سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
في 29 يناير الماضي وقع تفجير قنبلة قرب السفارة الإسرائيلية في العاصمة الهندية نيودلهي، ودارت الشبهات بشكلٍ واسع حول وقوف إيران وراء تلك التفجيرات، ويبدو أن تفاصيل جديدة من التحقيقات تؤكد ذلك.
خلفية الموضوع
بداية العلاقات الإيرانية الهندية مرَّت بتحوُّلٍ كبيرٍ في السنوات الأخيرة، وانتقلت من علاقاتٍ توصف بالقوة فترة الحرب الباردة، إلى التحول إلى صيغة أقرب إلى التوتر في السنوات الأخيرة.
فمن ناحيةٍ، تعيد الهند ضبط سياساتها الداخلية بعيدًا عن النموذج العلماني (والاشتراكي) الموروث من راجيف غاندي، مما أثار تساؤلات حول مكان المسلمين والإسلام في الاتحاد الهندي. كما تعيد دلهي توجيه سياساتها الخارجية بالاتجاه المؤيد للولايات المتحدة الأمريكية. أما من الناحيةِ الأخرى، فالإيرانيون دائماً ما يتدخلون في الشؤون الداخلية الهندية، بما في ذلك نشر التطرف بين السكان الشيعة، وإقامة علاقات مع الجهاديين والانفصاليين في كشمير.
الهجوم
سرعان ما جرى التوصل إلى نتيجةٍ مفادها أن العبوة الناسفة خارج السفارة الإسرائيلية في دلهي التي أدت إلى تضرر نوافذ ثلاث سيارات دون أن التسبب في إصابات بشرية، كانت عملًا إرهابيًّا. قال السفير الإسرائيلي رون مالكا: “التقييم هو أن الأمر كان محاولة هجوم استهدف السفارة”. وأضاف أن العبوة الناسفة أصابت “بضع عشراتٍ من الأمتار من جدار السفارة”.
وذكرت تقارير هندية محلية أن العبوة الناسفة “كانت تحتوي على كراتٍ معدنية ملفوفة في كيسٍ بلاستيكي وزرعت على الرصيف خارج السفارة”. وقالت قناة “سي إن إن إنديا” إن الشرطة الهندية “وجدت مغلفًا بالقرب من مسرح الانفجار كتب عليه عبارة (لسفارة إسرائيل).”
رسالة تبني العملية
سرعان ما تم الكشف عن محتوى الرسالة:
كانتِ الرسالة مكتوبةً بخط اليد وباللغة الإنجليزية، ولكنها مليئة بالأخطاء اللغوية والإملائية، وموجهة إلى سفير إسرائيل رون مالكا، الذي أشارت إليه على أنه “إرهابي الأمة الإرهابية”. وتقول إنها من حزب الله الهندي، وهي جماعة لم تكن معروفة من قبل.
جاء في الرسالة: “هذه مجرد عينة صغيرة نقدمها اليك، يمكننا مراقبتك، حتى عندما تتناول فطيرتك… يمكننا أن نأخذ حياتك في أي وقت”، وجاء في الرسالة أيضاً أن المهاجمين يريدون قتل مالكا ولكن “لا نريد أن تسيل دماء الأبرياء من حولك”. وحذرتِ الرسالة من أن جميع “شركاء إسرائيل والمشتركين معها عليهم الاستعداد الآن للانتقام الأكبر والأفضل لأبطالنا”.
حددتِ الرسالة الأشخاص الذين تريد الانتقام لهم. أولًا كان هناك قاسم سليماني؛ قائد فيلق القدس إحدى فرق الحرس الثوري الإيراني الذي قُتل في غارة أمريكية بطائرةٍ مسيرة في بغداد في يناير 2020. ثانيًا أبو مهدي المهندس؛ نائب سليماني، الذي قتل في نفس الغارة. وثالثًا، محسن فخري زاده وهو القوة الدافعة وراء برنامج الأسلحة النووية الإيراني الذي اغتيل في إيران في نوفمبر 2020 في عمليةٍ نُسبت عالميًا إلى الموساد الإسرائيلي، على الرغم من أن التفاصيل لا تزال غامضة. انتهتِ الرسالة بهذه الملاحظة “لم يبق لديك إلا أن تعدّ ما تبقى لك من الأيام”.لم يكن هذا ادعاءً خجولًا بالمسؤولية. ففي العراق عمل الحرس الثوري الإيراني على إنشاء العديد من التشكيلات المسلحة، مثل سرايا أولياء الدم، من أجل أن يتمكن من إنكار مسؤوليته عن مهاجمة المنشآت الأمريكية. ولكن استخدام كلمة “حزب الله” باسم الجماعة في الهند، كان لتجنب الإنكار الكامل.
البصمات الإيرانية
كما هو متوقع، بعد شهرٍ من التحقيق، خلُصتِ الهندُ إلى أن خلية محلية من المتطرفين، وبتوجيهٍ من الحرس الثوري الإيراني، نفذت هجوم السفارة، وهذه المعلومات تم تسريبها إلى وسائل الإعلام من قبل الحكومة الهندية الغاضبة. ومهما كانت الشكوك حول النوايا الإيرانية من هذا التفجير، فقد قال أحد الخبراء الذين يحققون في الهجوم “كانت الرسالة واضحة، وكان التهديد حقيقيًّا”، متحدثًا إلى صحيفة هندوستان تايمز عن خلفية الهجوم.بالطبع أنكرت إيران كل شيء. أصدرت السفارة الإيرانية في الهند نفيًا قائمًا على نظرية المؤامرة، قائلةً إن “طرفًا ثالثًا” غير معروف يعارض تقارب العلاقات بين الهند وإيران، ويجب مقاومة “نواياهم المفسدة” و”رغباتهم الشريرة”.
أسوأ مما يبدو
بعد الهجوم بوقتٍ قصير، وصفت الشرطة الهندية العبوة الناسفة بأنها “ضعيفة جدًّا”، وهي “محاولة مؤذية لإحداث ضجة كبيرة” أكثر من كونها محاولة جادة لإلحاق الأذى، ورددت القناة 13 الإسرائيلية ذلك، قائلة إن العبوة الناسفة كانت “بدائية للغاية”، ولا يبدو أنها من عمل” خلية إرهابية معقدة”. ولكن تبين أن هذا خاطئ تمامًا. فقد تم تسريب المزيد من التفاصيل لصحيفة هندوستان تايمز مؤخرًا كان لاثنين منها وقعٌ بارز.
ففي المقام الأول، لم تكن العبوة الناسفة بدائية، و”كان يتم التحكم بها عن بعد بواسطة شخصٍ يقف على مرمى النظر” الذي من المفترض أن يكون أحد الشخصين اللذين التقطتهما كاميرات المراقبة، وهو يترجل من سيارة أجرة ويضع العبوة قبيل انفجارها. “في انتظار نتائج طبيعة المادة المتفجرة من المختبرات الجنائية، تقدر الوكالات أنها ربما كانت مؤلفة من نيترات الأمونيوم مع زيت الوقود مزودة بصاعق كهربائي، أو أنها قد تكون رباعي نترات بنتاريثريتول الأكثر تطورًا”. والمؤكد أن العبوة كانت مملوءة بمسحوق الأمونيوم والكرات المعدنية التي حطمت شظاياها نوفذ السيارات القريبة.
وثانيًا، ترك المهاجمون أدلة زائفة في مكان الحادث تشير إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) باعتباره وراء الاعتداء، ولكن وكالات مكافحة الإرهاب الهندية متأكدة من أن الانفجار كان جزءًا من حملة الحرب غير المتكافئة للحرس الثوري الإيراني ضد إسرائيل.
ليست المرة الأولى
هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الحرس الثوري الإيراني إسرائيل على الأراضي الهندية. ففي فبراير 2012، هاجم الحرس الثوري الإيراني دبلوماسيين إسرائيليين في الهند بعبوة ناسفة استهدفت سيارتهم، وأدت إلى إصابة أربعة أشخاصٍ بجراح. وفي غضون أربع وعشرين ساعة، تمت هجمات مماثلة في جورجيا وتايلاند. كان ذلك بعد أشهرٍ قليلة من إصدار وزارة العدل الأمريكية لائحة اتهام بشأن مخطط الحرس الثوري الإيراني، بالاشتراك مع كارتيلات المخدرات المكسيكية لتفجير السفير السعودي في مقهى في العاصمة الأمريكية. كانت دوافع إيران في ذلك الوقت كما هي الآن، الانتقام لسلسلةٍ من الوفيات بين علمائها النوويين التي كان بعضها اغتيالاتٍ واضحة.
التداعيات
تظهر محاولة الهجوم في الهند أن إيران لا تزال ملتزمة بالإرهاب العالمي. وبينما تنظر إدارة بايدن في السير قُدمًا مع إيران -فيما إذا وكيف تعود للانضمام إلى الاتفاق النووي، وفي ما ستفعله بشأن العقوبات- فهي يجب ألا تكرر أخطاء الماضي المتمثلة بإغفال المغامرات العسكرية غير التقليدية للحرس الثوري الإيراني. ويجب أن تبقى الإمبريالية الإسلامية الإيرانية في جوهر النقاش.
المصدر: كيو بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر