سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
في السياسة الدولية غالبا لا تتأثر الشخصيات البارزة بالأزمات التي يحاولون إدارتها. لكنّ إصابة رئيس وزراء بريطانيا، «بوريس جونسون»، (بكوفيد-19) وخضوعه للعلاج في وحدة العناية المركزة بمستشفى سانت توماس، بلندن في أوائل أبريل، أظهرت أن الجميع ضحايا محتملين للفيروس بغض النظر عن مدى تقدمهم في التسلسل الهرمي السياسي في العالم.
وبعد عدة أسابيع من الابتعاد عن العمل عاد «جونسون» للقيام بمهامه كرئيس للوزراء يوم 27 أبريل. ومنذ البداية، حافظ على النهج السياسي الذي وافق عليه نائبه وزير الخارجية، «دومينيك راب»؛ في الإصرار على استمرار إجراءات الإغلاق كخطوة عمل ضرورية لمنع زيادة انتشار الفيروس في المستقبل القريب.
وسجلت المملكة المتحدة حتى الآن أكثر من 182.260 حالة مؤكدة بفيروس كورونا، وحوالي 28.131 حالة وفاة. وانخفض معدل الوفيات جراء كوفيد-19, بشكل مطرد بتسجيل 360 حالة وفاة في مستشفيات المملكة المتحدة في 8 مايو، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 16% مقارنةً باليوم السابق عليه.
وكانت لندن قد حددت خمسة معايير يجب الوفاء بها لتخفيف إجراءات الإغلاق. وتشمل الانخفاض المستمر في الوفيات، وقدرة هيئة الخدمات الصحية الوطنية على التعامل مع المرضى الجدد، وانخفاض عدد الإصابات، وقدرة الاختبار الكافية، وعدم وجود خطر لحدوث ذروة ثانية في الإصابات. وعلى الرغم من أن الحدود المقبولة لهذه المعايير تخضع لتقدير الحكومة، إلا أنه لا يمكن القول بأن أي من هذه الشروط قد تم الوفاء به حتى الآن إلى مستوى مُرضٍ للنظر في تخفيف إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي.
وتُظهر البيانات الأولية لرئيس الوزراء تركيزا متجددا على تسريع إجراء اختبار الفيروس وتتبع الاتصال. وتم رفض أي مخاوف من أنه سيتبع نهج إعادة فتح الاقتصاد الذي قد يتبعه الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، بشدة. وعلى ما يبدو أن مرضه في هذه المرحلة المبكرة قد أثار التزاما صارما بالصحة العامة فوق الاعتبار الاقتصادي. لكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحا، وهو في أي مرحلة من الأزمة سيوافق على إعادة فتح الاقتصاد البريطاني على نطاق واسع.
إن المملكة المتحدة تعاني من أضرار اقتصادية شديدة بسبب جائحة كورونا. وتوقع مكتب «مسؤولية الميزانية» ارتفاع نسبة البطالة إلى10%. وتعاني كبريات الشركات البريطانية من نقص ممتد في الطلب وبدأت في إنهاء خدمات موظفيها أو منحهم إجازات من دون أو بنصف راتب؛ وعملت الخطوط الجوية البريطانية على إلغاء 12.000 وظيفة، أي ما يعادل 30% من قوتها العاملة. وطلبت خطوط طيران «فيرجن أتلانتيك» دعما ماليا من الدولة بعد أن وضعت غالبية موظفيها البالغ عددهم 8.500 من دون راتب لمدة ثمانية أسابيع.
وبالفعل، بدأت بعض البلدان في إعادة فتح أجزاء من اقتصاداتها ببطء، بعد إغلاق استمر عدة أسابيع. وأعادت ألمانيا فتح بعض النشاطات، وستسمح إيطاليا قريبا للمصانع وشركات البناء بمواصلة عملياتها بعد شهرين تقريبا من تفشي المرض في شمال البلاد. وفي الولايات المتحدة التزم الرئيس «ترامب» بإعادة فتح الاقتصاد في أقرب وقت ممكن، حتى مع وجود خطر تهديد الصحة العامة؛ وذلك من خلال خطة بعنوان «فتح الاقتصاد الأمريكي مرة أخرى»، تتم على عدة مراحل.
وقبل عودة «جونسون» لممارسة مهامه كرئيس للوزراء، رفض وزير الخارجية، «دومينيك راب»، فكرة التخفيف المبكر لإجراءات الإغلاق، قائلا: «حتى نكون متيقنين، وبناءً على النصائح العلمية بأننا نتخذ خطوات مضمونة للمضي قدمًا لحماية الحياة، ولكي نحافظ أيضا على أسلوب حياتنا، فإنني بصراحة لست المسؤول عن تحمل مخاطرة اتخاذ هذا القرار».
ومن وجهة نظر مماثلة، رفض رئيس الوزراء ما تردد حول اتباعه نهجا مماثلا لترامب قائلاً: «أريد أن أجعل الاقتصاد يتحرك بأسرع ما يمكنني، لكنني أرفض التخلي عن كل جهد بُذل وتضحيات الشعب البريطاني والمخاطرة بحدوث تفش كبير ثان وخسائر كبيرة في الأرواح وسحق هيئة الخدمات الصحية الوطنية.. يجب علينا أن ندرك خطر حدوث طفرة ثانية من الفيروس، وخطر فقدان السيطرة عليه».
وكانت المملكة المتحدة قد تأخرت عدة أسابيع عن الدول الأوروبية الأخرى في رصد استجابة سريعة للفيروس. وعلى الرغم من أن إيطاليا والنمسا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا، قد تنفذ أو تفكر جديا في إجراءات إعادة فتح الاقتصاد فإن الأمر قد يستغرق عدة أسابيع قبل أن تتخذ لندن إجراءات مماثلة. وسيسمح التأخير الزمني للحكومة بملاحظة ما إذا كانت مثل هذه الإجراءات من قبل الدول الأخرى قد نجحت في تعزيز انتعاش اقتصادي، بالإضافة إلى تجنب حالات ارتفاع أخرى في الإصابات والوفيات. ويحذر «كليمنس فويست»، من «معهد إيفو للبحوث الاقتصادية» في ميونيخ، من أن «إعادة الفتح لا تعني انتعاشا فوريا للاقتصاد، بل ستحاول المتاجر جذب العملاء بخصومات وعروض خاصة، لمحاولة الوصول إلى حجم المبيعات التي كانوا عليها قبيل بدء الأزمة».
ومع ذلك، فإن إعادة فتح النشاط الاقتصادي يجب أن تتم ضمن حدود الحفاظ على الصحة العامة والمبادئ التوجيهية بشأن التباعد الاجتماعي. وكان «كريس ويتي»، كبير المسؤولين الطبيين، قد حذر من أن توفير اللقاح في غضون عام «هي آمال صعبة التحقيق»، مؤكدا أننا «يجب أن نكون واقعيين بشأن ذلك». وعليه، سيكون من الضروري اتباع نهج تدريجي يتم من خلاله إعادة فتح الشركات بمجرد إعطاء الضوء الأخضر من قبل الحكومة البريطانية. وبالفعل، أعلن وزير التعليم، «جافين وليامسون»، أنه ستتم إعادة فتح المدارس على مراحل، ولكن حتى الآن لم يتم تحديد هذا الوقت».
ويبقى واضحًا أن حكومة المحافظين قد نالت الكثير من النقد في إدارتها للأزمة. ونال وزير الصحة «مات هانكوك» القدر الأكبر من اللوم بسبب إخفاقه في توفير كمية كافية من معدات الوقاية الشخصية للأطقم الطبية. ومن غير المحتمل أن يتحقق هدف «هانكوك» لإجراء 100 ألف اختبار يوميًا بحلول نهاية مايو في حين أن الحد الأقصى الذي يتم إجراؤه حاليًا هو 73.400 اختبار يوميًا فقط. وفي الوقت الحالي تم توسيع التزامات الاختبار لتشمل جميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عامًا وأفراد أسرهم، وكذلك جميع العمال الذين لا يمكنهم العمل من المنزل. ويبدو أن «هانكوك» سيكون «كبش فداء» للحكومة في حال حدوث أي إخفاقات أثناء الأزمة. وفي هذا الصدد، كان النائب العمالي، «بيتر كايل»، قد اتهمه بالمبالغة في قدرات الاختبار قائلا: «لا يبدو عليه أنه يتعلم من أخطائه، لا يكاد يتخلص من وعد قطعه، كما رأينا تماما مواقفه خلال حكومة تيريزا ماي الماضية بشأن قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».
ومع ذلك، لا يمكن اعتبار وزير الصحة هو المسؤول الوحيد عن سوء إدارة الأزمة. فلقد فشلت استراتيجية حماية الصحة العامة التي كانت تتبناها الحكومة البريطانية للتصدي للفيروس، والتي يطلق عليها نهج «مناعة القطيع». والتي تستند إلى ممارسة الحياة بشكل طبيعي، بحيث يصاب معظم أفراد المجتمع بالفيروس، وبالتالي تتعرف أجهزتهم المناعية عليه، ومن ثم تحاربه إذا ما حاول مهاجمتها مجددا، لكن المختصين حذروا من هذه الاستراتيجية في ظل ازدياد معدل الإصابات والوفيات. وبحلول منتصف مارس2020 تم التراجع عنها. وبعد هذا الفشل، تم حث البريطانيين على العمل من المنزل وتجنب السفر والتنقل في ظل هذه القيود المفروضة المتبقية منذ ذلك الحين.
وفي الوقت الحالي تتبع بريطانيا نهج بلدان مثل، ألمانيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة التي كانت قادرة على احتواء انتشار الفيروس من خلال إجرائها اختبارات مكثفة وتعزيز سبل الاتصال والتواصل مع حالات الإصابة. ومع ذلك تم اعتبار هذا النهج من قبل خبراء الصحة البريطانيين غير عملي وغير قابل للتطبيق. واتخذت الحكومة بالفعل خطوات ملموسة لإضافة تغييرات على هذه الاستراتيجية، غير أنها قد تكون متأخرة للغاية وغير فعالة.
ومن ناحية أخرى، أشارت «تيريز رافائيل» بوكالة «بلومبرج»، إلى أن «عودة جونسون إلى قيادة البلاد قد تعزز من احتمالية التزام أكبر من الحكومة البريطانية في التصدي للوباء». وتسمح عودته لقيادة الحكومة التي تتعرض للانتقادات اللاذعة في الوقت الراهن بالالتفاف حول رئيس الوزراء. يشير «توم مكتاغي» في مجلة «ذا أتلانتك» إلى أن جونسون «لديه ميل «رونالد ريغان» المتطلع للمستقبل ولديه بارقة الأمل ذاتها للغد». ولطالما كان رئيس الوزراء بارعا بالفعل في إلقاء بيانات وقت الأزمات. ففي إعلانه الذي أطلقه يوم 27/4 قال: «إذا استطعنا إظهار نفس روح الوحدة والعزيمة التي أظهرناها في الأسابيع الستة الماضية، فلا شك أننا سنتغلب على الوباء؛ سنسير معًا بشكل أسرع، وستخرج المملكة المتحدة من تلك الأزمة أقوى من أي وقت مضى». وفي هذا الصدد، قال «مارك لاندلر» في صحيفة «نيويورك تايمز»، «على الرغم من بيانه الحاسم، كانت رسالة جونسون إلى أمته المنهكة بالإغلاق قاتمة بكل معنى الكلمة، مما يؤكد الخيارات الصعبة التي تواجهها بريطانيا في ظل ضعف اقتصادها وارتفاع عدد حالات الوفاة من الفيروس».
على العموم، إن عودة «بوريس جونسون» لقيادة الحكومة البريطانية لمجابهة فيروس كورونا توفر دفعة قوية لإنجاح المساعي والجهود في هذا الصدد. ورغم أن التعلم من الأخطاء السابقة تطور إيجابي للحكومة، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين إنجازه قبل أن يتمكن رئيس الوزراء من إعادة فتح الاقتصاد مرة أخرى، خاصة أن خيار الحفاظ على إجراءات الإغلاق خلال المستقبل القريب يعتبر خطوة منطقية من شأنها أن تمنع حدوث طفرة ثانية في انتشار حالات الإصابة بالفيروس في الأسابيع المقبلة.
المصدر: أخبار الخليج
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر