يعاني مطعم «بلو لاجون»، لصاحبه يانيس كلوفاس، من ركود شديد، مثل باقي الأنشطة في جزيرة رودس اليونانية، بسبب القيود على السفر نتيجة جائحة كورونا. لكن كلوفاس يعلق آمال إنقاذ نشاطه في الصيف على تطبيق شهادة «كوفيد-19» الرقمية الخاصة بالاتحاد الأوروبي والتي تعرف باسم «الجواز الأخضر». وبدءاً من الأول من يوليو، ستقبل كل دول التكتل الأوروبي الشهادات باعتبارها دليلاً على تلقي لقاحات «كوفيد-19» أو لإثبات نتيجة اختبار سلبية في الآونة الأخيرة أو التعافي من المرض. والخطة حظيت بموافقة مدوية في البرلمان الأوروبي يوم 9 يونيو الجاري.
وكل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى ليختنشاتين والنرويج، ستطبق العمل بالجواز. لكن الفكرة على الجانب الآخر من الأطلسي، تواجه رياحاً معاكسة قوية، سواء فيما يتعلق بالسفر، أم الاستخدام المحلي. فقد استبعدت إدارة بايدن العمل بجواز اللقاحات وحظرت بعض الولايات تطبيقه أصلاً. ووصف تاكر كارلسون، مضيف البرامج في «فوكس نيوز»، استخدام جوازات «كوفيد-19» بأنه يشبه سياسة العزل العنصري. وإعطاء أولوية للحرية والمخاوف من الدور الأكبر للحكومة هو أساس رفض شهادات اللقاح في الولايات المتحدة. بينما المجتمعات الأوروبية قلقة أكثر من قضايا الخصوصية والنزاهة.
ويرى اندريس هيرلتز، الباحث في «معهد دراسات المستقبل» في السويد، أن أن جوازات اللقاح هنا في الاتحاد الأوروبي تعتبر شراً لابد منه للتخلص من قيود أكثر على حريات الناس. ومضى يقول: «لكن في الولايات المتحدة لا يمكنهم التخلص من قيود أخرى ليجدوا أنفسهم في أسر قيود جديدة». وبالفعل تستخدم تسع دول أوروبية، من بينها اليونان وألمانيا، جوازات «كوفيد-19» الأوروبية. وحين دشنت الحكومة اليونانية العمل بالجوازات، أعلن رئيس الوزراء فتح «ممر سريع» لتسهيل السفر.
وكل شخص يدرك أن مرور عامين دون سياح سيكون كارثة اقتصادية على الدولة المتوسطية. وتشير بيانات استطلاعات «ابسوس» إلى أن التأييد هو المهيمن على التوجهات نحو استخدام جوازات «كوفيد-19» على امتداد أوروبا. لكن حين يتعلق الأمر باستخدامها محلياً يبدي المواطنون قلقاً بشأن النزاهة أكثر من قلقهم على قضايا الخصوصية. وهناك جيوب في المجتمع أكثر تردداً أو تعارض اللقاحات. لكن حين يتعلق الأمر بالسفر، فإن وجهات النظر تصبح واضحة التأييد. وأيدت ألمانيا الشهادات الصحية الرقمية، رغم احتدام جدل أخلاقي فيها بهذا الشأن ورغم افتخارها بقوانينها المشددة على بيانات الخصوصية. وأظهر استطلاع رأي لـ«يوجوف»، في الآونة الأخيرة، أن أكثر من 60% من الألمان يؤيدون العمل بهذه الشهادات رغم أن أقل من نصف السكان حصلوا على الجرعة الأولى فقط.
والجدل في ألمانيا يتعلق أكثر بالمساواة بين الناس الذين رفضوا الحصول على اللقاح أو لا يستطيعون الحصول عليه في مقابل مَن حصلوا على اللقاح. ويشير محللون إلى أن شركات التأمين الصحي لديها التفاصيل الصحية عن الأفراد. وأشارت أوليجا ستيبانوفا، المحامية في مجال حماية البيانات في شركة «وينهيلر» الاستشارية القانونية في ألمانيا، إلى أنها «مسألة أخلاقية ويتعين على كل حكومة أن تقرر نوع القيود التي تفرض على الدخول لحماية الآخرين دون تقييد حرية الأشخاص الذين لم يحصلوا على اللقاح، بطريقة ملائمة».
والجدل محتدم أيضاً بشأن الحرية في الولايات المتحدة. ومثل قضايا أخرى في عصر الجائحة، أصبحت شهادات اللقاحات مثيرة للاستقطاب الذي قام على أسس حزبية، كما حدث في أوامر البقاء في المنزل وارتداء الكمامات. ولذا اختلفت الولايات فيما بينهما في طريقة العودة إلى الوضع الطبيعي. فقد طبقت نيويورك نظامها الخاص المعروف باسم «جواز اكلسسيور» الذي يسمح للسكان بإثبات حصولهم على اللقاح حتى يتمكنوا من حضور مناسبات اجتماعية معينة. لكن ولايات كثيرة، منها فلوريدا وتكساس، حظرت صراحةً مثل هذه الجوازات. وخلال الشهر الجاري، أقر مجلس نواب ميتشجان تشريعاً لحظر «جوازات اللقاح» في الولاية، رغم أن حاكمة الولاية أعلنت مراراً عدم اعتزامها العمل بهذه الجوازات.
لكن جامعة مشيجان ألزمت الطلاب الذين يعيشون في المدن الجامعية بإثبات حصولهم على اللقاحات. وميشجان ولاية حدودية مع كندا، ولذا ضغط بعض «الديمقراطيين» في سبيل فرض العمل بجواز اللقاحات لتيسير السفر إلى كندا وتجنب عراقيل الحجر الصحي. ويرى ديف بوتشر، وهو صحفي من «ديترويت فري برس»، أن المعارضة تتركز حول حرية الاختيار. وأضاف أن الأمر يتعلق بأن الحكومة «تخبرني بما أستطيع وبما لا أستطيع فعله. وهناك الحجة المثيرة للقلق بشأن احتمال أن الحكومة تؤيد جوازات اللقاح الآن وبالتالي تحصل على معلومات حيوية عن المرء، وهي تتعقب هذه المعلومات وتستخدمها بوسائل شنيعة غير معلومة». وأشارت استطلاعات رأي إلى أن الأميركيين، بصفة عامة، مثل الأوروبيين إلى حد كبير، أكثر قبولاً للجوازات لأغراض السفر من قبولها في الاستخدام على المستوى المحلي، وفقاً لاستطلاعات الرأي. ويعتقد بعض المحللين أنها جزء لا محيص عنه من حراك ما بعد الجائحة. ويعتقد كريس داي، أستاذ علوم الأوبئة في جامعة أوكسفورد ببريطانيا، أن «الشهادات الصحية الرقمية متوافرة بالفعل، وستستخدم على نطاق واسع، حتى لو لم تتبنها الولايات المتحدة».
المصدر: صحيفة الاتحاد بترتيب مع خدمة “كريستيان ساينس مونيتور”