سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إسكندر عزام خان
تعتبر ثورة الإعلام الرقمي التي ظهرت في القرن الحادي والعشرين واحدة من أكثر الظواهر المدهشة التي عرفتها البشرية حتى وقتناالحاضر.
فقد قامت بتغيير العديد من حياة الأشخاص في شتى مجالات الحياة. فعلي سبيل المثال، إذا أراد أحد الأشخاص تعلم شيءجديد أو معرفة معلومةٍ ما، فبإمكانه فتح تطبيق “يوتيوب” وكتابة الكلمات الدلالية في محرك البحث وفي غضون ثوانٍ معدودة ستظهر لهالعديد من الصفحات والقنوات ومقاطع الفيديو المصورة التي تظهر له كيفية القيام بهذا الشيء أو معرفة تلك المعلومة.
وعلى نحو مماثل، إذا أراد أحد الأشخاص مواكبة أحدث اتجاهات الموضة واستراتيجياتها، بإمكانه اتباع علامات التصنيف، أو كما يطلقعليها “الهشتاقات” الموجودة على تطبيق “إنستغرام“. وإذا أراد معرفة آخر المستجدات من الأخبار والأحداث والتواصل مع مجموعاتمتميزة من الباحثين والدارسين، فبإمكانه الدخول على تطبيق “تويتر“ للقيام بذلك.
ما هو مستقبل هذه المنصات خلال المئة العام المقبلة؟ كيف يمكن أن تؤثر هذه المنصات في هويتنا الاجتماعية؟ وإلى أين نحن متجهون؟ ماهو تأثير هذه المنصات على حياتنا الاجتماعية؟ هل هي مجرد أداة اقتصادية تلهي الناس عن الحياة الأساسية، أم لها دور رئيسي فيحياتنا؟ فعلى الرغم من وجود عدد كبير من وسائط وتطبيقات الإعلام الرقمي التي يرتبط بها عدد كبير من الناس بطريقة أو بأخرى، نظرًالسهولة الولوج إليها وواجهة المستخدم الخاصة بها، فقد خلقت هذه التطبيقات انقسامًا حول كيفية رؤيتنا لهذا العالم. فقد قال البروفيسور“هنري تاجفيل“، عالم النفس الاجتماعي البريطاني، إن “للتفاعلات الاجتماعية تأثيرًا كبيرًا في إعطاء المعنى للمواقف الاجتماعيةللأشخاص“.
ففي العالم المعاصر، تغلب التفاعلات الاجتماعية في العوالم الافتراضية على التفاعلات الاجتماعية المادية بين الأشخاص، ويعود الفضل فيذلك إلى العولمة، التي سمحت للأشخاص الذين يعيشون في مناطق متفرقة من العالم بامتلاك كافة الوسائل التكنولوجيا والهواتف الذكيةووسائل الاتصال بالإنترنت اللازمة للبقاء على اتصال مع عائلاتهم وأصدقائهم. ورغم ذلك، هناك العديد من الأسئلة الهامة التي تلوح فيالأفق. فمع زيادة الولوج إلى تطبيقات مثل: “فيس بوك” و“تمبلر” و“تويتر” و“إنستغرام“، وما إلى ذلك، فقد البشر الاتصال بالطبيعةوالمعايير الاجتماعية والقواعد والقوانين السياسية والقيم المتولدة اقتصاديًا.
وقد قام عالم النفس الروسي الشهير “إيفان بيتروفيتش بافلوف” بتأليف بعض الأعمال الاستثنائية في الاشتراط الكلاسيكي التي تركز علىكيفية التحكم في سلوك الحيوان. فقام بتقديم بعض المحفزات المشروطة وغير المشروطة للحيوانات، مما سمح لهم بأداء بعض الأفعال مثلالأكل عندما يتعرضون لتلك المحفزات. وعلى نحو مشابه، نُعتبر نحن البشر عرضة لطريقة التكييف هذه التي تربط السلوك البشري بالنظامالعصبي. ومن الأمثلة على ذلك، نقوم نحن البشر، عند سماع أصوات الهواتف، بإخراجها من جيوبنا للتحقق من الإخطارات المرسلة إلينالمعرفة ما إذا كان الأشخاص قد أحبوا الصور ومقاطع الفيديو التي تم نشرها منذ لحظات عبر تطبيق “فيسبوك” أو غيره. وبالمثل، نقومجميعًا عند الجلوس في الكافيتريا مع الأصدقاء، بإخراج تلك الهواتف للتحقق من الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية عند قيام أحدنا بذلك. وتعتبر هذه الأفعال محفزات غير مشروطة، وسلوكًا سليمًا يشعرنا بالاعتماد على تطبيقات ومنصات الوسائط الرقمية، وهو ما يعتبر مصدرقلق لكثير من الناس.
بالإضافة إلى أننا نفقد هويتنا البشرية مع الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن الهوية، وفقًا للبروفيسور “هنري تاجفيل“،هي الإيمان الأساسي بمن نحن وإلى أي مجموعة ننتمي. وعلى الرغم من كون اللغة والثقافة هما الدافعان الأساسيان اللتان تشكلان هويةالفرد، فإن وسائل الإعلام الجماهيرية، مع ظهور الوسائط الرقمية، خضعت لعملية التحويل والتغيير. ليس من أجل الحفاظ على الهويةالحقيقة، ولكن من أجل إظهار صورة مغايرة للآخرين. فقدمت التطبيقات الشهيرة مثل: “فيسبوك” و“تويتر” و “إنستغرام“، وما إلى ذلك،كامل الحرية للرجال في أن يكونوا ما يريدون، ولكن جعلتهم عبيدًا للأنظمة والخدمات الاجتماعية التقنية.
ما مدى سهولة الولوج إلى تطبيقات الوسائط الرقمية؟
تمنحنا البنية التحتية والمنصات الرقمية حرية الأداء والممارسة كيفما نشاء وأينما نريد. وتسلط الباحثتان “ليزا بارك” و“نيكولستاروسيلسكي“، في كتابهما “إشارات المرور: دراسات نقدية للبنى التحتية لوسائل الإعلام“، الضوء على الآثار الاجتماعية والسياسيةوالثقافية لشبكات الاتصال (الإنترنت والتلفزيون وأجهزة الاتصالات) من خلال دراسة كيفية توزيع الرسائل عبر الزمان والمكان. فلا يهدفانفقط إلى دراسة ومعرفة وسائل الاتصال، بل أيضًا لمعرفة آلية الانتقال المادي للمعلومات (حركة الإشارة)، التي يعيد صياغة الأسئلة التقليديةالمتعلقة بإنتاج الوسائط الإعلامية وتداولها والولوج إليها ووضع السياسات العامة الخاصة بها.
على نحو مماثل، تعتبر المنصات الرقمية الحديثة هي نتاج عمل مكثف على البنية التحتية الرقمية؛ إذ شهدنا في الماضي العديد من شركاتالإنترنت، التي بدأت من الصغر كونها مجرد منصات إعلامية، وأصبحت فيما بعد لا غنى عنها ووصلت إلى مستوى كبير من الاستخدام،وكان ذلك نتيجة تطور البنية التحتية للمنصات الرقمية؛ وأفضل مثال على مثل هذا التطور شركتا “جوجل” و“فيسبوك“، إذ بدأ تطبيق“فيسبوك” في عام 2007 كتطبيق للطلاب يتم تشغيله من خارج منزل، ولكن بعد تحويله إلى منصة من منصات التواصل الاجتماعي قامبتوفير كافة المعلومات عن الأشخاص في أوقات مناسبة تمكننا من التواصل مع أصدقائنا وعائلتنا أينما كانوا، تاركين حقبة إرسال وانتظارالبرقيات والرسائل الورقية. كما يوفر تطبيق “فيسبوك” مثل العديد من تطبيقات التواصل الاجتماعي الأخرى، خدمة الاتصال بالأشخاصعبر الإنترنت، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى البيانات والمعلومات من قبل جميع مستخدمي التطبيق.
تعتبر التداعيات الناجمة عن أزمة فيروس كورونا المستجد بمنزلة الفصل الدرامي الأخير في القرن الحادي والعشرين، إذ دفعت أزمة فيروسكورونا تطبيقات الوسائط الرقمية إلى تسهيل الوصول للمؤسسات والمنظمات المختلفة. كما تُعدُّ استطلاعات الرأي عبر الإنترنت وآليات نشرالتدابير الاحترازية بين المستخدمين لمكافحة فيروس كورونا القاتل في حد ذاته إنجازًا لمنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة بشكل عام،و“فيسبوك” بشكل خاص (تحويل البيانات).
كذلك أدت هذه الأزمة إلى سهولة ويسر عملية التعلم. فأصبح هناك العديد من الصفحات المختصة بفئات مختلفة ومتنوعة من الخدمات مثل: الطعام والسفر والرياضة والمغامرات الشيقة والحرف التي يتعلم منها الناس. وعلى الرغم من مزايا تطبيق “فيسبوك“ المتعددة، لا يزال هناكبعض المشكلات التي تثير القلق مثل: مشكلة الهوية، وإدارة الانطباعات، وما إلى ذلك.
فمن الناحية الأولى، لا يعتبر مستخدمو “فيسبوك“ آمنين في عالم الفضاء السيبراني، فهم عرضة للاختراق من غيرهم؛ وذلك لما تحتويهصفحاتهم الشخصية من بيانات وصور ومقاطع فيديو وعمليات تسجيل إجراءات الوصول، أو كما يطلق عليها “تشيك إن“، إذ يمكناستخدام تلك البيانات بطريقة سيئة تضر بأصحاب تلك الحسابات. وقد وقعت إحدى هذه الحوادث في نوفمبر من عام 2019 بأذربيجان، إذتم اختراق الصفحة الشخصية للناشطة السياسية والشخصية العامة “جولتيكين خديبي” على تطبيق “فيسبوك“، ثم تم إزالة متابعيها ونشرملاحظات مهينة على حسابها الشخصي. ورغم ذلك، تم استرداد الحساب الخاص بها في وقت لاحق، وهو ما يثير القلق والريبة لما سيحدثفي المستقبل.
عيب آخر من عيوب الارتباط بتطبيقات التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك“، يتمثل في مشكلة إهدار الوقت. لأن هناك خاصية تسمى “فيستايم” تُستخدم لإظهار الاستخدام التلقائي للتطبيقات لفترات زمنية أطول. ويقوم الشباب الذين يشكلون العمود الفقري لكل أمة، بإهدارأغلبية الوقت في استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” وغيره من التطبيقات. فقامت هذه العملية الاجتماعية والتقنيةالمعقدة بتغيير المجتمع والغرض الفعلي من الحياة.
ولإجراء تقييم نقدي لظاهرة عملية تشكيل الهوية في هذه العملية الاجتماعية التقنية، يمكننا القول إن البشر قد فقدوا المعنى الحقيقي فيالحياة. ففي الوقت الراهن، يهتم الرجال والنساء أكثر بكيفية ظهورهم في العالم الافتراضي، إذ إنهم يفضلون أن يكونوا محبوبين فيالتطبيقات الرقمية على التحدث إلى الأشخاص العاديين. فالمعنى والسعادة الحقيقة في الحياة تتمثل في الرغبة في تكرار التجربة الحقيقية،وليس فيما إذا كان هناك شخص يحبك أم لا.
فقد أدى تطور الإعلام الرقمي إلى تحول حياة الناس من خوض التجربة إلى الكسل والبؤس، فأصبحوا يعيشون في عالم افتراضي خاصبهم بعيد كل البعد عما يحدث على أرض الواقع. وفقًا لدراسة استقصائية حول وسائط الإعلام الرقمي والمجتمع، يقوم 75% من الأشخاصالذين يستخدمون تلك الوسائط بتحميل صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم بغرض الشهرة وخلق قاعدة جماهيرية. كما يمكن أيضًاللأشخاص الخطأ التلاعب بتلك الوسائط الرقمية لإحداث حالة من الفوضى والذعر في المجتمع.
لا شك أن تطبيقات الوسائط الرقمية أثرت وتركت بصمتها على حياتنا. فيمكن أن يكون لتلك الانطباعات أو التأثيرات آثار سلبية تخلقالفوضى في حياة الناس. لذلك، ينبغي على الدول ومؤسساتها ضمان أفضل الطرق الممكنة لمراقبة استخدام هذه التطبيقات، لتفادي التأثيرعلى أصحاب العقول الضعيفة والمتطرفة. كما يجب أن يتم بذل الجهد اللازم لضمان منح كلا الجنسين ما يستحقه من احترام.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: eurasiareview
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر