سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جاكوب ماشانغاما
أثار استحواذ إيلون ماسك على منصة “تويتر” قلقَ الكثير من المراقبين والسياسيين؛ بعد تعهده برفع القيود المفروضة على المحتوى تحت شعار حرية التعبير. وربما سيلجأ هؤلاء إلى أوروبا لمعالجة مخاوفهم؛ حيث ستواجه أحلام إيلون ماسك الطوباوية عقبات غير مسبوقة. فالاتحاد الأوروبي يضع حالياً اللمسات الأخيرة على “قانون الخدمات الرقمية” الذي يعتبر بمثابة معيار ذهبي عالمي لتنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي. ونظراً للنفوذ الاقتصادي والسياسي للاتحاد الأوروبي؛ فمن المتوقع أن يكون لهذا القانون تأثير كبير خارج حدود أوروبا وعلى منصات التواصل الاجتماعي الموجودة في وادي السيليكون أو تلك التي يمتلكها مليارديرات التكنولوجيا الأمريكيون.
يلفت جاكوب ماشانغاما، في مقال نشره موقع “فورين بوليسي”، إلى أنه على الرغم من أن حرية التعبير محمية بموجب ميثاق الاتحاد الأوروبي، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان؛ فإن هذه المواثيق تتيح للحكومات الأوروبية هامشاً أكبر بكثير مما يتيح التعديل الأول من الدستور الأمريكي عندما يتعلق الأمر بتقييد النشر. ويرى الكاتب أن “قانون الخدمات الرقمية” الجديد يعكس نهجاً متوازناً تجاه حرية التعبير لدى دول الاتحاد الأوروبي، ويتضمن التزامات أكبر بالشفافية والحفاظ على حقوق المستخدمين.
ولكن على الرغم من جوانبه الإيجابية؛ فلا يوفر القانون التوازن الكافي بين مواجهة الأضرار الحقيقية للمحتوى الضار وحماية حرية التعبير، وربما يؤدي إلى تقليص مساحة حرية التعبير؛ لأنه يحفز منصات التواصل الاجتماعي على حذف كميات هائلة من المحتوى القانوني، بسبب خشيتها من التشريع الذي يلزم المنصات بإزالة المحتوى غير القانوني خلال فترة زمنية قصيرة جداً ويفرض غرامات طائلة على المنصات المخالفة تصل إلى 6% من حجم أعمالها السنوي في مختلف أنحاء العالم. وهذا الأمر يسبب إشكالية بسبب غياب التحديد الدقيق لما يجب حجبه على منصات التواصل في ما يتعلق بالعديد من المسائل؛ مثل الدعاية للإرهاب وخطاب الكراهية والمعلومات المضللة. وقد وجدت دراسة لخمس وسائل إعلام دانماركية أن 1.1% فقط من التعليقات المحذوفة كانت تنتهك بالفعل القانون، وأن نصف هذه التعليقات لم تكن مسيئة أو تهديدية. ولذلك فإن منصات التواصل الاجتماعي لا تشكل ذلك التهديد الكبير الذي يتصوره السياسيون الأوروبيون البارزون؛ مثل إيمانويل ماكرون.
والعامل الآخر وراء الإشكالية يكمن في صعوبة تحديد ما إذا كان المحتوى يمثل انتهاكاً للقانون. توصلت دراسة في خمس دول أوروبية إلى أن المحاكم تستغرق في المتوسط أكثر من عامَين للبت في قضايا خطاب الكراهية، لذلك فإن فرض قيود الإزالة الإلزامية الفورية على منصات التواصل يلزمها باتخاذ القرار في غضون ساعات، ومن المؤكد أن هذا الأمر سيؤدي إلى قرارات خاطئة بإزالة المحتوى في ظل الغرامات الهائلة التي يفرضها عدم الامتثال. وهذا ما قد يؤثر على قدرة الناس العاديين على مناقشة قضايا مثل مشكلات المهاجرين وقضايا الجنس والهوية والدين.
في الربع الأول من عام 2018، أزالت منصة “فيسبوك” 2.5 مليون منشور بسبب انتهاكها معايير النشر المتعلقة بخطاب الكراهية، وتضاعف هذا العدد عشر مرات بحلول الربع الثالث من عام 2021. ويرجع السبب في ذلك إلى زيادة الاعتماد على خوارزميات تصفية المحتوى التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
من المفارقات أن القوانين التي تهدف إلى إيجاد مساءلة ديمقراطية على منصات التواصل العملاقة ينتهي بها المطاف إلى تسليم المزيد من السلطة لهذه المنصات، عندما يتعلق الأمر بتنظيم خطاب مليارات المستخدمين الذين يعتمدون عليها لمشاركة المعلومات والوصول إليها.
ويرى كاتب المقال أن هنالك بدائل أفضل من هذه القوانين؛ ومنها اعتماد قانون حقوق الإنسان كإطار مرجعي لتحديد دور منصات التواصل الاجتماعي الرقابي على المحتوى؛ الأمر الذي سيتيح المزيد من الشفافية في عمل هذه المنصات وفي الوقت نفسه يوفر لها المعايير القانونية لمواجهة ضغوط الأنظمة الاستبدادية التي تحرص على استغلال القوانين حسنة النية التي تضعها الدول الديمقراطية لكبح الخطاب الضار على الإنترنت.
كما أن الرقابة الذاتية للمستخدمين يمكن أن تساعد في الإشراف على المحتوى، وإذا سُمح لأطراف ثالثة؛ مثل منظمات حقوق المرأة مثلاً أو حقوق المثليين أو المنظمات المناهضة لكراهية المسلمين أو معاداة السامية بتطوير واستخدام مرشحات طوعية يمكن للمستخدمين تطبيقها حسب رغبتهم، فسيكون ذلك بمثابة كسر لسباق فرض الرقابة؛ حيث تصر بعض الحكومات على حظر التعليقات التي تجدها مقلقة، وحيث تجد المنصات صعوبة في مقاومة رغبة هذه الحكومات؛ لأنها في نهاية المطاف تهتم بمصالح المساهمين فيها أكثر من اهتمامها بالتمسك بمعايير حرية التعبير.
المصدر: كيو بوست عن فورين بوليسي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر