين العودة إلى الاتفاق في شأن هذا الملفّ وقضايا أخرى في مقدّمها الصواريخ الباليستية الإيرانية وسلوك إيران خارج حدودها.
لهذا السبب وليس لغيره، باشرت إيران اختبار نيّات إدارة بايدن وجسّ نبضها لعلّها تكتشف مدى جدّيتها من جهة، ومعرفة إلى ايّ حدّ ستكون منشغلة في معالجة الوضع الداخلي الأميركي ومأخوذة به من جهة أخرى. سيكون امام إدارة بايدن التركيز على الكارثة الاقتصادية الني خلفها وباء كورونا (كوفيد – 19). من أجل الحدّ من حجم الكارثة، يقترح بايدن مشروعا إنقاذيا للاقتصاد يتضمّن ضخ 1.9 تريليون دولار في السوق، أي 1900 مليار دولار.
ليس الوضع الداخلي الأميركي سهلا، لكن الوضع الإيراني ليس بدوره سهلا أيضا. الفارق أن أميركا ليست مفلسة وما زال الاقتصاد الأميركي الأكبر في العالم. امّا الاقتصاد الإيراني فهو في حال يرثى له بسبب اعتماده على النفط والغاز وحدهما. لذلك تبدو “الجمهورية الإسلامية” مستعجلة في استكشاف نيات إدارة بايدن. هدفها الحقيقي التخلّص من العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة ترمب. لا تدرك إيران أن هذه العقوبات تحظى بأكثرية في الكونغرس. وهذا يجعل رفعها من الصعوبة بمكان. تمارس إيران لعبة ذات طابع ابتزازي معتقدة أنّ أميركا سترضخ لشروطها. تفعل ذلك عن طريق تجربة صواريخ جديدة بشكل علني كما تتحدث عن تسريع برنامجها النووي. تريد توجيه رسالة فحواها انّها تقترب اكثر فاكثر من الحصول على السلاح النووي. لذلك على أميركا، من وجهة نظر طهران، العودة إلى ما قبل تمزيق دونالد ترمب الاتفاق في شأن ملفّها النووي من دون اخذ وردّ ورفع العقوبات في الوقت ذاته.
هناك أوهام إيرانية لا تشبهها سوى الأوهام التركية. فجأة صار الرئيس رجب طيّب أردوغان لطيفا مع اليونان وهو على استعداد لعقد لقاء مع رئيس الوزراء فيها كرياكوس ميتسوتاكيس لمناقشة المسائل الخلافية. الأكيد أن هذه المسائل الخلافية افتعلتها تركيا في عهد أردوغان وتندرج في اطار العودة إلى لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة في البحر المتوسط وأماكن اخرى. لا يمكن اعتبار العلاقات مع اليونان المكان الوحيد الذي تسعى فيه تركيا أردوغان الى اثبات انّها صارت مختلفة وحضارية. هناك العلاقة المباشرة مع أميركا المطلوب تحسينها. لجأ أردوغان الى الطلب من إدارة بايدن الإسراع في تزويد تركيا طائرات “اف – 35”. كانت إدارة ترمب عرقلت هذه الصفقة بعد شراء تركيا منظومة صواريخ “اس – 400” من روسيا. فجأة اكتشف الرئيس التركي إن بلده عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وان ما فعله لا يتفق كلّيا مع السياسة التي تتبعها الدول الاعضاء في الحلف، خصوصا في وقت تبدو إدارة بايدن مستعدة لاعادة الاعتبار الى “ناتو” ودوره!
توجد مجالات عدّة أخرى أظهر فيها أردوغان أنّه مستعد لان يتغيّر خصوصا انّه يعرف جيدا أنّ الرئيس الأميركي الجديد لا يكنّ له أي ودّ من ايّ نوع. وظهر ذلك واضحا من خلال تعيين بيرت ماكغورك مبعوثا للرئيس الأميركي الى المنطقة. معروف عن ماكغورك،ا لذي سبق أن شغل هذا الموقع واستقال منه في عهد ترمب، موقفه المؤيد للاكراد، خصوصا اكراد سوريا.
هل ينجح أردوغان حيث يبدو أن إيران ستفشل؟
ليس مستبعدا أن يجد الرئيس التركي طريقة لاعادة الجسور مع واشنطن، على الرغم من الموقف الشخصي لبايدن منه، في حال اعتمد المنطق بدل لغة التحدّي الإيرانية… او الكورية الشمالية. قد ينجح في ذلك، خصوصا اذا اعترف بانّ العالم والمنطقة ليسا رهينة منطق الاخوان المسلمين وتخلّفهم وان في استطاعة تركيا العودة، بفضل القناة المناسبة، إلى لعب دور إيجابي بعيدا عن المزايدات والمزايدين والشعارات الفارغة التي أظهرت عدم جدواها.
بعيدا عن المنطقة، لجأت كوريا الشمالية إلى التصعيد. أخرجت صاروخا جديدا، يمكن اطلاقه من غوّاصة، وعرضته في مناسبة انعقاد مؤتمر للحزب الحاكم. اعتبر زعيمها كيم جونغ اون، الذي سايره دونالد ترمب واجتمع به، أن أميركا هي “العدوّ الاوّل” لبلده. يدرك كيم انّ أياما صعبة تنتظر بيونغيانغ في عهد بايدن الذي سبق له أن وصفه بـ”الازعر”. في النهاية ماذا تنفع الصواريخ اذا كان الشعب جائعا وهناك من يقتات من جذور الأشجار؟
في سياق رحلة إعادة التموضع، تبدو إسرائيل غير مرتاحة كلّيا إلى إدارة جو بايدن. يمكن لهذه الإدارة أن تسير معها في ما يخصّ إيران ولكن ليس ما يشير الى انّها ستؤيّد سياسة عزل الفلسطينيين. على العكس من ذلك، هناك توجه لدى الإدارة الجديدة، التي لن تعود عن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، لدعم حل يقوم على خيار الدولتين. لجأت الحكومة الإسرائيلية أخيرا إلى الإعلان عن بناء 800 وحدة سكنيّة في الضفة الغربية المحتلّة. الغرض واضح كلّ الوضوح. مطلوب معرفة إلى أي حدّ ستذهب الإدارة الجديدة في اعتراضها على التحدي الإسرائيلي للفلسطينيين؟
يمكن الاتيان على ذكر دول أخرى تسعى إلى إعادة التموضع في انتظار مرحلة أميركية جديدة في عهد جو بايدن. لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه من سينجح في ذلك ومن سيفشل؟ الثابت أن الجواب لن يكون سريعا. هناك مئة يوم أولى لن تجد فيها الإدارة متسعا من الوقت للتركيز جدّيا على أي ملفّ خارجي باستثناء التحدّي الصيني.
اذا كانت إيران مستعجلة على رفع العقوبات الأميركية، ليس ما يدلّ إلى استعجال أميركي… في حين يبدو على رجب طيّب أردوغان الانتظار والقيام بجهود أكبر قبل أن يقتنع الاميركيون بأنّ الإخوان المسلمين يمكن أن يتغيّروا.