سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ألكسندر جورلاتش
تحمل الأسابيع القادمة زلزالاً سياسيًا ربَّما يضرب ألمانيا، حيث يوشك ائتلاف يمين الوسط على الانهيار، وهو التحالف الذي يضم كلاً من الحزب الديمقراطي المسيحي، وحزب بافاريا، والاتحاد الاجتماعي المسيحي. ويبدو أن ثمة خلافًا حول “قانون اللجوء”بين كلٍّ من المستشارة أنجيلا ميركل وحزبها الديمقراطي المسيحي، وهورست سيهوفر وزير داخليتها، ورئيس الاتحاد الاجتماعي المسيحي؛ وهو ما يكشف عن شرخٍ متنامٍ بين حزب ميركل الذي يحافظ على مكانته في السلطة وبقية القوى اليمينية.
وكان سيهوفر قد هدّد بتقديم استقالته إذا لم تقم ميركل بالتشديد على الأوضاع الخاصة باللجوء في ألمانيا بشكل أفضل مما هو عليه حاليًا. إلا أنه تراجع عن ذلك بعد اجتماعه مع ميركل، حيث قال إنهم توصلوا إلى حل وسط. لكن المراقبين يقولون إن العلاقة بين الاثنين، قد تضررت تضررًا كبيرًا يصعب تداركه.
ورغم أن رحيل السيد سيهوفر، لن يدمر التحالف من الناحية الموضوعية، فإنه في حال انسحابه مع حزبه، ستجد ميركل وشركاؤها في الائتلاف، الديمقراطيون الاشتراكيون من يسار الوسط، أنفسهم في مأزق، حيث تصبح – وقتئذٍ – في حاجة لصوتين حتى تتمكن من الحصول على الأغلبية في البرلمان الألماني “بوندستاج”؛ وهو ما يدفعها إلى إجراء انتخابات جديدة، كما قد يدفع ذلك بمسيرتها السياسية نحو الهاوية. غير أن التداعيات على المدى الطويل، ربَّما تتمثل في انهيار حزب يمين الوسط في ألمانيا؛ حيث سيؤدي ذلك إلى ضرورة إعادة تنظيم الحياة السياسية بشكل سريع بما يؤدي بدوره إلى تنشيط جبهة “يسار الوسط”.
ويرجع الموقف المتعنت لسيهوفر إلى استناده على شعبيته الكبيرة في بافاريا من خلال جماهيرية حزب “البديل الشعبي من أجل ألمانيا”، الذي تمكَّن من مغازلة جماهير حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي بفضل مواقفه المضادة للمهاجرين. غير أن القلق لا يزال قائمًا بين قادة حزب “الاتحاد الاجتماعي المسيحي”؛ إذ لا تزال ميركلتتجه بالحزب الديمقراطي المسيحي ناحية اليسار، تاركة الاتحاد الاجتماعي المسيحي في موقع يمين الوسط وحيدًا بالساحة السياسية الألمانية. وفي الواقع، وكشرط للانضمام للحكومة الجديدة، وفي وقت سابق من هذا العام، أصرَّ حزب “الاتحاد الاجتماعي المسيحي”على تغيير اسم وزارة الداخلية إلى وزارة الداخلية والإنشاءات، وذلك لمنحها المزيد من السلطة الرقابية والحزم على المستوى الوطني.
ثم إن قضية الهجرة لم تكن المجال الوحيد الذي حدث بشأنه انقسام بين الحزبين الكبيرين؛ حيث لم يكن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي متفقًا مع قرار ميركل بإنهاء التجنيد العسكري، كما اعترض الحزب – أيضًا – على موقف ميركل حينما قامت بوقف العمل في تطوير محطات الطاقة النووية. بالإضافة إلى ذلك لم يعد سيهوفر متمسكًا بالنهج المتشدد تجاه اللاجئين كما كان الأمر عليه عام 2015حينما اتخذت ميركل سياسة الانفتاح على اللاجئين، بل هدّد حزب “بافاريا” بمقاضاتها بشأن ذلك الأمر. وفي الواقع، كان الكثير من أفراد حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي بالسلطة آنذاك؛ وبالتالي فقد تمَّ اعتبار خطة سيهوفر على المدى الطويل بمثابة انقطاع من الديمقراطيين المسيحيين، ومن ثَمَّ تأسيس حزبه في 15 ولاية أخرى بألمانيا.
وسواء كان ذلك ممكنًا أم لا، فإن حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي يشهد انحسارًا جماهيريًا تؤكده استطلاعات الرأي السابقة للانتخابات البلدية هذا الخريف، حيث تتعمق جذوره في كافة أنحاء البلاد. وفي الوقت ذاته يشعر العديد من أعضاء حزب ميركل بالإحباط إزاء طريقتها البراغماتية المفرطة في حكم البلاد.
ويبقى التساؤل حول الرؤية السياسية لذلك الحزب؟ وهنا يتصور بعض الخبراء أنه ستتشابه مع ما كان عليه قبل ميركل، لكن مع وجود أجندة محافظة وموثقة بشكل أكبر، ويتوازى معها حكومة فيدرالية مصغرة، وجيش أقوى مع التزام أعمق تجاه الأوضاع الاجتماعية.
وربَّما لا يكون هذا ما يدور في ذهن سيهوفر، فخلال السنوات الأخيرة تمكَّن من بناء علاقة مع العديد من القادة اليمينيين الأوروبيين، وهو ما يعكس التزامًا قويًا من جانب “الاتحاد الاشتراكي الاجتماعي”تجاه الاتحاد الأوروبي.
وقد تنبه لذلك تحالف البديل من أجل ألمانيا، وكان سيهوفر يتواصل مع المستشار النمساوي، سيباستيان كورز، الذي يرأس حزب “الحرية” اليميني المتطرف؛ إذ برز حضور السيد كورزبحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي خلال الحملة الانتخابية في العام الماضي، في حين كانت ميركل تقف في مواضع يصعب رؤيته من خلالها. وفي الشهر الماضي التقى السيد كورز مع رئيس وزراء بافاريا ماركوس سودر، العضو في الاتحاد، لمناقشة التعاون بشأن القيود على الحدود.
وعلى المدى القصير، ليس هناك ما يبشر بالخير بالنسبة للسيدة ميركل. فإذا انسحب سيهوفر وحزبه من الائتلاف، فستصبح على رأس حكومة أقلية هشة، أو تبحث عن طرف آخر يتوافق معها. لكن حزب الخضر المتوافق معها بشأن سياسة اللاجئين، أعلن أنه لن ينضم إلى التحالف، وهنا لن تجد ميركل أمامها سوى حزب “الديمقراطيين الأحرار”، إلا أنه سيكون شريكًا صغيرًا وضعيفًا، رغم توافقه مع الحزب الديمقراطي المسيحي.
ويبقى الخيار الأخير أمامها، هو إجراء انتخابات مبكرة. ورغم أن ميركل تتمتع بدرجة عالية من الشعبية على المستوى الشخصي، فإنها تعتبر زعيمًا ضعيفًا، وتقترب من نهاية مسيرتها المهنية، كما أنه من المؤكد أن حزبها في طريقه لفقدان الكثير من شعبيته خلال الانتخابات القادمة. على أن الأمل الأفضل لميركل يبقى منعقدًا في أن تحصل على دعم تيارات يسار الوسط، بفضل تأثير زملائها من حكام الولايات الألمانية الأخرى، سواء كانوا من الديمقراطيين أو الاشتراكيين. ولكن، في حال غيَّر الخضر موقفه، كما يرى العديد من قادة الحزب، ربَّما يجد الألمان أنفسهم قد أضحوا تحت قيادة امرأة قضت كامل مسيرتها السياسية في اليمين لكنها تترأس – حاليًا – تحالفًا من الأحزاب ذات الميول اليسارية، وتحررت – بالفعل – من عبء “الاتحاد الاجتماعي المسيحي”، وتتجه نحو تطوير سياساته التي تميل نحو يسار الوسط؛ وهو ما يعني – عمليًا – أن “الحزب الديمقراطي المسيحي”لم يعد حزبًا منتميًا لتيار يمين الوسط.
ربَّما يتوافق معظم الألمان إلى حدٍّ بعيدٍ مع ميولها السياسية، لكن المرجح أن يدفع انهيار ائتلاف يمين الوسط الاتحاد الاجتماعي المسيحي، وكذلك ائتلاف “البديل من أجل ألمانيا”أكثر نحو اليمين. لكن لا يزال من المستبعد أن نرى قريبًا نتيجة لهذا التحالف السياسي الجديد، لكن بالنظر إلى مدى نجاح اليمين المتطرف في أية ترتيبات مماثلة في أجزاء من أوروبا، يبقى ذلك الاحتمال قائمًا، لكن مع قدر كبير من الحذر.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات*
المصدر/ جريدة نيويورك تايمز الأميركية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر