إثيوبيا: مخاض للديمقراطية أم الفوضى؟ | مركز سمت للدراسات

إثيوبيا: مخاض للديمقراطية أم الفوضى؟

التاريخ والوقت : الخميس, 27 سبتمبر 2018

أديسو أدماس

 

يجب اعتبار الشهور الستة الأخيرة من أكثر الفترات التي حفلت بأحداث جسام ذات تبعات خطيرة في تاريخ إثيوبيا الحديث، بداية من إلقاء اللوم على رئيس الوزراء على كافة أخطاء حزبه، إلى دعوة جميع أحزاب المعارضة لتدشين عملية ديمقراطية، ومن توقيع معاهدة السلام مع إريتريا إلى رسم طريق جديد للاقتصاد، ومن تحرير عشرات الآلاف من السجناء السياسيين إلى العودة للصحافة الحرة؛ كل ذلك شكل أحداثًا مذهلة، حيث لم يكن المحللون يتوقعون مثل هذا التحول السريع في الأحداث.

بالنظر إلى هذه التحولات باعتبارها خطوات مشجعة ومثيرة، نجد أنه لا يزال هناك ما يثير الانزعاج في المشهد الإثيوبي، بل وينطوي على مخاطر ليس فقط خسارة المكتسبات التي تحققت خلال الأشهر الستة الأخيرة، بقدر ما يمكن أن تؤدي إلى إغراق البلاد ووضعها على طريق الفوضى والتفكك. فيبدو أن الطاقة المركزية التي تميز بها التوجه الذي قاده الدكتور آبي أحمد، وإدارته، تواجه تحديات خطيرة من جانب قوى المعارضة التي تمارسها جهات عديدة؛ فإثيوبيا اليوم لديها أكبر عدد من النازحين داخليًا في القارة الإفريقية، وهي الحقيقة التي لا تسبب التدهور البيئي فحسب، وإنما تعزز العداء العرقي الذي مارسه نظام “جبهة تحرير شعب تيجراي” على هذا القدر من الجدية. فالجماعات العرقية التي عاشت في معظمها في سلام على مدار عقود، تجد نفسها – حاليًا – يقاتل بعضها بعضًا. ويبدو أن معظم أعمال العنف الأخيرة التي ارتكبت ضد المواطنين الأبرياء في العاصمة وما حولها، إنما هي عمل مجموعات سياسية تهدف إلى خلق حالة من الخوف وانعدام الأمن. وعلى ذلك، يجب ألا يستبعد المرء إمكانية أن يكون هناك تواطؤ مع شركاء سياسيين يعملون بنشاط من أجل تقويض، أو إحباط العملية الديمقراطية الجارية. وفي الواقع، يمكن للمرء أن يفترض فقط أن هؤلاء العملاء لديهم كل ما يخسرونه ولا شيء يكسبونه إذا حلت سيادة القانون والديمقراطية.

ومما يبعث على القلق والإحباط والاهتمام – أيضًا – هو وجود عدد كبير من المواطنين، ومن بينهم قادة سياسيون ومنهم مشاهير في المعارضة، حيث تفاعلوا مع وسائل التواصل الاجتماعي لإحياء الأجواء العدائية، وهو ما يفضي في النهاية إلى فوضى بسبب السياسات التي تؤدي إلى تقسيم الشعب الإثيوبي، والتي تتبعها “جبهة تحرير التيجراي”. وهنا يبدو التساؤل حول مدى رغبة جبهة التحرير في نشر تلك الروح العدوانية؛ ألا يمكن لسياساتها تلك أن تظهر للعالم أنهم غير قادرين على الحور الوطني. كما أن ما يثير المزيد من الانزعاج، هو أن تمنح الشرعية لتصورات “جبهة تحرير التيجراي” بأن البلاد لن تحكم إلا من خلال الأساليب القسرية والقمعية، كما فعلت لفترة طويلة.

ورغم الشكوك القوية حول تورط “جبهة تحرير التيجراي”، في حالات العنف الأخيرة لإحباط التغيير الديمقراطي الذي تشهده البلاد، يبدو أن هذه الحالة تعبر عن مظاهر الغضب والإحباط المكبوت لدى المواطنين، نتيجة للعلاقة العرقية غير المنضبطة التي فرضت على الشعب على مدى السنوات الـ27 الماضية.

ومع ذلك، فإن تعدد مخاطر تلك الحالة كثير، فإذا ساءت الحالة الراهنة للعنف غير المبرر، مع استمرار الشكاوى الخلافية والادعاءات التعسفية، وتوقف النزوح الداخلي للأشخاص، وظلت الأعمال العدائية على الحدود بين القتلة دون حل، فسوف يضطر رئيس الوزراء وحكومته إلى العودة للأساليب القديمة كالأحكام العرفية، والحبس الجماعي، وتعليق الحقوق المدنية، والقيود الصارمة على وسائل الإعلام… إلخ؛ وهو ما يجدد الأمل في استعادة “جبهة تحرير التيجراي” الحكم، بل وربَّما يدفع ذلك لدعوتها للقيام بذلك.

وقد بات على الإثيوبيين أن يدركوا هذه الفرصة التاريخية السانحة حتى لا تُهدر بلا داع ولا رجعة. وهنا نؤكد أن تلك الفرص هي المسار الوحيد لخلق نوع من النظام السياسي الذي يحلم به الإثيوبيون منذ ثلاث أجيال على الأقل. ومن ثَمَّ، ينبغي النظر للأمر بجدية. فأحزاب المعارضة تخوض حاليًا نقاشًا واسعًا بشأن الحاجة إلى “حكومة انتقالية”، فالأحداث التي جرت خلال الأشهر القليلة الماضية من شأنها أن تقنعنا بأن هذه الفكرة، رغم وجاهتها، إلا أنها غير قابلة للتطبيق بشكل تام. وفي الواقع نجد أنه من الحكمة أن تكون الحكومة الانتقالية متوافقة مع “آبي” وفريقه.

إن استعادة حالة السلام في البلد، وإدخال التسامح في الثقافة السياسية، فضلاً عن تقييد الغرائز والدوافع السيئة، كل ذلك ليس من مسؤولية الحكومة الحالية فحسب، بل إنها مسؤولية الأمة كلِّها، ولا سيَّما بالنسبة للقلة التي يتم اختيارها من قِبَل الناخبين. ومن ثَمَّ، فعلى كافة القادة السياسيين المقيمين في المنفىالابتهاج، وكذلك الحال بالنسبة لأولئك الذين عانوا من الاضطهاد والسجن والتعذيب في الوطن أن يجتمعوا ليس فقط للتنديد بالفظائع التي ارتكبت، بل لإظهار ما تتطلبه الديمقراطية.

هنا يثار التساؤل حول ما إذا كان رئيس الوزراء وحكومته، سيتعرضان للضغوط من أجل فرض إجراءات ديكتاتورية؟ فمن أجل التصدي لمنع انزلاق البلاد إلى المزيد من الفوضى، هناك بعض التدابير التي ربَّما تضطر الحكومة إليها. هنا نجد أن العناصر الإجرامية التي تسعى دائمًا للاستفادة من الحريات السياسية، ستتجه نحو التواطؤ مع من لديهم مصلحة في إفشال العملية الديمقراطية. وبالتالي، يجب على الإدارة أن تدرك أنه بدون وجود بيئة يحكمها القانون والنظام، فمن المستحيل إجراء حوار ديمقراطي مُثمر، وبعد ذلك يجب أن تلتزم بسيادة القانون. وهذا ما يبدو واضحًا، لكن الضحية الأولى في هذا المناخ المضطرب، سيكون هو “حكم القانون”.

ومن ثَمَّ، يجب على السلطة القضائية الحفاظ على استقلالها وإقامة العدل دون تدخل من السلطة التنفيذية، كما ينبغي أن ينتهي الشعور لدى المواطنين بأنهم يُحكمون من قِبل بؤرة استعمارية. وبدلاً من اتخاذ موقف عدائي، ينبغي على من هم اليوم في السلطة، أن ينظروا للمعارضة على أنها عنصر لا غنى عنه للحكم الرشيد. فالحكومة التي نادرًا ما يتم انتقادها، نادرًا ما تسعى لتحسين أدائها. وبالتالي، لا ينبغي أن يقابل النقد بالإدانة، بل يتم النظر إليه كنقطة انطلاقة للحوار.

وأخيرًا، يجب السماح للصحافة ووسائل الإعلام بالحرية الكاملة لمتابعة الحقيقة؛ لأنه ما لم تكن هناك حرية تعبير، فلن يكن هناك معنى للتحدث عن الديمقراطية. ففي قلب الديمقراطية تكمن حرية التعبير، وكما وصفها “جيفرسون”، بإيجاز وبشكل مقنع، فإن “حريتنا تعتمد على حرية الصحافة، ولا يمكن تقييدها دون ضياعها”.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: وكالة الأنباء الإثيوبية

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر