سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كان سيلوكي
في قراره التاريخي الصادر بتاريخ 6 مايو الجاري، دعا المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا إلى إعادة الانتخابات ببلدية إسطنبول. وتبعًا لذلك، فقد تمَّ إلغاء ولاية “أكرم إمام أوغلو”، مرشح المعارضة المنتمي إلى حزب “الشعب الجمهوري” الذي فاز بالسباق الانتخابي بفارق وصل إلى 13 ألف صوت بعد الفرز لعدة مرات، وكان قد تمَّ تعيينه رئيسًا لبلدية إسطنبول بموجب تلك النتيجة.
إن القرار الأخير من شأنه أن يُقوِّض الديمقراطية في تركيا؛ فعلى الرغم من كل عيوب تركيا، فإن لديها تجربة ديمقراطية تعود إلى عام 1946، إذ تكمن في قدرتها على إجراء انتخابات تعددية، والخروج بنتائج يقبلها الجميع. إلا أن حاليًا الثقة قد تبخَّرت في العملية الانتخابية فأصبحت تُجرى بطريقة عشوائية مما يقوِّض من ثقة المواطنين في سلامة العملية الديمقراطية.
وفي الواقع، فإنه من خلال إعادة تفسير السوابق القضائية، فقد اعتمد المجلس الأعلى للانتخابات قراره على حقيقة أن مجالس الاقتراع، التي تضم مجموعة الأشخاص المسؤولين عن سلامة سير عملية التصويت في صناديق الاقتراع، قد تمَّ تشكيلها بشكل غير قانوني، ما يعني أن الالتزام القانوني الذي تم الاقتراع عليه، والذي يجب أن يتشكَّل من خلال رؤساء المجلس موظفي الخدمة المدنية لم يتحقق.
ومع ذلك، فقد فشل المجلس الأعلى للانتخابات في توضيح كيف أثرت هذه المخالفة في النتائج بالنظر إلى أن صناديق الاقتراع خضعت للمراقبة من قِبَل ممثلي الأحزاب السياسية؛ فإذا حاول رئيس المجلس القيام بأي تلاعب، كان ممثلو الأحزاب السياسية قد تدخلوا لمواجهة ذلك؛ لذا، فإن قرار المجلس لم يكن متناسقًا بقدر ما قرر إلغاء التصويت لمرشح العاصمة مع قبول الأصوات التي تمَّ الإدلاء بها في السباقات الأخرى.
وفي الواقع، وفي نفس السياق الذي أدلى فيه الناخبون بأصواتهم لصالح رئيس بلدية إسطنبول، نجد أنهم فعلوا ذلك أيضًا بالنسبة لرؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية في المقاطعات، وممثلي الأحياء. ولتحقيق قدرٍ من الاتساق، نشير إلى أنه إذا كانت القواعد الإجرائية قد انتهكت، فمن المفترض أن يتم إلغاء نتائج الانتخابات الثلاثة الأخرى.
ويكمن التفسير القانوني لذلك في أن المجلس الأعلى للانتخابات لديه صلاحية اتخاذ القرارات بشأن النتائج التي تمَّ الطعن فيها فقط. وفي هذه الحالة، نجد أنه قد تمَّ التنافس على انتخابات بلدية إسطنبول فقط، ربَّما لأن حزب العدالة والتنمية قد تمكن من تحقيق نتائج إيجابية في السباقات الأخرى. وفي حين أن هذا قد يكون صحيحًا من الناحية القانونية، نجد أنه يعتبر خطأ من الناحية الأخلاقية. ذلك أن قرار إعادة السباق الذي طلبه الحزب الحاكم، من شأنه أن يضر ثقة الجمهور ويخلق سابقةً يمكن أن يستغلها أي حزبٍ حاكمٍ في المستقبل خلال أوقات لا تكون فيها نتائج الانتخابات مرضية، وذلك على الرغم من احتمالات تأثيرها السلبي من خلال المخالفات المزعومة.
لقد كان رد فعل بعض مؤيدي “إمام أوغلو” على قرار إعادة التصويت، هو الدعوة إلى المقاطعة. ومع ذلك، تمكَّن “إمام أوغلو” من إقناعهم وردهم عن دعوتهم وتعهد في خطاب بعدم الاستسلام أبدًا ومواصلة النضال. وفي نفس الخطاب، دعا رجال الأعمال والفنانين إلى عدم التزام الصمت والرد على القرارات. كما ردت مجموعة واسعة من الفنانين على الدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما خلق قوة دفع كبيرة تابعة لدعوته.
وتجاوز السخط الذي أثاره القرار صفوف المعارضة. ففي الحقيقة نجد أنه ليس كل المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية أو قاعدته الانتخابية راضون عن هذه النتيجة. ذلك أنه من المحتمل أن يؤدي هذا القرار إلى تصدعات في صفوف الحزب الحاكم بشكل أكثر وضوحًا. فقد قام “عبدالله جول”، الرئيس السابق وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، بتغريدة انتقد فيها قرار إعادة التصويت بشدة، لكنه لا ينكر الشائعات التي تقول بأنه يدعم تشكيل حزب جديد برئاسة “علي باباجان”، نائب رئيس الوزراء السابق ووزير الاقتصاد والمالية.
وقد انتشرت بعض الشائعات حول قيام “باباجان” و”جول” و”أحمد داود أوغلو”، وزير الخارجية السابق ورئيس الوزراء، بالتحضير لتشكيل حزب سياسي جديد؛ فقبل أسبوعين، أصدر “داود أوغلو” بيانًا من 15 صفحة انتقد فيه حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، مشيرًا إلى أنه لا يوجد وقت لإنشاء حزب جديد والتنافس في إعادة الانتخابات على بلدية إسطنبول.
ولكن يبدو أن الأحداث الأخيرة قد عجلت بهذه العملية، حيث يمكن أن يضر الحزب الجديد حزب العدالة والتنمية بطريقتين: فمن ناحية، نجد أن الناخبين الذين يستهدفهم الحزب الجديد سيكونون ساخطين على حزب العدالة والتنمية، ومن ناحية أخرى، يمكن للحزب الجديد أن يجذب نوابًا من ممثلي العدالة والتنمية، وهو ما من شأنه أن يعطل الأغلبية التي يتمتع بها الرئيس رجب طيب أردوغان حاليًا في البرلمان.
لقد كشفت الاستطلاعات الأولية بعد الانتخابات أن عملية الاعتراض على النتائج قد دعمت المنافس “إمام أوغلو”. وفي تلك الاستطلاعات، ولا سيَّما مع وجود 1500 مشارك بعد أسبوع من انتخابات 31 مارس، لاحظنا أن “إمام أوغلو” تمكن من رفع هامشه إلى 8 نقاط مئوية، بنسبة 54% مقابل 46% لـ”بن علي يلدريم”؛ وهو ما يعود لاثنين من الأسباب، أولاً فقد فشل مسؤولو العدالة والتنمية في إقناع الجمهور بتأييدهم، وثانيًا باتوا مجهدين من الضغوط الاقتصادية، إذ أراد الناخبون أن تعود الحكومة إلى ترتيب أوضاعها.
وإذا كان التاريخ يعلمنا درسًا، فإن هذا الدرس هو أن الشعب التركي يحب صندوق الاقتراع دون قيود. ومن الأمثلة على ذلك يمكن الإشارة إلى رد الفعل الشعبي على تدخل الجيش قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2007. فقد نشرت القوات المسلحة – آنذاك – بيانًا يحذر فيه المرشح المفضل التابع لحزب العدالة والتنمية، وزير الخارجية آنذاك، “عبدالله جول”، من عدم الترشح للانتخابات. ودعا حزب العدالة والتنمية إلى إجراء انتخابات مبكرة وحصل على 46%، مضيفًا 10 نقاط لمستوى الدعم السابق.
وللمضي في هذا الإطار، فإن أربعة عوامل رئيسة سوف تؤثر بشكلٍ كبيرٍ في نتائج إعادة الانتخابات المقررة في 23 يونيو المقبل. أول هذه العوامل أنه في سباق محدود، سيكون موقف الأحزاب الصغيرة، الذي كان يُعتبر سابقًا غير ذي جدوى، على قدر من الأهمية. فبخلاف حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة والتنمية، حصلت 6 أحزاب أخرى على 2.47% من مجموع الأصوات، أي ما يزيد قليلاً على 210 آلاف صوت. إضافة إلى ذلك، فقد أعلن ثلاثة مرشحين مستقلين أنهم لن يخوضوا الانتخابات مرة أخرى. وبمجرد أن تقرر الأطراف مواقفها من المشاركة، سيكون من الممكن إجراء تقييم فيما يتعلق بتأثيرها. أمَّا العاملان الثاني والثالث فيتعلقان بدرجة إقبال الناخبين. ففي 31 مارس، كان معدل المشاركة في إسطنبول 83% مقابل 88% في الانتخابات البرلمانية في 24 يونيو 2018. وبالتالي، فإن حشد الناخبين سيكون عاملاً حاسمًا بالنسبة لكل الأطراف. ومن العوامل الأخرى المحددة لإقبال الناخبين، أن الكثير من الناس سيغادرون المدينة لقضاء الصيف في مدنهم أو قراهم.
ويعدُّ هذا العامل، رغم أهميته بالنسبة للعملية السياسية، أحد التحديات التي تواجه حزب العدالة والتنمية أكثر من غيره، لأن ذلك السلوك يعدُّ أكثر شيوعًا في الأسر ذات الدخل المنخفض، لكنه يرتبط أيضًا بمؤيدي المعارضة الذين يقضون إجازاتهم خارج المدينة، ويحتمل أن غالبيتهم ينتمون إلى أسر أكثر ثراء، لكن ظروفهم المالية تجعل من السهل على معظمهم قضاء بعض الوقت في الجنوب والعودة إلى إسطنبول للتصويت.
وللتأكيد على أهمية إقبال الناخبين، فقد تحولت البلديات في مدن المنتجعات التركية، التي تسيطر عليها المعارضة، إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فعرضت محتويات ساخرة هدفت إلى إقناع سكان إسطنبول بعدم السفر جنوبًا يوم الانتخابات. ومن بين تلك المواقع نجد “تويت بودروم”، وهو موقع ترفيهي مفضل جدًا في جنوب تركيا، وقد أعلن عبر “تويتر” عن توقعه أن يكون الطقس ثلجيًا في يوم الانتخابات، وذلك في محاولة ساخرة لإقناع المواطنين بعدم السفر خارج إسطنبول أثناء عملية الانتخابات. وفي تغريدة لمنتجع “سيسمي”، وهي إحدى الوجهات التي يقصدها الأتراك أثناء العطلات، قالت إنها تتوقع إعصارًا يوم الانتخابات، ما يجعل الدخول إلى المنطقة وشاطئها مغامرة خطيرة، وممنوعة. وهناك أيضًا من توقع أن درجة الحرارة سوف تكون في المتوسط 85 فهرنهايت.
لقد كان الاقتصاد أحد المحددات الرئيسية للسلوك التصويتي قبل انتخابات التي أجريت في31 مارس، وسيظل الناخبون على قدر كبير من الحساسية تجاه حالة الاقتصاد؛ وبخاصة بعد أن انخفضت الليرة التركية فعلاً مقابل الدولار، من 5.98 إلى 6.17، بعد الإعلان عن إعادة التصويت، وهو ما زاد من إضعاف العملة التركية التي كانت في حالة انخفاض، بالإضافة إلى تفاقم الاختلالات الهيكلية للاقتصاد، وتعريض حالة النمو للخطر.
وبناء على ما سبق، فإن الانتخابات المقبلة لن تكون حول من سيتولى ولاية إسطنبول، بل سوف ينظر إليها على نطاق واسع على أنه سباق “إمام أوغلو” ضد أردوغان، إذ يتوقع أن يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في غضون سنوات.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مجلة السياسة الخارجية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر