سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جوين داير
“الحب دائمًا يفوز”. عبارة قالها رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” في يونيو 2018، بعد وقت قصير من نجاته من هجوم بقنبلة يدوية في تجمع حاشد في ميدان “مسكل” بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وقال أحمد حينها إن “قتل الآخرين هزيمة”. لكن كيف عرف بعد ثلاثين شهرًا فقط من قوله هذا أنه سيتوقف عن الحب ويبدأ في القتل؟
تلك هي المشكلة عندما يصل أحد الأشخاص الإصلاحيين المتعصبين لمنصب رئيس الوزراء. هنا يجد المرء نفسه بصدد التعامل مع أشخاص عنيدين حقًا. وفي بعض الأحيان يكون من الصعب تغييرهم دون اللجوء إلى القوة. وهو ما يفسر كيف أن رئيس الوزراء الإثيوبي قام بشن غزوٍ على إقليم التيجراي في 4 نوفمبر، إذ يبدو أداؤه جيدًا للغاية حتى الآن.
لقد قال الكولونيل “ديجين تسيجاي” لهيئة الإذاعة الإثيوبية في 22 نوفمبر: “إن المراحل التالية ستكون الجزء الحاسم من العملية الجارية، والتي سيتم فيها تطويق مدينة ميكيلي بالدبابات، وإنهاء المعركة في المناطق الجبلية، والتقدم نحو الحقول”.
وها نحن بعد أسبوعين، فقد استولت قوات الحكومة الفيدرالية بالفعل على ميكيلي، تلك المدينة التي يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة وهي عاصمة إقليم التيجراي. في حين أنه لم يتضح بعد عدد الأشخاص الذين أصيبوا أو قتلوا في العمليات، لكن الأمر تدهور سريعًا بيحث لا يمكن معه تصور عدد الضحايا في هذا الصراع.
وفي الواقع، سارت الأمور على ما يرام لدرجة أن جنود “آبي أحمد” ربَّما يعتقدون أنهم قد يعودون إلى منازلهم في وقت عيد الميلاد لقضاء الاحتفالات مع أسرهم. وعندما تحدث الكولونيل “ديجين” عن “إنهاء المعركة في المناطق الجبلية والتقدم نحو الحقول”، فإنه كان يتحدث عن تسعة أعشار من إقليم التيجراي التي لم يكن بها أيٌّ من قوات حكومية فيدرالية على الإطلاق، كما لم يكن لديها دراية بما تمر به البلاد خلال تلك الأثناء.
تبلغ مساحة إقليم التيجراي، نفس مساحة سويسرا، مع ذات النسبة من الجبال والحقول (وذلك رغم أن نسبة الجبال تقل نوعًا ما). وبعبارة أخرى، فإنها منطقة مثالية لحرب العصابات، كما أن نسبةً كبيرةً من سكان التيجراي الذين يبلغ عددهم 7 ملايين هم من سكان الريف الذين يعرفون الأرض جيدًا. علاوة على ذلك، فإنهم ذوو خبرة طويلة في القتال بين صفوف قوات الحكومة المركزية.
وقد كانت الحكومة المركزية القديمة على النمط الديكتاتوري وتعتنق الشيوعية تحت مسمى “الدرج” بقيادة “مينغيستو هيلا مريام”، الذي قتل الإمبراطور وحكم البلاد بقبضة من حديد خلال الفترة من 1977 إلى 1991. لقد كان التيجراي هم أول مجموعة عرقية تتمرد ضد حكم “مينغيستو”. إنهم يمثلون نحو 6% فقط من سكان إثيوبيا، لكن جبهة تحرير شعب التيجرايكانت الأكثر فاعلية من بين الجماعات المتمردة العرقية التي هزمت “الدرج” أخيرًا.
وكانت الحكومة الفيدرالية التي تولت الحكم بعد ذلك تحت مسمى “الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي”، تعمل في إطار تحالف متعدد الأعراق كما نص عليه الدستور. لكن من الناحية العملية، سيطرت كوادر الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي على معظم المناصب العليا وازدهرت بشكل كبير نتيجة لذلك الوضع الذي استمر حتى جاءت الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي بـ”آبي أحمد” رئيسًا للوزراء في عام 2018.
واتسم ذلك الحراك الثوري بكونه غير عنيف، إذ لم يحدث أي شغب في الشوارع. لكنها تمت عبر صفوف البيروقراطية الفيدرالية. وكان “آبي” هو المرشح المثالي؛ فهو رجل إثيوبي من حيث الدين والعرق، وله أب مسلم من أوروموـ وأمه مسيحية من جماعة الأمهرة. (وهو شخصيًا مسيحي من الطائفة البروتستانتية الخمسينية ويبدو أنه شخص متدين بشكل كبير). وعندما كان أحمد شابًا شارك في القتال أثناء الحرب ضد إريتريا. وقد شغل منصب مسؤول مخابراتي كبير. وكان يعرف مكان دفن الجثث جيدًا. إنه متعلم جيدًا ويتحدث الأمهرية ولغة التيجراي والإنجليزية ولغة الأورومو بطلاقة. ومع وصوله للحكم، كانت أولى مهامه والأكثر أهمية هي إقصاء نفوذ النخبة التيجرينية عن مقاليد الحكومة دون حرب أهلية.
ولسوء الحظ، لم ينجح نهج “آبي” في دمج جميع الأحزاب على أساس الميليشيات العرقية المختلفة في “حزب الازدهار” الذي شكله. إذ رفضت كوادر الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي الغاضبين الانضمام إلى هذا الحزب، وانسحبوا تدريجيًا إلى موطنهم في التيجراي. إنهم لا يطالبون بالانفصال علانية، بل يعلنون أن لديهم هذا الحق بموجب الدستور الفيدرالي الحالي.
ويزعم المتحدث باسم “آبي أحمد” أنهم من قاموا أولا بإطلاق النار حينما شنوا هجومًا غير مبرر على قاعدة تابعة للجيش الفيدرالي في مدينة ميكيلي بداية الشهر الماضي. إلا أنه كان لا بدَّ من أن ينتهي الأمر عند هذا الحد. فجميع مدن تيجراي تمَّ الاستيلاء عليها الآن من قبل القوات الفيدرالية، لكن لم يتم الاستيلاء على أي من المناطق الريفية تقريبًا. وقد يكون هذا نصرًا رائعًا بالنسبة للقوات الفيدرالية، وقد يضع حدًا سريعًا للقتال. كما أنه من المرجح أن يكون نتيجة لقرار من قبل قيادة الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي بتجاوز نطاق المعارك التقليدية التي كانوا على وشك خسارتها، ثم الانتقال بعد ذلك مباشرة إلى حرب العصابات الطويلة والدموية التي قد يفوزون بها في النهاية. وهو ما يعني – في المحصلة النهائية – الاتجاه نحو الانفصال؛ لأنهم لا يستطيعون استعادة السلطة في أديس أبابا. إلا أن الخطر يكمن في أنه إذا استمرت الحرب لفترة كافية، فقد تنفصل المجموعات العرقية الرئيسية الأخرى عن إثيوبيا أيضًا. فقد أدى تفكيك “آبي” للسيطرة المركزية المشددة التي كانت سائدة في عهد الإمبراطور و”الدرج” وجبهة تحرير التيجراي، إلى إطلاق العنف العرقي والطائفي ما تسبب في تشريد مليوني إثيوبي.
لقد حصل “آبي”، مؤخرًا، على درجة الدكتوراه في دراسات السلام والأمن من جامعة أديس أبابا، لكنه سيركز على الجزء “الأمني” في المستقبل المنظور.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: صحيفة قبرص ميل Cyprus Mail
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر