ووفق الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة “كامبريدج” البريطانية المرموقة، فإن المساعدات الصوتية الافتراضية مثل “سيري” و”أليكسا” و”غوغل هوم”، تعيق تطور مهارات التعلم والتفكير النقدي والتعاطف لدى الصغار.
واتهمت الدراسة تلك الأجهزة بقتل الطريقة التقليدية للتعلم واستيعاب المعلومات، وذلك بإجابتها على الأسئلة التي يوجهها الأطفال بطريقة “موجزة” و “محددة”.
وبخلاف أسلوب الإجابة لدى تلك المساعدات، فإنه عندما يجيب شخص بالغ على سؤال طفل، يمكنه إضافة سياق، وشرح حدود معرفته، وإلغاء انتقاء تفكير الصغير.
تغيير سلوك الطفل وجعله يتصرف بطريقة غير مهذبة، أحد تأثير المساعدات الافتراضية السلبية أيضا، لأنها تغرس فيه مبدأ “اطلب فقط”، وتغيّب كلمات من قاموس الصغار مثل “من فضلك” و”شكرا” وغيرها الكثير من المصطلحات المهمة في اللباقة الاجتماعية.
كذلك فإن سهولة الوصول إلى الإجابات قد تؤدي إلى عدم قيام الأطفال بالبحث عن المعلومات بأنفسهم، وهو ما يحرمهم من عملية مطلوبة لهم لتعلم التفكير النقدي والمنطقي.
ويكمن الخطر الأكبر في إمكانية إعطاء التكنولوجيا ردودا غير مناسبة وخطيرة للأطفال، كأن توجههم لارتكاب سلوك يهدد حياتهم، كما ورد في تقارير كثيرة من حول العالم بتسبب “أليكسا” بحوادث خطيرة باقتراحها على الصغار أعمالا متهورة.
وفي استطلاع للرأي بحث آثار المساعدات الافتراضية على التواصل الاجتماعي والعلاقات الأسرية، وشمل 1200 طفل تراوحت أعمارهم بين 6 و11 عاما في المملكة المتحدة، تبين أن الصغار يستخدمون الأجهزة كل يوم مقارنة بالتحدث إلى أجدادهم مرة كل 10 أيام، وفق صحيفة “ديلي ميل” البريطانية التي نشرت نتائج الاستبيان.
كما وجد الاستطلاع نفسه أن ما يقرب من 75 في المئة من الأطفال اعترفوا بأنهم لم يقولوا عبارات من قبيل “من فضلك” أو “شكرا” عند التحدث إلى المساعدات الصوتية، بينما أشار واحد من كل ثلاثة إلى أنهم لجأوا إلى أجهزتهم للحصول على إجابات بدلا من سؤال الأهل.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد أبلغ الآباء عن اللجوء إلى الأجهزة الذكية لقراءة قصص لأطفالهم قبل النوم، بدلا من القيام بذلك بأنفسهم.
تتمتع المساعدات الافتراضية بالعديد من نقاط القوة، أبرزها صعوبة فرض الرقابة الأسرية عليها، لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على وظائفها.
وتأتي المخاوف بشأن الخصوصية أيضا ضمن تهديدات تلك المساعدات، وذلك لقدرتها على تسجيل المحادثات التي تجريها مع الأطفال.
واستفادت المساعدات الافتراضية لتحقيق انتشار كبير من تفشي وباء كوفيد-19، وعمليات الإغلاق، والتي جعلت الأطفال يقضون وقتا أطول منعزلين مع الأجهزة الذكية.
ورغم دفاع كثيرين عن تلك المساعدات واقتراح حجج لصالحها ضد دراسة جامعة “كامبريدج”، مثل إمكانية ارتباط تأثيرها السلبي بكيفية استعمالها من جانب الأطفال، واعتماد البحث بشكل رئيسي على التقارير الإخبارية، والتغني بفوائدها بالنسبة لمن يعاني الوحدة، إلا أن الواقع يفنّد كل تلك الحجج.
ففي عام 2018 وبسبب بسبب عطل في “أليكسا” وقعت سلسلة من الأخطاء السمعية، إذ تم تسجيل حديث زوجين في أميركا وإرساله، بطريق الخطأ، لشخص ثالث.
وسنة 2021، أقدمت “أمازون” على تحديث “أليكسا” بعدما طلبت من طفلة أن تلامس قطعة نقود معدنية بشوكتي شاحن كهربائي نصفه مدخل إلى مقبس الكهرباء، بعدما سألت الفتاة التي تبلغ من العمر 10 أعوام، المساعد الافتراضي، أن يقترح عليها تحديا تنفذه.
وتعرضت بيانات مستخدمي “أليكسا” أكثر من مرة لتسريبات أرجعتها الشركة إلى أسباب متنوعة، واعدة بالعمل على سد الثغرات التي تسببت بذلك.
لا نريد أن نبدو وكأننا نعادي التقنية، ولكننا نقول بكل حزم، إن من يستخدم أنظمة غير ناضجة مثل “أليكسا” وأخواتها، حتى ولو في أضيق نطاق بحياته يهدد خصوصيته وحياة من حوله، وعلى الشركات المسؤولة عن تلك المساعدات بذل الجهد لتطمئن المستخدمين على بياناتهم وأطفالهم، والتمتع بالشفافية بشأن المعلومات التي تخزنها، ومستوى الأمان الذي توفره في خدماتها.