ألمانيا والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي | مركز سمت للدراسات

ألمانيا بين أولويات المصلحة الوطنية والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 24 أغسطس 2021

مارك ليونارد

 

بينما تستعد ألمانيا لانتخاباتها الفيدرالية في سبتمبر المُقبل، يتساءل الكثيرون عما سيحدث بعد ذلك. وتحت قيادة المستشارة المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل، أصبحت ألمانيا «دولة لا غنى عنها» في أوروبا وفي إطار النظام الدولي الأوسع نطاقاً القائم على القواعد. هناك إجماع على أنه سيخلفها شخص يعتمد النهج نفسه. يعمل خليفتها الذي تم تعيينه زعيماً لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أرمين لاشيت، بالفعل على منصة الاستمرارية.

ومع ذلك، بينما تستعد ميركل للتقاعد، هناك دلائل على أن الألمان بدأوا يشعرون بضيق متزايد إزاء الدور التقليدي الذي تلعبه بلادهم داخل الاتحاد الأوروبي. على الرغم من أن مغادرة ألمانيا الاتحاد أو الوقوع في أيدي حزب متشكك في أوروبا لا يُشكل خطراً، إلا أن استطلاعات الرأي التي أجراها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR) تُظهر أن ثقة ألمانيا في الاتحاد الأوروبي قد انهارت خلال جائحة فيروس «كوفيد 19».

وفي عامي 2019 و2020، أعرب الألمان عن إيمانهم وثقتهم بالنظام السياسي للاتحاد الأوروبي بدرجة أكبر بكثير من الفرنسيين والإيطاليين الذين شملهم الاستطلاع. ومع ذلك، يبدو أن الأداء الضعيف للمفوضية الأوروبية أثناء الجائحة قد غيّر وجهة نظرهم. واليوم، يعتقد نحو %55 من الألمان أن النظام السياسي في الاتحاد الأوروبي مُعطل – وهي قفزة بلغت 11 نقطة مئوية منذ العام الماضي. في حين يعتقد واحد من كل اثنين من الألمان أن النظام كان يعمل اعتباراً من نوفمبر 2020، فإن %36 فقط يعتقدون ذلك الآن، كما يزعم %49 منهم أن لديهم ثقة «أقل» أو «أقل بكثير» في الاتحاد الأوروبي نتيجة لسياسة اللقاحات التي يتّبعها. واليوم، يعتقد نحو 33% من الألمان أن الاندماج في الاتحاد الأوروبي قد ذهب إلى أبعد مما ينبغي، مقارنة بنسبة %23 في عام 2020.

من المؤكد أن هذه الأرقام الجديدة نتيجة استطلاع واحد فقط، وقد تتعافى المشاعر تجاه الاتحاد الأوروبي بمجرد تلقيح معظم الألمان. أظهرت مجموعة من استطلاعات الرأي التي أجراها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في عامي 2019 و2020 أن الألمان يدعمون المقترحات التي من شأنها إزالة العقبات طويلة الأمد أمام التكامل الأوروبي الأعمق. ولكن إذا استمر فقدان الثقة الأخير، فقد تكون العواقب طويلة المدى خطيرة. يمكن أن يتعرض القادة الألمان لضغوط عامة متزايدة للمضي قدماً بمفردهم لتبني سياسات تتراوح بين شراء اللقاحات والهجرة إلى التجارة والطاقة.

بعد كل شيء، يعرف العالم خارج ألمانيا تغيراً جذرياً، مما يجلب تهديدات جديدة على وضع ألمانيا بصفتها (رائدة عالمية في مجال التصدير). وقد تبنت كل من الصين والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة أشكالاً مختلفة من الحمائية، بينما تسعى الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي وراء المصالح الوطنية الضيقة كوسام شرف. مع قيام بلدان مثل هنغاريا وبولندا بوضع مصالحها الخاصة علانية قبل التضامن الأوروبي، فإن خطابات السياسيين الألمان حول أوروبا قد تبدو خارجة عن المسار بشكل متزايد. لماذا يتعين على ألمانيا أن تمنح أوروبا الأولوية على نفسها في حين لا يستطيع أي بلد آخر فعل الشيء نفسه؟

لقد استغل السياسيون الشعبويون الألمان بالفعل هذا الانفصال. على سبيل المثال، عارض كريستيان ليندنر من الحزب الديمقراطي الحر بشدة تبادل الديون الأوروبية، ويُجادل اليوم إنه لن ينضم إلى أي ائتلاف مزعوم تخضع فيها وزارة المالية لحزب الخضر المؤيد للاتحاد الأوروبي.

على الرغم من تغير العالم الخارجي، إلا أن نخب السياسة الخارجية الألمانية لا تزال تميل إلى النظر إلى السياسة الأوروبية والدولية من منظور الالتزامات العالمية والتضحيات اللازمة للحفاظ على التضامن. ونظراً إلى تاريخ البلاد في القرن العشرين، من المفهوم أن قادتها يريدون تجنب الحديث عن المصالح الوطنية وليس الأوروبية. لكن هذا الفشل في التكيف يجلب مخاطر خاصة به.

لقد أصبح العديد من الألمان ينظرون إلى السياسة الأوروبية التي تنتهجها بلادهم باعتبارها سلسلة من التضحيات التي تهدف إلى الرد على الجرائم التاريخية، بدلاً من جعل البلاد أقوى وأكثر ثراءً وأماناً. قد يتفاقم هذا الاستياء في نهاية المطاف إذا لم تغير النخب الألمانية خطابها. بعد رئاسة ترامب الكارثية في الولايات المتحدة، نعلم جميعاً كيف يمكن أن تبدو الثورة ضد التيار السائد.

ومن المفارقات أن أفضل طريقة لحمل الألمان على الالتزام بمبدأ العالمية الموالية لأوروبا تتلخص في تقديم حجة وطنية لذلك. من خلال تجنب أي حديث عن الوطنية الألمانية، ترك التقدميون فراغاً كان اليمين المتطرف سعيداً لملئه بالقومية المتطرفة وكراهية الأجانب. ولكن مع نشر رسالة وطنية تتطلع إلى الخارج، يمكن للحكومة الجديدة أن تتبنى علناً فكرة مفادها أن ألمانيا لديها مصالح وطنية تستحق الدفاع عنها. ولأن هذه المصالح ستعمل حتماً على أفضل وجه في سياق أوروبي أوسع نطاقاً، فإن مثل هذا التغيير لن يأتي على حساب الاتحاد الأوروبي.

عند طرح قضية القومية في أوروبا، يمكن للسياسيين الألمان الإشارة إلى أن الخيار الآن هو بين السيادة الأوروبية أو عدم وجود سيادة على الإطلاق. سوف تحتاج ألمانيا إلى إعادة توجيه نموذجها الاقتصادي للتكيف مع الثورات الرقمية والخضراء الجارية. ومع ذلك، يتعين عليها أيضاً إيجاد طرق فعّالة لمقاومة الحمائية والعقوبات ومكائد القوى العظمى الأخرى – بغض النظر عما إذا كانت تأتي من دول صديقة مثل الولايات المتحدة أو بلدان أخرى مثل الصين.

من منظور أوروبي، من الضروري أن تخضع ألمانيا لهذا التحول. إن ما ينطبق على الاقتصاد الألماني ينطبق بشكل أكبر على الاقتصادات الأصغر حجماً. لا ينبغي أن تتعرض دول الاتحاد الأوروبي الأخرى للتهديد من خلال نقاش صادق ونزيه حول المصالح الألمانية وما تنطوي عليه سياستها تجاه أوروبا. يُعد البديل أكثر خطورة، والذي يتمثل في فك الارتباط الألماني.

يجب أن يكون أحدث استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بمثابة تحذير من أن الجمهور الألماني قد يتوقف عن الشعور بالتعلق تجاه أوروبا. يمكن للفرد الذي يصاب بفيروس كورونا أن يمر بمرحلة قصيرة وحادة من المرض ولكن أيضاً مجموعة واسعة من الأمراض طويلة المدى. ينبغي التفكير في الآثار السياسية للفيروس بالطريقة نفسها. وعلى المدى القصير، أثارت الجائحة استجابة مناعية قوية حيث أيد الألمان السياسات الطموحة لصالح كل البلدان الأوروبية. ومع ذلك، بدأت الآن التأثيرات السياسية غير المفهومة لأزمة «فيروس كوفيد 19 الطويلة الأمد» في الظهور. ما لم تجد الطبقة السياسية الألمانية نهجاً جديداً للتعامل مع أوروبا، فمن المرجح أن يظل الاتحاد الأوروبي مُتصلباً ومعرضاً لخطر مواجهة أزمة لفترة طويلة.

 

المصدر: صحيفة البيان

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر