سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
نوران وديع
على وقع الاجتياح الروسي لأوكرانيا وما تسبب به من خلخلة في النظام العالمي، يبدو أنّ ألمانيا دخلت منعطفاً لافتاً في تاريخها العسكري متراجعة عن سياستها العسكرية التي ظلت برلين تتبعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك بعدما أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، يوم أمس الأحد، تخصيص 100 مليار يورو لصندوق خاص يستهدف تعزيز المنظومة الدفاعية للقوات المسلحة.
وقال شولتز بنبرة حاسمة أمام نواب البوندستاغ (البرلمان) يوم أمس: “سنؤسس صندوقاً خاصاً للجيش الألماني لاستخدامه للاستثمارات في مجال الدفاع. من الواضح أننا بحاجة إلى زيادة الاستثمار بشكل كبير في أمن بلدنا؛ من أجل ضمان حريتنا وديمقراطيتنا”.
ودعا المستشار الألماني لضرورة إدراج الصندوق الخاص للجيش في الدستور، مع التنصيص على زيادة الإنفاق الدفاعي بأكثر من 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، بدلاً من حوالي 1.5 بالمائة”.
وأوضح شولتز إنه “لا يساورني أي شك في أنه (بوتين) يريد إمبراطورية روسية..إنه يريد تغيير أوروبا وفقاً لمخيلته”.
وكان قائد الجيش الألماني قد قال في وقت سابق “إننا سنكون عارين تماماً في حال حدوث أي حرب”، وذلك قبل أن تتخذ الحكومة قرارها التاريخي برفع الإنفاق العسكري.
ويرى مراقبون ومحللون في السياسات الدفاعية أنه كان لبدء الهجوم الروسي على أوكرانيا تأثير واضح على صُنّاع القرار في برلين، الذين وضعوا أيديهم على القصور الذي تسرب على مدار الأعوام الماضية لكل مفاصل القوات المسلحة الألمانية، سواء فيما يتعلق بالجاهزية القتالية للوحدات العسكرية الألمانية، أو فيما يخص الموارد المالية واللوجستية المتوفرة لهذه الوحدات.
يرى مراقبون ومحللون في السياسات الدفاعية أنه كان لبدء الهجوم الروسي على أوكرانيا تأثير واضح على صُنّاع القرار في برلين
وبدا هذا القصور واضحاً للعيان بعد أن وجد الوسط السياسي الألماني نفسه أمام مساهمة “هزيلة” من جانب برلين، في تعزيز دفاعات حلف الناتو في شرق أوروبا، وعدم مقدرة الحكومة الألمانية على تقديم مساعدات عسكرية نوعية وفعالة للجيش الأوكراني في أزمته الأخيرة، وفق المراقبين.
وكانت ألمانيا قد خفضت بعد الحرب العالمية الثانية إنفاقها العسكري بموجب اتفاقيات إنهاء الحرب التي انتهت بهزيمة ألمانيا وتقسيمها قبل أن تعود وتتوحد في نهاية العام 1989، وظلت ترفض ضغوطاً متزايدة من حلفائها في الناتو، ولا سيما الولايات المتحدة؛ من أجل زيادة إنفاقها الدفاعي.
وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد وجّه انتقادات حادة للمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل على خلفية عدم تقيّد ألمانيا بالنسبة التي يحدّدها حلف شمال الأطلسي للاستثمار في القطاع الدفاعي.
ومنذ انتهاء الحرب البادرة قلّصت ألمانيا عدد قواتها من 500 ألف عسكري (حين أعيد توحيد البلاد) إلى نحو 200 ألف حالياً.
وسبق أن حذّر مسؤولو القطاع الدفاعي في البلاد مراراً في الأعوام الماضية من متاعب الجيش على صعيد التجهيز حيث هناك نقص كبير في صيانة الطائرات المقاتلة والدبابات والمروحيات والسفن، وفق ما أوردته “دويتشه فيله”.
قرار ثوري
ووصف مدير شؤون الاتحاد الأوروبي بمجموعة الأزمات الدولية، جوزيبي فاما، في حديث خاص لـ”سكاي نيوز عربية”، قرار المستشار الألماني بـ”الثوري”.
وقال “فاما”: إن قرار شولتز يأتي خلافاً للسياسة الألمانية القائمة منذ عقود، حيث كانت الحكومة الألمانية واحدة من أكثر الحكومات الأوروبية تردداً في استخدام القوة العسكرية وزيادة الميزانية الدفاعية تحت حكم المستشارة إنجيلا ميركل.
استثمار 100 مليار يورو سوف يجعل من الميزانية الدفاعية الألمانية تتخطى نسبة 2 بالمئة من الناتج المحلي حسب ما اتفقت دول الناتو بحلول 2024
وشدد على أنّ الجيش الألماني كان أيضاً عرضة للانتقاد للحالة المزرية لأصوله وعدد القوات العاملة وحالة الابتكار التكنولوجي لديه، وقد كانت ألمانيا واحدة من أبرز الدول في الصناعات العسكرية والدفاعية.
ولفت “فاما” إلى اعتماد ألمانيا بشكل كبير على وجود القوات الأمريكية، وكذلك المعدات التقنية الأمريكية المنتشرة على أراضيها.
وذكر مدير شؤون الاتحاد الأوروبي بمجموعة الأزمات الدولية أن قرار استثمار 100 مليار يورو سوف يجعل من الميزانية الدفاعية الألمانية تتخطى نسبة 2 بالمئة من الناتج المحلي حسب ما اتفقت دول الناتو بحلول 2024، ويدفعها لتطوير أسلحتها الرئيسية، وشراء معدات أكثر حداثة.
وبحسب وكالة “رويترز”، فإنّ ألمانيا قد تشتري طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35، لتحل محل الطائرة متعددة المهام “تورنادو” بعد تقادمها وعدم قدرتها على المشاركة النووية.
ومن المنتظر أن يبنى الجيل القادم من الطائرات المقاتلة والدبابات في أوروبا بالاشتراك مع شركاء أوروبيين، لا سيما مع فرنسا.
برلين تغير سياستها تجاه كييف
وأعلنت ألمانيا أنها بصدد تسليم أوكرانيا ألف صاروخ مضاد للدبابات و500 صاروخ أرض-جو من نوع “ستينغر” من مخزون الجيش الألماني، في توجّه يشكل قطيعة مع الحظر الذي تفرضه البلاد على تصدير الأسلحة الفتاكة إلى مناطق النزاع.
كما أعلنت أنها ستعزز قواتها المنتشرة شرقاً في إطار حلف شمال الأطلسي، لا سيّما في سلوفاكيا، وفق شولتز الذي أبدى أيضاً استعداد بلاده للمشاركة في الدفاع عن المجال الجوي للحلف بواسطة صواريخ مضادة للطائرات.
وبقيت مساعي أستونيا لتسليم كييف 8 مدافع هاون قديمة اشترتها من ألمانيا الشرقية السابقة عالقة لأسابيع في عراقيل بيروقراطية في برلين إلى أن حظيت الأحد بالموافقة.
وفي الفترة التي سبقت اندلاع النزاع الميداني اقتصرت المساعدة العسكرية الألمانية لأوكرانيا على 500 خوذة، في واقعة استدعت كثيراً من السخرية.
واتُّهمت ألمانيا بأنها تعطي الأولوية لاقتصادها ومصالحها على صعيد الطاقة بتمسّكها بادئ الأمر بمشروع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي يضخ الغاز الروسي إلى أوروبا، إلى أن قرّرت هذا الأسبوع تعليق العمل به.
يذكر أنّ الجيش الألماني الحالي قد تأسس منتصف عام 1955، بعد سماح الحلفاء لألمانيا بتسليح نفسها مجدداً. بعدما دخل الاستسلام غير المشروط للجيش الألماني حيز التنفيذ في أيار (مايو) عام 1945، عبر وثيقة قانونية تم بموجبها إعلان الهدنة وإنهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا.
بحسب تصنيف “غلوبال فاير باور” لأقوى جيوش العالم، يحتل الجيش الألماني المرتبة 16 بين 140 جيشاً ضمهم التصنيف
وكانت أول مهمة عسكرية دولية تشترك فيها ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، عام 1993 حينما منحت الحكومة الاتحادية تفويضاً للجيش الألماني للمشاركة في مهام قوات الناتو في يوغسلافيا السابقة، ويقدر عدد قوات الجيش الألماني بحوالي 185 ألف فرد دون الاحتياط، وينقسم إلى 5 فرق قتالية.
وبحسب تصنيف “غلوبال فاير باور” لأقوى جيوش العالم، يحتل الجيش الألماني المرتبة 16 بين 140 جيشاً ضمهم التصنيف.
ويمتلك الجيش الألماني 617 طائرة متعددة المهام، و266 دبابة و 9217 مدرعة، ويتكون أسطوله الحربي من 80 وحدة بحرية.
المصدر: حفريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر