أوروبا بين واشنطن وبكين | مركز سمت للدراسات

أوروبا بين واشنطن وبكين

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 26 أكتوبر 2021

باسكال بونيفاس

 

يتصاعد التوتر بشكلٍ متزايد بين بكين وواشنطن. وهذا من دون شك ليس سوى بداية عملية طويلة. ذلك أن المسؤولين الأميركيين، ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء، متفقون على ضرورة القلق، بل التخوف، إزاء تزايد قوة الصين التي يعتبرون أنها باتت تهدد هيمنتهم.

وأمام هذا الوضع، وأمام التشنج الصيني الأخير – وأزمة «كوفيد – 19» التي قلّصت بشكل معتبر الامتياز الأميركي على الصعيد الاقتصادي – بدأت الولايات المتحدة سياسة احتواء إزاء الصين، سياسة تريد تطبيقها في أوروبا وفي آسيا.

وهذا يؤدي بدوره إلى تشنج الصين وبالتالي، فالأمر يتعلق بحلقة مفرغة: ذلك أن كل تصعيد من هذا الجانب يُنظر إليه على أنه استفزاز غير مقبول يستدعي تصعيداً من الجانب الآخر. ولئن كان احتمال أن تؤدي هذه الدوامة إلى حرب، يبدو ضئيلاً – بسبب الردع النووي – فإنه يمكن أن تحدث انزلاقات.

والواقع أنه يمكننا من الآن ملاحظة استخدام لغة مواجَهة باتت تمارَس في كل القطاعات الأخرى: التجارية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية. خلال قدومه في يونيو الماضي إلى قمة مجموعة السبعة الكبار في بريطانيا ثم إلى قمة حلف الناتو، حاول بايدن تجنيد البلدان الأوروبية في حملته المناوئة للصين. ذلك أن «الناتو» في حاجة إلى ذلك: فالمنظمة في حاجة إلى أعداء لكي يكون لها سبب للوجود. فبالأمس، كان هناك العدو الروسي، واليوم، نلاحظ أن المنظمة أخذت تنشغل بالصين. والحال أن الصين، من الناحية المادية، لا تمثّل تهديداً عسكرياً لبلدان «الناتو». فـ«الناتو» يظل قبل كل شيء تحالفاً عسكرياً.

وهكذا، ففي غياب تهديد عسكري صيني للبلدان الأوروبية، فإنه لا يُفهم لماذا ينبغي لـ«الناتو» أن يتعبأ في مواجهة الصين، خاصة أن نطاق عمله، وكما يشير إلى ذلك اسمه، هو المحيط الأطلسي وليس المحيط الهادئ. وسنة 2022 هي في الوقت نفسه سنة الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستنظم في بكين، وسنة مؤتمر الحزب الشيوعي الذي يفترض أن يمدد للرئيس الصيني ويمنحه ولاية ثالثة.

وفي الأثناء، أخذت تصعد على الساحة الغربية فكرةٌ مؤداها أنه في حال مواجهة بين الولايات المتحدة والصين، فإن بقية العالم الغربي لا يمكنها ألا تختار: وبالتالي، يجب بالضرورة الاصطفاف في صف الديمقراطية الأميركية، كما يرى البعض.

غير أن هذا لا يعني أنه ينبغي اتباع الديمقراطية الأميركية بشكل أعمى. وعلى سبيل المثال، فحسناً فعلت فرنسا وألمانيا حين لم تتبعانها في حرب العراق في 2003. وفضلاً عن ذلك، فإن الديمقراطية الأميركية لا تحترم سيادة البلدان الأوروبية دائماً. وبالتالي، فإذا كانت أوروبا في حالة تنافس مع الصين، فليس عليها أن تكون في حملة ضدها.

ولهذا، فإن الموقف المبدئي الذي ما فتئ يتكرر بشكل متزايد داخل الأوساط الغربية التي تريد ألا يكون لدى أوروبا وفرنسا خيار آخر غير اتباع الولايات المتحدة، إنما يرقى إلى منح بايدن شيكاً على بياض، وأمر يبعث برسالة مؤداها أنه مهما تكن قراراته ومواقفه من الأوروبيين، فإن هؤلاء الأوروبيين سيستمرون في اتباعه مهما حدث. وهذا يدفع الولايات المتحدة إلى عدم البحث عن حلول دبلوماسية، وإنما إلى تصعيد التوتر، مستقويةً بالدعم الشامل وغير المشروط لحلفائها. والحال أن أوروبا ليس من مصلحتها القيام بهذا.

والواقع أنه لا ترتبط دول أوروبا مع بكين بعلاقة تنافس حول العديد من النقاط. غير أن هناك أيضاً أرضية للتعاون بين الجانبين. ومهما كان، فإن التنافس على الهيمنة العالمية ليس مشكلة البلدان الأوروبية.

وبالطبع ينبغي توخي الحذر وألا نكون ساذجين، وفي الوقت نفسه توخي الحذر في ما يتعلق باستراتيجيات التجنيد الأميركية من أجل حملة معادية للصين يمكن أن تؤدي إلى حرب حضارات، قد تفضي بدروها إلى مواجهة محتدمة، من دون أن تتخذ طابعاً عسكرياً بالضرورة. وخلاصة القول إن على أوروبا أن تحدّد بنفسها مصالحها الخاصة، فهي لا يمكنها توقيع شيك على بياض من خلال طمأنة واشنطن بدعمها اللامشروط، ذلك أن هذا من شأنه ألا يدفع الولايات المتحدة إلى الاعتدال، وإلى البحث عن حل دبلوماسي، وإنما إلى مواجهة.

 

المصدر: صحيفة الاتحاد

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر