سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
باتريك جيلسبي
يرى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مثل العديد من البنوك المركزية الأخرى، أن التضخم الناتج عن إعادة فتح الاقتصادات التي تعطلت بسبب جائحة «كوفيد-19» سيكون «مؤقتاً»، وليس من المتوقع أن يرفع أسعار الفائدة حتى العام المقبل على الأقل. وعلى النقيض من ذلك، يسارع صانعو السياسة في أميركا اللاتينية لعكس تكاليف الاقتراض شديدة الانخفاض.
ومنذ أواخر شهر يونيو الماضي، اتبعت البنوك المركزية في المكسيك وبيرو وتشيلي وأوروجواي، وحتى باراجواي، الخطوة التي اتخذتها البرازيل مبكراً حيث زادت أسعار الفائدة، بينما يتوقع الكثيرون أن تحذو كولومبيا حذوها قريباً. وربما تكون أميركا اللاتينية قد تضررت أكثر من أي منطقة أخرى بسبب «كوفيد-19»، وهي تشهد انتعاشاً اقتصادياً سريعاً يضغط على الأسعار. ومع ذلك، قد تكون الأسباب الأخرى التي تحدث اختلافاً تتعلق بالمستويات المرتفعة من عدم المساواة، وعدم وجود نظام رسمي، وعدم الاستقرار السياسي في القارة، جنباً إلى جنب مع تاريخ من نوبات التضخم المحفورة بعمق في الذاكرة الاقتصادية الجماعية.
1- ما الذي يدفع التضخم؟ في جميع أنحاء العالم، ارتفعت الأسعار بشكل أسرع من المعتاد، حيث أدى انتهاء العديد من القيود المرتبطة بالوباء إلى تحرير طلب المستهلك المكبوت الذي عطّل سلاسل التوريد. وأثّرت بعض العوامل على أميركا اللاتينية على وجه الخصوص. فعلى سبيل المثال، كان للارتفاع العالمي لأسعار الغذاء والطاقة تأثير كبير، وبشكل غير متناسب، على أكثر منطقة في العالم. ذلك أن أسعار المواد الغذائية تشكل أكبر حصة من مؤشرات التضخم في أميركا اللاتينية مقارنة بالاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة، وهذا يعني أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية (ومنها لحوم البقر التي ارتفعت بنسبة 43% في البرازيل) لعبت دوراً أكبر في التضخم الإجمالي.
2- هل هناك عوامل أخرى خاصة بأميركا اللاتينية؟ نعم، إذ تعد العديد من بلدان المنطقة هي أيضاً مستوردةً صافيةً للطاقة، وقد شهدت ارتفاعاً في أسعار الغاز، حيث أدى الطلب المتزايد إلى جعل أسواق النفط العالمية أكثر تشدداً. وأدت الاضطرابات الاجتماعية الأخيرة إلى تقلبات في بعض العملات أيضاً. وهناك علاقة قوية بين الأسعار والعملات في أميركا اللاتينية، ذلك أن التخفيضات في قيمة العملة تظهر على الفور تقريباً في التضخم. وفي الوقت نفسه، تواجه الحكومات ضغوطاً مستمرة للحفاظ على الإنفاق الاجتماعي المتزايد المعتمد لمكافحة الزيادة الكبيرة في معدل الفقر والناجمة عن الوباء. وأدى احتمال حدوث عجز أكبر إلى توتر المستثمرين فيما يتعلق بتوقعات العملة وزيادة توقعات التضخم لديهم، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى قيام الشركات المحلية برفع الأسعار بشكل أكبر وجعل العمال يطالبون بزيادات أعلى في الأجور على المدى القريب للتحوط من التضخم في المستقبل. ويأتي كل هذا في ظل أنها منطقة ذات تاريخ من التضخم المرتفع: فقد بلغ متوسط التضخم أكثر من 100% سنوياً في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
3- إلى أي مدى يعد هذا التضخم سيئاً؟ وماذا فعلت البنوك المركزية حيال ذلك؟ كانت أسعار المستهلك لشهر يوليو على هذا النحو في الدول التالية:
-البرازيل (9% على أساس سنوي، وهو الأعلى منذ 2016)، حيث قام البنك المركزي بأربع زيادات في أسعار الفائدة منذ مارس الماضي بما مجموعه 325 نقطة أساس إلى 5.25%.
– المكسيك (5.8%، أي بالقرب من أعلى مستوى له منذ أواخر 2017)، وقد قام البنك المركزي بزيادة ربع نقطة إلى 4.5%.
– تشيلي (4.5%، هو أيضاً أعلى مستوى منذ 2016)، حيث قرر البنك المركزي ارتفاعين كان أحدهما أكبر ارتفاع في عقدين، وذلك بإجمالي 100 نقطة أساس إلى 1.50%.
– بيرو (5%، أي أعلى مستوى منذ 2009). وقام البنك المركزي بأول رفع لسعر الفائدة منذ خمس سنوات إلى 0.5%.
– أوروجواي (7.3%، مقابل 10% قبل عام)، حيث قام البنك المركزي بزيادة 50 نقطة أساس إلى 5%.
– باراجواي: (5.6%، وهي أعلى نسبة منذ عام 2014)، وقد قام البنك المركزي بزيادة ربع نقطة إلى 1%، لتكون أول زيادة منذ أكثر من خمس سنوات.
– كولومبيا: (4% وهي الزيادة الأعلى منذ أواخر عام 2017). وقد أشار البنك المركزي إلى أنه قد يرفع أسعار الفائدة قريباً.
4- لماذا تحاول البنوك المركزية التصرف في المنطقة الآن؟ إنها تحاول تجنب هذا النوع من التدهور في أسعار الصرف الذي يحدث عادة في الاقتصادات الناشئة عندما يرتفع التضخم. وأميركا اللاتينية هي بالفعل موطن لأربع عملات من بين أسوأ ست عملات أداءً في الأسواق الناشئة هذا العام. كما أنها تتفاعل مع انتعاش اقتصادي أقوى من المتوقع، حيث إنه من المقرر أن تصيب المنطقة نمواً هذا العام بأسرع وتيرة منذ عام 2009. هذا ناهيك عن خلفية سياسية غير مستقرة، مع احتجاجات عنيفة في كولومبيا، وحكومة يسارية جديدة في بيرو والمخاوف من أن الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو يعمل على تقويض انتخابات العام المقبل.
5- ما فائدة هذه الارتفاعات؟ في بعض البلدان، يتجاوز التضخم النطاق المستهدف للبنك المركزي، لذا فإن انخفاض الأسعار مرتبط أيضاً بمصداقية السياسة في منطقة بها مؤسسات هشة. يقول محللون إن رفع أسعار الفائدة سيحافظ على الانتعاش من خلال تثبيت توقعات التضخم ودعم المصداقية وتعويض ما يعتبره بعض المستثمرين تحفيزاً مفرطاً. ومعنويات وول ستريت تعني الكثير لأميركا اللاتينية، حيث يمكن للسندات السيادية والعملات أن تتراجع بين عشية وضحاها عند أول نفحة من الاضطرابات السياسية أو التقلبات الاقتصادية.
6- ما مخاطر رفع أسعار الفائدة في المنطقة؟ تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى زيادة أعباء الديون والعجز المالي، والذي بدوره يمكن أن يشكل تهديداً للانتعاش طويل الأجل. كما تؤدي الزيادة في أسعار الفائدة إلى زيادة تكلفة الديون المحلية في وقت ارتفعت فيه أعباء الديون في أميركا اللاتينية إلى أعلى مستوياتها منذ 30 عاماً، بينما تحاول البلدان الإنفاق لمكافحة «كوفيد-19».
7- لماذا لا يكون لزيادة الأسعار تأثير فوري في أميركا اللاتينية؟ تتميز اقتصادات أميركا اللاتينية بمستويات عالية من الوظائف غير الرسمية، حيث إن جميع الوظائف منخفضة الأجور في الشركات عادة ما تكون غير مؤهلة للحصول على قروض. ومن المتوقع أن ينمو هذا الجزء من القوة العاملة –وأرباب العمل –بشكل أكبر أثناء التعافي من الجائحة، مما يخرج المزيد من الاقتصاد من النظام المالي الرسمي. ومع وجود الكثير من الأنشطة غير الرسمية، لا يكون لارتفاع الأسعار تأثير فوري في أميركا اللاتينية، كما يحدث غالباً في الولايات المتحدة أو أوروبا.
8- ما الذي تشير إليه البنوك بشأن الخطوات التالية؟ هناك المزيد من الزيادات في المعدل تلوح في الأفق. ويتوقع البنك المركزي البرازيلي بالفعل رفع سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس في سبتمبر، بينما من المتوقع أن تحذو كولومبيا نفس الحذو بعد ذلك بوقت قصير. الاستثناء الملحوظ هو الأرجنتين، التي لا تتبع نظام استهداف التضخم، ولا تخطط لزيادة أسعار الفائدة في أي وقت قريب على الرغم من التضخم بنسبة 52%.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر