سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
روبيرت كالتر
من أهم نقاط البيان الثلاثى الذى وقعه رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، والرئيس الأذربيجانى إلهام علييف، والرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى موسكو فى 10 نوفمبر 2020 ــ والذى أقر وقف إطلاق النار واستسلام القوات المسلحة لجمهورية أرمينيا فى حرب كاراباخ الثانيةــ هى فتح وسائل النقل فى منطقة جنوب القوقاز.
يذكر البيان الثلاثى إعادة ربط إقليم ناختشيفان وهو إقليم منفصل جغرافيا عن أذربيجان ويتطلب الوصول إليه إما المرور من أذربيجان الغربية وهى مقاطعة إيرانية أو عبر أرمينيا ــ بأذربيجان عبر ممر زانجيزور على وجه التحديد، وتبدأ نقطة البيان التاسعة بعبارة بسيطة وعامة: “سيتم إلغاء حظر جميع الاتصالات الاقتصادية والنقل فى المنطقة”.
خلال العام الماضى، وجدت أرمينيا طرقا مختلفة لمنع تنفيذ مشروع ممر زانجيزور، على الرغم من أن المشروع يعود بالفائدة على الجميع. إلا أن الأمر بدأ يتغير فى الأسابيع الماضية، وأرمينيا فى طريقها للتغلب على العقبات فى سياساتها الداخلية، حيث يتقدم رئيس الوزراء بيكول باشينيان فى عملية إضفاء الطابع المؤسسى على حكومته.
فاز باشينيان فى انتخابات برلمانية مبكرة فى أرمينيا فى يونيو 2021، على الرغم من خسارة يريفان (عاصمة أرمينيا) الكارثية فى حرب كاراباخ الثانية قبل عام. حدث هذا بسبب الإفلاس السياسى الكامل لـ”عشيرة كاراباخ” التى كانت مهيمنة على المشهد السياسى الأرمنى من أواخر التسعينيات حتى عام 2018. منذ الانتخابات فى وقت سابق من هذا العام، تمكن باشينيان من تعيين موظفين ذوى عقلية تعاونية فى الوزارات الرئيسية وتقليل نفوذ “حزب الحرب” فى يريفان.
وزير الدفاع السابق دافيت تونويان، على سبيل المثال، الذى كان يتبنى شعارا سيئ السمعة “حرب جديدة من أجل مناطق جديدة” والذى يعكس النظرة العدوانية للنظام القديم، هو الآن قيد الاعتقال بتهمة الفساد إلى جانب شخصيات أخرى. فى 15 أكتوبر، زار باشينيان موسكو ووافق على فتح خط سكة حديد بين ناختشيفان وأذربيجان، عبر منطقة سيونيك الجنوبية الأرمنية، المتاخمة لإيران.
كما لاحظ إيغور كوروتشينكو ــ وهو خبير عسكرى روسي ــ فى مقابلة أجريت معه مؤخرًا، فإن ممر زانجيزور سيمكن من تعزيز اتصالات النقل الدولية فى المنطقة بأكملها. فى تقييمه، يتفهم السياسيون الأرمن البراغماتيون فوائد ممر زانجيزور لأرمينيا ومستعدون للمشاركة فيه، لكنهم يخشون أن يصبحوا ضحايا لعمليات الإرهاب ومحاولات الاغتيال ضد باشينيان وعائلته.
إن السلام والتنمية فى أرمينيا لا يتوافقان الآن مع المطالبات الإقليمية ضد أذربيجان. قال كوروتشينكو مؤخرًا: “أعتقد أنهم أخيرًا مستعدون للمشاركة فى مشاريع لإلغاء حظر الاتصالات البرية، بما فى ذلك العمل على افتتاح ممر زانجيزور”. هذا أمر محبط للأطراف المتشددة من الشتات الأرمينى، ولا سيما فى الولايات المتحدة، والتى أصبحت أكثر عدوانية وانتقادًا فى هجماتها على من يدعون للسلام فى يريفان وفى باكو وفى واشنطن نفسها.
ممر زانجيزور للنقل هو المشروع الرئيسى هنا ولكنه ليس المشروع الوحيد. وسوف يحفز تطوير العلاقات الاقتصادية فى إطار ما يسمى بمبادرة «3 + 3« (وتسمى أيضًا “المنصة السداسية”) التى تجمع دول جنوب القوقاز الثلاث بالإضافة إلى إيران وروسيا وتركيا. لنأخذ مثالا واحدًا فقط، ستحصل أرمينيا، التى فقدت روابطها البرية مع إيران، على خط سكة حديد مع إيران عبر ناختشفان.
هذا ليس كل شيء. لقد فاجأت أذربيجان المراقبين بقوة وتصميم جهودها لتنمية الأراضى بعد انتهاء احتلالها. وفقًا لأحد التقديرات، استثمرت باكو بالفعل ما يقرب من 3 مليار دولار لتعزيز إعادة التطوير هذه. تشمل المشاريع البارزة طرقًا لتحسين الاتصالات ببقية البلاد والمطارات والتى ستعزز أيضًا الروابط الدولية، بما فى ذلك السياحة.
قدمت الحكومة الأذربيجانية مزايا ضريبية وأنشأت مناطق تنمية اقتصادية من أجل تعزيز مبادراتها. هناك أيضًا مبادرات لبناء «قرى ذكية« وبنية تحتية للطاقة المتجددة. تتمتع المنطقة بأكملها تقريبًا بالطاقة الكهربائية، بما فى ذلك الأجزاء التى لم تكن تمتلكها حتى قبل الحرب الأخيرة. من المحتمل بالفعل أن تصبح منطقة كاراباخ، كما قالت مراسلة روسبالت، إيرينا دزوربينادزه، «مركزًا استثماريًا لأذربيجان» لسنوات قادمة.
نظرًا لأن سعر النفط ليس بعيدًا عن 100 دولار للبرميل، فى حين تم التخطيط لميزانية الدولة فى باكو بأن يكون سعر برميل النفط 45 دولارًا، أصبحت أذربيجان وستظل المحرك الاقتصادى للتنمية الاقتصادية فى منطقة جنوب القوقاز فى المستقبل المنظور. كانت الحكومات الأرمنية السابقة، بقيادة “عشيرة كاراباخ” المفلسة سياسيًا، قد رفضت فى وقت سابق المقترحات التركية للتعاون الاقتصادى الشامل والتنمية. كان ذلك منذ ما يقرب من جيل، وقد سئم الشعب الأرمنى من الفقر وفساد النخبة.
باشينيان ليس وافدا جديدا على السياسة الأرمنية. كان لفترة طويلة من مؤيدى ليفون تير بتروسيان، رئيس أرمينيا من عام 1991 حتى استقالته القسرية فى عام 1998. عندما ترشح تير بتروسيان للرئاسة مرة أخرى فى عام 2008، وخسر فى النهاية أمام سيرج سركسيان من كاراباخ، كان باشينيان أحد أهم مؤيديه. وجه باشينيان اتهامات بالتزوير والاحتيال، وسُجن فى النهاية بتهمة “تنظيم اضطرابات جماعية”.
قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء أثناء “الثورة المخم” ليةفى أرمينيا، كان باشينيان بارزًا لانتقاداته اعتماد الدولة الأرمينيةــ أو فى الواقع تبعيتهاــ لروسيا. تدرك روسيا جديا هذا الأمر وبالتالى ظلت محايدة فى الانتخابات البرلمانية المبكرة لعام 2021. كانت هذه الانتخابات معركة انتخابية بشكل رئيسى بين باشينيان والسياسى المهيمن الآخر من عشيرة كاراباخ، روبرت كوتشاريان، الذى كان رئيسًا من 1998 إلى 2008. واليوم، حتى النخب الأمنية الروسية أدركت بشكل عملى أن العلاقات الجيدة مع باكو أكثر أهمية من بعض النواحى لموسكو من خضوع يريفان.
المصدر: بوابة الشروق
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر