سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. علي الخشيبان
أفغانستان جغرافياً دولة حبيسة (LAND LOCKED) تحيط بها باكستان، إيران، تركمانستان، أوزباكستان، طاجيكستان، والصين، وليس لها أي منفذ بحري يسهل لها التنفس سياسياً بحرية بعيداً عن المرور بدولة وسيطة من جيرانها، وهي دولة ذات تضاريس وعرة تصعب أي شكل من المغامرة العسكرية فيها، وقد حمل التاريخ الأفغاني مشاهد مختلفة ساهمت في حدوث صعود أو هبوط سياسي حاد في مراحل مختلفة من تاريخ أفغانستان، حتى أنه أطلق عليها مقبرة الإمبراطوريات، ولكن في العام 1979م، حدث تحول مهم في أفغانستان التي شهدت استقراراً طويلاً إبان حكم الملك ظاهر شاه بين عامي (1933-1973)، ولكن الأمور تغيرت وتدخل الاتحاد السوفيتي، ولكن في النهاية خرج منها مهزوماً في العام 1989م.
أميركا لم تكن بعيدة عن المسرح الأفغاني، فقد كانت موجودة منذ اللحظات الأولى لدخول الاتحاد السوفيتي، فالمصالح الأميركية في أفغانستان أكبر من أن تتركها واشنطن للآخرين يحتلوها، ولكن العلاقة الأميركية بالثوار في أفغانستان وخاصة حركة طالبان بدأت تتخذ مساراً سيئاً، وشعرت أميركا في عهد الرئيس كلينتون أن طالبان والقاعدة تشكلان خطراً على الأمن القومي الأميركي، وظهر الخلاف بشكل علني في العام 1997م، وحاولت طالبان الحصول على اعتراف الإدارة الأميركية بها كحكومة شرعية في أفغانستان، وعرضت طالبان الكثير من المصالح التي تخدم أميركا على الأرض الأفغانية، ومنها إنشاء ومد خط أنابيب البترول من بحر قزوين عبر الأراضي الأفغانية، ولكن أميركا أظهرت وجه مختلف للثوار كونها كانت تتبنى سياسية تدعم الوضع المضطرب في أفغانستان، والسبب الحقيقي خلف ذلك هو بحث أميركا في ذلك الوقت عن موقع مناسـب لتأســيس قواعــد استراتيجية في المنطقة بهدف تعزيز الوجود الأميركي بطرق مقبولة سياسياً.
المصالح الأميركية يمكن بلورتها من خلال القلق الأميركي من التهديدات العابرة للقارات وخاصة الإرهاب، والقلق من عبور أسلحة الدمار الشامل، كما أن القلق من تهديدات أفغانستان المنهارة شكل نقطة مهمة نظرت إليها الاستراتيجية الأميركية بعمق، كون أفغانستان محاطة بمنافسي أميركا العالميين، اليوم وبعد عقدين من الزمان من الوجود العسكري الأميركي على الأرض الأفغانية، يتم طرح السؤال المهم حول النتائج التي حققتها أميركا طلية العقدين الماضيين، صحيح أن أميركا قتلت بن لادن في باكستان وليس في أفغانستان، ولكنها لم تستطع قتل طالبان ولم تستطع أن توفر حكومة قادرة على إدارة أفغانستان سواء من طالبان أو غيرها من الجماعات المتحاربة في أفغانستان، وحتى الحكومات التي صنعتها أميركا كانت حكومات غارقة بالمشكلات والفساد المالي والإداري، وأثبتت أميركا أن سياساتها التي غذت بها المجتمع الأفغاني كانت سياسيات فاشلة وغير قادرة على إقناع الشعب الأفغاني حتى بمد يد المساعدة.
هنا أدركت أميركا أن سياسية الحوار مع طالبان أمر ممكن من أجل التغلب على المعضلات التي تواجهها أميركا، ومع أن القوات الأميركية استطاعت أن تروض آلاف الأفغان للعمل لصالحها إلا أن ذلك لم يكن كافياً لوصول أميركا إلى السيطرة التامة على المفاصل المهمة، وقد كان من الخيارات المطروحة من قبل الاستراتيجية الأميركية هو محاولة شق صفوف حركة طالبان، واختراع مسار جديد يهدف إلى إنشاء جناح معتدل في الحركة ودعمه للوصول إلى كابل، ونحن نلحظ اندماج حركة طالبان في مشروع المصالحة مع أميركا خلال الفترة الماضية ويبدو أن أحد أهم نتائج هذا الاندماج ما نراه في المشهد الأفغاني اليوم الذي يؤكد أن جناح الإدارة الأميركية الداعي إلى الانسحاب من أفغانستان قد نجح في تحقيق رؤيته.
أدركت أميركا مؤخراً أن النجاح في أفغانستان بعيد المنال ما لم يكن هناك مسار استراتيجي يضمن وجود طالبان في أفغانستان ويسهل وصولها إلى السلطة بمساعدة أميركية مباشرة وغير مباشرة، اليوم كل المؤشرات تميل إلى التأكيد أن أميركا نجحت في أن تشق طريقها داخل الجماعة من خلال المراهنة على قيادات وسطية في الجماعة، ومن الواضح أن تصريحات طالبان بمهادنة أميركا والتنسيق معها في قضية مطار كابل، تؤكد هذا المسار ولكن التحدي الأكبر يدور حول قدرات الطالبان السياسية على إدارة أفغانستان ومدى التزام أميركا للحركة في حال تطلب الأمر وقوف أميركا سياسياً أمام أطماع إقليمية قد يجلبها الوجود الصيني بالقرب من أفغانستان، علينا ألا نعول كثيراً في حجم الفروقات بين طالبان القادمة من الأرض الأفغانية إلى سدة الحكم وبين أميركا التي عاشت أفغانستان من خلال وجودها الطويل لأكثر من أربعة عقود مضت، طالبان تحتاج إلى وقت طويل كي تجتاز الاختبار السياسي في كابل، ولكن لا بد من التنبه إلى أن كل الخيارات مفتوحة وكل الاحتمالات قابلة للتحقق، فهشاشة أفغانستان وتاريخها الطويل مع الصراع لا يمكن التنبؤ بمنتجاته.
المصدر: صحيفة الرياض
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر