سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Eduardo Porter
يتفشى التضخم في أنحاء العالم، كما ارتفعت أسعار الفائدة الأميركية بالوتيرة الأسرع في 40 عاماً، وهي أكبر قوة دافعة لانتقال المال عبر الحدود، ولا يمكن لأي اقتصاد الاحتماء منها. ونتيجة لذلك؛ جرفت أسعار الفائدة مجموعة بنوك في طريقها.
قد تتوقع أن تلي الفوضى الاقتصادية هذا التضخم، لا سيما في أميركا اللاتينية.
مع ذلك، ما زالت الأرجنتين كما هي. وفي البرازيل، هاجم الرئيس الجديد البنك المركزي، وحاول تسهيل قواعد موازنة بالدولة. أما الرئيس المكسيكي فاستهدف المؤسسات الانتخابية ومنح الجيش حزمة جديدة من الصلاحيات. وفي غضون ذلك تحاول تشيلي إعادة صياغة الدستور مجدداً بعد فشل المحاولة الأولى. فيما سعى رئيس بيرو لحل البرلمان، لكنه سُجن بدلاً عن ذلك.
صمود رغم الكوارث
إضافة الأزمة الاقتصادية إلى الاضطرابات السياسية من شأنها أن تضم الفترة الحالية إلى سلسة الكوارث الاقتصادية التي عانت منها أميركا اللاتينية، والتي بدأت مع أزمة الديون في الثمانينيات، وتأججت الآن بفضل حملة رئيس “الاحتياطي الفيدرالي”، جيروم باول، لمكافحة التضخم.
مع ذلك، ما زالت الاقتصادات الضعيفة بالمنطقة صامدة، فمنذ أن بدأ “الاحتياطي الفيدرالي” رفع أسعار الفائدة في العام الماضي، زاد تقلب تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة، والتي يتتبعها “معهد التمويل الدولي” (IIF)، لكن الأموال لم تتخارج من أسواقها خوفاً من الأزمات.
كارمن راينهارت، كبيرة الاقتصاديين لدى البنك الدولي سابقاً، وتدّرس حالياً في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، أشارت إلى أن ردة فعل الأسواق كانت إيجابية إلى حدّ ما، لأنها “رأت أن السياسات الكلية اتخذت مساراً مناسباً”.
تجاوز متوسط تدفقات المحافظ الاستثمارية الأجنبية في أسهم وسندات أميركا اللاتينية 10 مليارات دولار في أول شهرين من العام، لتتخطى 50 ملياراً منذ بدأ “الاحتياطي الفيدرالي” رفع الفائدة في أبريل الماضي. ولا تتوافر عن تدفقات رأس المال إلا بيانات قليلة منذ انهيار “سيليكون فالي بنك”، لكن عملات أغلب الاقتصادات الكبرى في أميركا اللاتينية- باستثناء الأرجنتين بالطبع- ارتفعت مقابل الدولار على مدى الأسابيع الماضية.
وقد تسوء الأوضاع في الدول الواقعة جنوب الولايات المتحدة، لكن حتى الآن، أقنعت أميركا اللاتينية الطبقة الرأسمالية بقدرتها على فصل سياسات الاقتصاد الكلي عن سياساتها الفوضوية المتساهلة.
تشديد أكبر من “الفيدرالي”
أحدث تقارير الراصد المالي، المنشور في أكتوبر والصادر عن صندوق النقد الدولي، توقع إجمالاً أن تضع أميركا اللاتينية موازنة أساسية متوازنة في 2022- قبل أخذ خدمة الديون في الاعتبار- وتتكبد عجزاً أساسياً ضئيلاً في الناتج المحلي الإجمالي في العام الجاري بنسبة 0,4%.
تعد هذه سياسة مالية أكثر تشدداً عن السائد في أغلب مناطق العالم، لكن التشديد ليس في السياسة المالية فحسب، فمقارنة بإجراءات “الاحتياطي الفيدرالي”، تبدو البنوك المركزية في أنحاء أميركا اللاتينية مناصرة بقوة للتشديد النقدي، فبدؤوا رفع أسعار الفائدة مبكراً وشددوا بشكل أكثر تعسفاً.
فمع كل التشديد الذي أقره “الاحتياطي الفيدرالي”، ما زالت أسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة سالبة، فيما ارتفع سعر الفائدة الأساسي في البرازيل 8% عن معدل التضخم.
في المكسيك، تحوم أسعار الفائدة الحقيقية حول 3.5% فحسب، بل يبدو أن الإدارة اليسارية تدير حسابات المكسيك المالية كتلميذ متفوق لصندوق النقد الدولي، لدرجة أن اقتصاديي صندوق النقد الدولي اتهموا الحكومة المكسيكية بالتشديد المبالغ فيه خلال ذروة جائحة كورونا. إذاً، من الطبيعي أن يصل البيزو إلى أعلى مستوياته مقابل الدولار في 5 سنوات.
أوضاع شبه مستقرة
الوضع يشبه قصة من الدروس المستفادة، إذ مرت أميركا اللاتينية بأزمات مالية عديدة وتعلمت ألا تستسلم لأزمة جديدة بلا مقاومة.
استحوذت المعتقدات الاقتصادية التقليدية على أغلب أنحاء المنطقة – بخلاف الأرجنتين بالطبع- فلم تزد استقلالية البنوك المركزية فحسب، بل سعت لتحقيق أهداف التضخم المعقولة. العجز في الحسابات الجارية ليس كبيراً، وأغلب الديون بالعملة المحلية بدلاً من الدولار. رغم اعتراض الرئيس لويس إيناسيو لولا دي سيلفا على أحد القوانين المالية، إلا أن تلك القوانين سائدة في أنحاء المنطقة وتخفي تراكم الديون، فيما يظل وضع الاحتياطيات الأجنبية متيناً بدرجة ما.
ما زال أمام دول أميركا اللاتينية الكثير من العمل لمواجهة التضخم على أراضيها. فيما يتباطأ الاقتصاد العالمي، والصين غير قادرة على مساعدة أي دولة، على خلاف موقفها في الكساد الكبير حيث أنقذ إقبال الصين على السلع اقتصادات المنطقة.
فضلاً عن ذلك، لم يسيطر “الاحتياطي الفيدرالي” بعد على التضخم في الولايات المتحدة، والأرجح أنه سيرفع أسعار الفائدة بشدة فور تغلبه على مخاوف الهشاشة المالية ليوقف تدفقات رأس المال العالمي إلى العالم النامي. “الزيادات في أسعار الفائدة العالمية ستضر الاقتصادات الناشئة، لا سيما أميركا اللاتينية،” حسب راينهارت.
الاستقرار المؤسسي
نأتي إلى السياسة العدوانية، أبرز مارتن كاستيلانو، كبير الاقتصاديين المختصين بشؤون أميركا اللاتينية في “معهد التمويل الدولي”، قيمة الاستقرار المؤسسي في أميركا اللاتينية في مواجهة التغيرات السياسية، وقال: “زاد الفصل بين السلطات، ما ساعد على احتواء المقترحات السياسية الجذرية”.
لكن ذلك قد لا يصمد لفترة طويلة، خاصة إذا زاد الاستياء بسبب النمو الاقتصادي البطيء. قالت راينهارت إن اتساق السياسات ساعد المنطقة على التغلب على الأوقات العصيبة التي مرت بها في السنوات القليلة الماضية، لكن إذا بدأ الجانب السياسي تبني النزعة الشعوبية ستتفاقم صعوبة الأوضاع.
إذا حدث ذلك، قد ينضم عام 2023 إلى القائمة مع أزمة ديون 1982، وأزمة التكيلا في 1994، وأزمة الديون الآسيوية التي أدت إلى انهيار البرازيل في 1998، وانفجار أولى فقاعات الإنترنت، والأزمة المالية العالمية في 2008، ونهاية ارتفاع أسعار السلع في 2014، وجائحة كورونا في 2020، عندما تراجع جزء من الاقتصاد العالمي وأدى لانهيار مجموعة من دول أميركا اللاتينية.
المصدر: صحيفة الشرق “بلومبيرغ”
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر