إدارة الأزمات السياسية | مركز سمت للدراسات

إدارة الأزمات: بين الاهتمام المؤسسي والوعي المجتمعي

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 29 ديسمبر 2020

د. أشرف محمد كشك

 

“إدارة الأزمات السياسية” يثير هذا العنوان مجددًا موضوع إدارة الأزمات الذي أضحى يستحوذ على اهتمام العديد من الدول، وقد تباين اهتمام العديد من دول العالم بتلك القضية وفقًا لظروف كل دولة وأولوياتها، إلا أن مفهوم الأزمة ذاته قديم قدم الوجود البشري، وأنه كان مرتبطًا بمجالات مختلفة بداية بالمجال الطبي ثم الإدارة فالاقتصاد فالسياسة والعلوم الاستراتيجية عمومًا، وكانت أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962م تحولاً جوهريًا في بدء اهتمام العالم بالأزمات السياسية ذات التأثير على مسار العلاقات الدولية سواء بالنسبة لخطأ تقدير أجهزة الاستخبارات الأمريكية في أن السفن السوفيتية المتجهة نحو كوبا كانت تحمل أخشابًا والحقيقة أنها لم تكن سوى صواريخ بعيدة المدى, أو في كيفية إدارة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لتلك الأزمة آنذاك والخروج منها بنتيجة لا فائز ولا خاسر، أو في مفهوم فريق العمل خلال الأزمات وآلية تأسيسه وكيفية عمله.

ومع أهمية ما سبق فإنه بالنظر إلى الصراعات المحتدمة إقليميًا وعالميًا، فضلاً عما رتبته جائحة كورونا من تداعيات طالت كافة أوجه الحياة فإن هناك أهمية بالغة لتكامل الاهتمام المؤسسي مع الوعي المجتمعي بمسألة إدارة الأزمات وهذا ما يستهدفه موضوع المقال.

وبداية عند اهتمام الدول بمسألة الأزمات نجد أن بعضها قد جعل ذلك الاهتمام مشمولاً بالكوارث في الوقت ذاته. وربما يكون ذلك صحيحًا بالنسبة للدول التي تواجه كوارث طبيعية مثل الفيضانات والزلازل والبراكين، إلا أن بعض الدول ربما لا تكون بحاجة لخطط ذات صلة بكوارث من هذا النوع ومنها دول الخليج باستثناء الكوارث البيئية وتداعيات زلازل محتملة في دول الجوار وما يمكن أن تسببه من تلوث إشعاعي وغيره من المخاطر المحتملة.

من ناحية ثانية تولي بعض الدول اهتمامًا ملحوظًا بالأزمات على كافة مستوياتها محليًا وإقليميًا وعالميًا، وقد يكون ذلك صحيحًا إذا كانت تلك الدول تقع في إقليم مضطرب بما يعنيه ذلك من أن الأزمات الإقليمية على غرار التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز أو تعطيل الملاحة فيه هي أزمة سيكون لها أبعاد إقليمية ودولية دون أدنى شك ودول الخليج معنية بها في الوقت ذاته.

وبغض النظر عن المسار الذي تحدده الدول في إطار تعاملها مع الأزمات والكوارث بمستوياتها الثلاثة، فإن بعض الدول قد قامت بإنشاء مؤسسات معنية ومن بينها مملكة البحرين من خلال إنشاء المركز الوطني لإدارة الأزمات والكوارث عام 2003 ثم اللجنة الوطنية لمواجهة الكوارث، فضلاً عن تدشين مركز بابكو للقيادة للتعامل مع حالات الطوارئ والكوارث في المجال النفطي في عام 2019. وعلى صعيد مواز لوحظ بدء الاهتمام الأكاديمي في المملكة بموضوع إدارة الأزمات من خلال تضمين برامج الماجستير بالأكاديمية الملكية للشرطة برنامج الماجستير في إدارة الأزمات ومن بينها أزمات الأمن السيبراني، بالإضافة إلى الاهتمام بموضوع الأزمات ضمن البرامج التدريبية للعديد من المؤسسات في مملكة البحرين. ويعد توجهًا وخطوات مهمة للغاية حيث تتكامل مع بعضها البعض ونتيجتها الحتمية كما أشرت لذلك في مقالات عديدة سابقة أنها تعد ترجمة لمعادلة تحكم إدارة الأزمات عمومًا وهي (من يفعل ماذا؟ وكيف؟)، فلا يستطيع أحد منع وقوع الأزمات، ربما تكون لها مقدمات على عكس الكوارث التي تأتي بلا مقدمات، بيد أنه في ظل وجود مؤسسات تتخذ من التخطيط الاستراتيجي منهاجًا لعملها بشأن إدارة الأزمات فإن ذلك من شأنه ليس فقط القدرة على التعامل مع الأزمات بل الحد من أضرارها إلى أدنى مستوى، بل ان بعض الدول ومن بينها مملكة البحرين قد بدأت في خطوات أكثر تقدمًا من خلال إجراء تمرينات وهمية بشأن عملية الإخلاء حال وقوع كوارث، والتي تعد مهمة للغاية ليس فقط للتعرف على الموارد المتاحة بل أيضًا للتغلب على عنصر المفاجأة والذي يعد مكونًا أساسيًا من مكونات الأزمات والكوارث، فضلاً عن بدء بعض الدول في توظيف برامج الذكاء الاصطناعي خلال إجراء تمارين مثل هذا النوع وخاصة بالنسبة للأزمات الإقليمية ومنها ما يرتبط بالأمن البحري.

ومع أهمية الاهتمام المؤسسي بإدارة الأزمات فإنه في تقديري يجب أن يتوازى ذلك مع الوعي المجتمعي في الوقت ذاته، ولعل جائحة كورونا كانت اختبارًا حقيقيًا لفكرة ترسيخ الوعي المجتمعي بالأزمات والكوارث. وكان لمملكة البحرين تجربة متميزة في التعامل مع تلك الجائحة مؤسساتيًا ومجتمعيًا بشهادة العديد من دول العالم، وما أعنيه بالوعي المجتمعي هو ألا تكون مواجهة الأزمات والكوارث مرتبطة بحدث ما ولكن يتم إيلاء تلك المسألة أهمية بالغة ابتداءً بالأسرة ذاتها ومرورًا بالمدارس والجامعات بكيفية التصرف خلال الأزمات والكوارث وانتهاء بدور مؤسسات المجتمع المدني التي تتكامل مع الأدوار الرسمية وهو ما عكسته تجربة جائحة كورونا.

وفي تصوري أن ثمة حاجة الى ثلاثة متطلبات من أجل ترسيخ الوعي بمجال الأزمات والكوارث أولها: بدء الاهتمام بالجانب العملي في المؤسسات الأكاديمية المعنية بتدريس الأزمات كأن يكون مشروع التخرج تمرينًا وهميًا لمجموعات مختلفة من الدارسين حول أزمة أو كارثة وهمية وذلك على غرار ما تقوم به المؤسسات المماثلة في العالم، وثانيها: دور الإعلام في التوعية بمخاطر الأزمات والكوارث من خلال استراتيجية متكاملة للإعلام الأمني دون تهويل أو تهوين، والهدف هو إرساء «ثقافة الأزمة» وكيفية التعامل معها على كافة المستويات، وثالثها: أهمية التنسيق بين الجهات المعنية بتقديم برامج أو دورات تدريبية بشأن إدارة الأزمات والكوارث من أجل تكامل الجهود فيما بينها وعدم تكرار تلك البرامج بما يحقق الفائدة المرجوة منها.

إن جائحة كورونا بما رتبته من آثار سوف تمتد لفترة من الزمن لم تكن منشئة لاهتمام مملكة البحرين أو غيرها من الدول بموضوع الأزمات والكوارث بل كانت كاشفة لأبعاد وأهمية ذلك الموضوع الذي يتعين أن يكون مثار اهتمام دائم لكل الدول مؤسساتيًا ومجتمعيًا بل والأهم حتمية الاطلاع على تجارب الدول الأخرى – وهي عديدة – على الأقل التي تتشابه ظروفها مع دول منطقة الخليج العربي عمومًا، للتعرف على مسببات نشوء الأزمات والكوارث وكيف تعاملت الدول معها لأنه حتمًا بها دروس مستفادة على المستويين الأكاديمي والعملي ضمن عالم أصبحت فيه الأزمات والكوارث أحد مكونات تفاعلاته بما يعنيه ذلك من ضرورة وضع تلك القضية ضمن أولويات الأمن الوطني للدول كافة.

المصدر: مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر