في ضوء النتائج التي أفرزتها الانتخابات التشريعية، وهزيمة الحزب المسيحي الديمقراطي، لم تطو ألمانيا حقبة زعيمة الحزب المستشارة أنجيلا ميركل فحسب، وإنما دخلت البلاد كلها في مرحلة جديدة من عدم اليقين الداخلي، ناهيك عن الشكوك والقلق في الساحة الدولية، بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات الائتلافية بين الأحزاب السياسية، لتشكيل حكومة جديدة واختيار خليفة لميركل.
للمرة الأولى منذ عام 1950 سيتم تشكيل الحكومة الألمانية من أكثر من حزبين، إذ يفترض، بحسب النتائج، التي تصدرها الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة أولاف شولتز الذي حصل على 25,7 في المئة من الأصوات، بفارق بسيط عن الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي نال 24,1 في المئة، وهي المرة الأولى أيضاً التي يحصل فيها على نسبة تقل عن 30 في المئة من الأصوات، أن تتشكل الحكومة من ثلاثة أو أربعة أحزاب، على الأقل، وسط مفاوضات إئتلافية صعبة قد تطول لأسابيع أو أشهر بسبب اختلاف الأجندات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأحزاب، مع أفضلية واضحة لتشكليها بزعامة شولتز.
ويبقى الغموض أيضاً حول منصب المستشار، ومن الذي سيخلف ميركل في هذا المنصب باعتباره يتحدد عبر الأغلبية البرلمانية في «البوندستاج» وليس عن طريق الانتخاب، بحسب الدستور الألماني، مع ترجيح كفة شولتز أيضاً على الزعيم المسيحي الديمقراطي أرمين لاشيت. كما تبقى التساؤلات قائمة حول طبيعة التحالف الذي سيحكم البلاد مستقبلاً. بالنسبة للاشتراكيين الديمقراطيين، تبدو الأمور أكثر وضوحاً، حيث اعتبر شولتز أن على المحافظين (الحزب المسيحي الديمقراطي) الانتقال إلى مقاعد المعارضة، ما يعني عدم قيام تحالف بين الحزبين، معللاً ذلك بأن الألمان صوتوا لصالح التغيير. لكن التغيير الذي ينشده شولتز يفترض انضمام حزب الخضر الذي حل في المرتبة الثالثة بعد حصوله على 14,8 في المئة من الأصوات، والحزب الديمقراطي الحر (الليبراليون) الذي حل في المرتبة الرابعة بحصوله 11,5 بالمئة من الأصوات.
غير أن الصعوبة تكمن في التناقض الحاد في برامج الحزبين الأخيرين، إذ بينما يميل «الخضر» إلى التحالف مع الاشتراكيين ويأملون معاً فرض المزيد من الضرائب على الأغنياء والرأسماليين، الأمر الذي يرفضه رافضاً قاطعاً الحزب الديمقراطي الحر، ومن هنا تبرز أسئلة جدية حول موقف الاشتراكيين الديمقراطيين إذا ما اضطر شولتز إلى التخلي عن جزء من برامجه لاستقطاب اليمين الليبرالي، الأمر الذي يعني إخضاع التشكيل الائتلافي الجديد لتصويت أعضاء حزبه.
طوت ألمانيا حقبة ميركل التي امتدت ل 16 عاماً تميزت بالاستقرار والإزدهار الاقتصادي لبلادها، والمساهمة إلى حد كبير في الاستقرار الأوروبي وحل الكثير من الأزمات المالية والصحية التي عصفت به، بما في ذلك الخروج البريطاني من الاتحاد، من دون إغفال بصماتها المتعددة في الساحة الدولية، وها هي تغادر الساحة وهي الأكثر شعبية على مستوى بلادها وحتى على المستوى الأوروبي، بحسب استطلاعات الرأي، لكنها لم تستطع منع هزيمة حزبها أو تحديد هوية خليفتها وسط ظلال من الشكوك حول مدى انعكاس كل ذلك على التحالفات في القارة الأوروبية والساحة الدولية.