سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أفرياني فانتون
تداخلت حملة مكافحة الفساد مع ملحمة “ميتال آند إنجينرينغ كوربوريشن” (Metec) من خلال العديد من الأشخاص الذين برزوا في الماضي كشخصيات مهمة بالحكومة والحزب الحاكم في إثيوبيا. فالفيلم الوثائقي الذي يحمل عنوان “ميناباوي” Minabawi، أي “الوهم”، يكشف عن شبكة من الفساد حول إحدى الشركات، وما صاحب ذلك من ردود فعل ضخمة. فقد أعرب كثيرون عن صدمتهم من جرأة ومستوى الاختلاس وفساد المؤسسة العسكرية التي كان قادتها يعتبرون غير قابلين للمساس.
ومع ذلك، فقد برزت مسألة التوازن والمخالفات الأخلاقية الصحفية وحملات التشهير الشرسة، إذ يبدي البعض استياءهم وقلقهم تجاه الفيلم الوثائقي الذي يرون فيه أنه يقوم بدور المدعى العام ومطاردة مجموعة معينة في إطار مناورة سياسية أكثر من السعي لتحقيق العدالة. وكان “ديبريتسون غيبريمايكل”، رئيس “جبهة تحرير شعب تيجراي”، من بين أولئك الذين عارضوا معاملة الرئيس التنفيذي السابق لشركة “ميتك”، و”كينف دانيو”، حيث قال إنه ضحية لافتراءات قام بعرضها التلفزيون الحكومي، ونقلت الصحيفة عن ديبريتسون قوله “يجب تقديم المشتبه بهم إلى المحكمة، وليس إلى وسائل الإعلام”.
وفي عدد من الحالات الأخرى، سارع الأصدقاء والحلفاء إلى الدفاع عن شخصيات معينة واردة في الفيلم الوثائقي ومتورطة في ممارسات سيئة، حيث كتب الكاتب الصحفي أو المسرحي، “تيودروس تيكلاريغاي”، مقالاً يطرح فيه تساؤلات حول مدى شرعية تقديم “فيتسوم يشيتايل” Fitsum Yeshitila، وهو مذيع سابق في التلفزيون الإثيوبي ورجل أعمال، للمحاكمة على أسس ضعيفة؛ فبعد أن تمَّ القبض على “فيتسوم” بتهمة رشوة قدرها 770,954 برًا تلقاها من “ميتك” في صفقة رعاية غير قانونية، جادل تيودروس بأن القضية “غامضة وغير واضحة” وتساءل عن ماهية الجريمة.
ورغم أن ذلك لم يذكر بوضوح بالمحكمة، فإن “تيودروس” اعتقد أن “فيتسوم” كان متورطًا فيما يتعلق بفيلم وثائقي قام بإنتاجه قبل عامين. وكان هذا الفيلم عبارة عن عمل حيوي لشركة “ميتك” شارك فيه سبعة من طلاب المدارس المتخصصين فنيًا، والذين زاروا مواقع مختلفة من مشاريع عديدة مثل MeTECوKinvey Dagnew التي تشرح أنشطة الشركة في سلسلة من الحوارات. وقد جاء بافتتاحية الفيلم، أن الإعداد للفيلم الذي استعانت به شركة “فيتسوم” بمصادر خارجية أخرى، وهي Meiraf Multimedia and Promotion، قد استغرق عامًا.
وربَّما حمل فيلم “فيتسوم” صورة زائفة للواقع بما يمثل أمرًا مطروحًا للنقاش، لكن قلة من الناس يعتقدون أنه أمر غير قانوني. ذلك أن “إلياس أويكي” الصحفي الإثيوبي المقيم في “تورونتو” ويدير محطة إذاعية أسبوعية عبر الإنترنت تسمى “مغناغنا”، يقول “إن شركة ميتيك لديها كل الحق في تمويل فيلم وثائقي للترويج لنفسها ولأنشطتها وللحفاظ على السيطرة التحريرية الكاملة على المواد”. فبالنسبة لـ”ميسلي عدان” وهو صانع أفلام وثائقية بأديس أبابا، فإن التهمة لا يمكن أن تكون حول محتوى الفيلم الوثائقي، بل الطريقة التي قدمت من خلالها، وهل كانت جميع المتطلبات واللوائح اللازمة قد لوحظت، أم لا؟
بالنسبة لبعضهم الذين يرتبط أسماؤهم، أو حتى ورد ذكرهم بالفيلم الوثائقي، وإن لم يكن به تهمة جنائية، فإنهم أصيبوا بمرارة جراء ذلك، كما هو الحال بالنسبة للممثل البارز المقيم بالمنفى “زناه بزو تسيجاي” الذي وجد نفسه في وضع غير جيد، حيث صعب عليه الدفاع عن نفسه، وهو بعيد في الأساس عن شركة “ميتيك”. لكن تمَّ الاستشهاد باسم “تسيجاي” في إشارة إلى من يقومون بالحصول على رواتب كبيرة والسفر للولايات المتحدة كموظفين في شركة “ميتيك” من أجل الترويج لمنتجاتها.
وفي حديث إلى شركة “ريوت ميديا”، ومقرها الولايات المتحدة، قال “زنا بزو” إنه كان يتقاضى – بالفعل – حوالي 8 آلاف دولار، فضلاً عن الإقامة في الفنادق والتكاليف الأخرى. بينما كان هو في الأساس متجهًا للولايات المتحدة لقضاء إجازة برفقة زوجته وطفله. كما كان من المفترض أن يطلب “تسيجاي” اللجوء للولايات المتحدة بعد مغادرته بلاده بشهرين، زاعمًا أنه واجه القمع السياسي من قبل النظام الحاكم في إثيوبيا.
في حين رأى آخرون، أنه من غير المنطقي أن يتهم شخصٌ النظام الحاكم بالقمع ويصوره على هيئة من ينصب المشانق، إلا بعد أن يكون قد حصل على قدر من الأرباح من مشروع النظام نفسه، لكنه يعترف ويقر باعتذاره عن قبول المال قائلاً “وإن لم يكن ذلك جيدًا فأنا أستحق اللوم على ذلك”، وبعد عرض الفيلم يذكر أنه تلقى رسائل تهديد وإهانة عديدة.
ويقول “تسيجاي” الذي يعمل – حاليًا – طاهيًا بواشنطن، إن الكثيرين اتصلوا به في مكان عمله، ووجهوا له الإهانات واتهموه بتلقي مبالغ أكبر مما ورد في الفيلم الوثائقي، كما تعرضت عائلته لإهانات وإساءات كثيرة.
وحتى تهدأ الأمور، قال “تسيجاي” إنه على استعداد للتعاون إذا كانت هناك رغبة في استعادة الأموال التي حصل عليها، بل ومواجهة العدالة. لكن، في الوقت الحالي، لا يمكن استعادة شرف الممثل في المدى المنظور، مهما كان رد فعل وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقول “أسيماهان أسيريس” Asemahagn Aseres المحاضر الصحفي بجامعة أديس أبابا، إنه من الناحية الأخلاقية والمعايير الصحفية، ربَّما يكون برنامج “ميتك” الوثائقي يمثل إشكالية في عدد من الطرق، لكن هناك تفسير ومبرر آخر، ألا وهو حق الجمهور في المعرفة. “فللجمهور الحق في معرفة الثروة التي تمَّ اختلاسها والممتلكات المفقودة. وبالطبع، فإن من شأن ذلك أن يصاحبه أضرار محتملة في حق هؤلاء الأشخاص المشتبه بهم. لكن هذه ليست حالة فريدة من نوعها”.
إن إنتاج أفلام وثائقية بغرض توجيه اتهام أو إدانة قبل المحاكمة، ليس بالأمر الجديد في المشهد الإثيوبي، فأحد الأمثلة الشهيرة يتجلى في فيلم “جهاد حريقت” الذي تمَّ عرضه في فبراير 2013، والذي تميز بأنه ليس أكثر من دعاية سياسية، بل إنه استهدف المتظاهرين المسلمين. فالفيلم استخدم تشبيهات واسعة وفضفاضة ومضللة بشأن المحتجين المسلمين المحليين، ثم في محاكمة المتورطين بالإرهاب، وكذلك مع الجماعات المسلحة في أجزاء أخرى من إفريقيا.
يقول المراقبون إن السياق مختلف جدًا اليوم، فقد عانت شركة “ميتك” – بالفعل – من تشويه لسمعتها حتى قبل هذا الفيلم والمناخ السياسي المختلف بدرجة واضحة اليوم، عمَّا كان في وقت تصوير فيلم “جهاد حريقت”. ولكن، كما أوضح الفيلم الوثائقي حول “ميتيك”، فإن تأثير مثل هذه الاستراتيجيات التوضيحية، باستخدام تجميع الصور والروايات الموثوقة أمر ضخم، بل وستستمر الأسئلة حول مدى الموضوعية والشرعية القانونية اللازمة للتعامل مع تلك الإشكالية المثيرة للجدل.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر