أفريقيا أمام مخاطر التحول إلى مركز قيادة الجماعات الإرهابية
التاريخ والوقت :
الخميس, 24 ديسمبر 2020
أحمد نظيف
يبدو أن النشاط الإرهابي العالمي أصبح يغيّر مواطن استقراره نحو القارة الأفريقية في شكل غير مسبوق. فقد كان لافتاً، الأرقام التي كشفت عنها دراسات مسحية نشرها خلال الآونة الأخيرة، مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية، وهو مؤسسة أكاديمية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية أنشأها ويمولها الكونغرس لدراسة القضايا الأمنية المتعلقة في أفريقيا، ويعمل المركز كمنتدىً للأبحاث الثنائية والمتعددة الأطراف، والاتصالات، والتدريب، وتبادل الأفكار التي تشمل العسكريين والمدنيين.
أشارت الدراسات إلى ارتفاع عدد العمليات العنيفة المرتبطة بالجماعات الإسلامية المتشددة في منطقة أقصى الشمال من الكاميرون بنسبة 90 في المئة، فقد وصلت إلى حدود 400 عملية إرهابية، في الأشهر الـ 12 الماضية، وذلك بالمقارنة مع زيادة بنسبة 52 في المئة في نيجيريا، التي تعتبر المركز الرئيسي لنشاط جماعة “بوكو حرام”.
يتزامن اندلاع أعمال العنف في أقصى الشمال مع زيادة القتال بين الجماعات الإسلامية المتشددة وقوات الأمن النيجيرية على الجانب النيجيري من الحدود. من المرجح أن الضغط المتزايد في نيجيريا أجبر هؤلاء المقاتلين على دخول الكاميرون، ما يؤكد الأبعاد الإقليمية لهذا التهديد الأمني. فقد تحركت “بوكو حرام” عبر سلسلة جبال ماندارا في المنطقة المحيطة بمورا. وإلى الشمال، تتحرك جماعة “بوكو حرام” المنشقة، الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، في الوقت نفسه في المنطقة المحيطة بالحدود التشادية بالقرب من فوتوكول.
اتخذت معظم أعمال العنف المبلّغ عنها في الكاميرون شكل هجمات ضد المدنيين (أكثر من 59 في المئة). أما عدد الهجمات التي استهدفت المدنيين في الكاميرون في الأشهر الاثني عشر الماضية، فقد بلغت 234، لتفوق نيجيريا التي سجلت 100 هجوم إرهابي، والنيجر 92 وتشاد 12. وتشمل هذه الهجمات عمليات خطف للتجنيد والفدية ونهب القرى ومخيمات النازحين. وقد أدت هذه الهجمات إلى نزوح المزيد من الأشخاص داخل الكاميرون، ما رفع العدد الإجمالي للكاميرونيين النازحين في “المنطقة المتطرفة” إلى 321900. ومنذ بدء أعمال عنف المتشددين الإسلاميين، لقي أكثر من 5000 شخص مصرعهم في البلاد.
وأشارت دراسة أخرى نشرها المركز خلال الشهر الجاري إلى أن نشاط الجماعات الإسلامية المسلحة في أفريقيا يكشف عن عقدٍ من تزايد النشاطات العنفية من دون توقف تقريباً، رغم أن تركيز هذه النشاطات قد تغير مع مرور الوقت. وقد أظهرت الجماعات المسلحة في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد وموزمبيق أكبر الزيادات حدة في النشاطات العنفية خلال العام الماضي. يمكن أن يعزى تنامي نشاط الجماعات الإسلامية المسلحة في أفريقيا إلى الزيادة في أربعة من مسارح العمليات الرئيسية الخمسة في أفريقيا وهي: الصومال، وحوض بحيرة تشاد، ومنطقة الساحل الغربي، وموزمبيق. وتعد منطقة شمال أفريقيا المنطقة الوحيدة التي شهدت انخفاضاً، استمراراً للتوجه الذي بدأ منذ 2015.
من جانب آخر، يؤكد مؤشر الإرهاب العالمي للسنة 2020، الذي أصدره معهد الاقتصاد والسلام نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، هذا التركز الشديد للنشاطات الإرهابية في القارة الأفريقية، خصوصاً التي تستهدف المدنيين، مشيراً إلى أن منطقة الساحل الأفريقي التي تنتشر فيها مجموعات متطرفة مسلحة متشعبة مرتبطة بتنظيم “الدولة الإسلامية” و”القاعدة” من أكثر المناطق عرضة للإرهاب. وسجلت في بوركينا فاسو التي تستهدفها المجموعات المسلحة الناشطة في المنطقة بكثرة، الرقم القياسي مع ارتفاع نسبته 590 المئة في عدد الضحايا. وعرفت مالي والنيجر المجاورتان تراجعاً كبيراً في الوضع كما الحال في موزمبيق. وقال المؤشر في بيانه إن “أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى كانت الأكثر تضرراً مع وجود سبع من أكثر عشر دول شهدت ارتفاعاً في عدد الضحايا، في هذه المنطقة”. وقد وقع في هذه المنطقة 41 في المئة من القتلى الذين سقطوا في هجمات منسوبة إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” في العام الماضي.
هذه التحولات الإستراتيجية التي تشهدها خريطة الإرهاب الدولي، تلقي بظلالها على القارة السمراء، لجهة التكاليف الباهظة إنسانياً ومادياً، في قارة تعاني أصلاً من مشاكل قديمة جديدة اقتصادياً واجتماعياً. ويشير المؤشر العالمي للإرهاب إلى ارتفاع حصة أفريقيا من التأثير الاقتصادي العالمي للإرهاب من 3.1 في المئة في عام 2007 إلى 49.2 في المئة في عام 2019. وقد عانت نيجيريا وليبيا والصومال ومالي أكبر تأثير على القارة من خلال تركيز في 86 في المئة من الضرر الاقتصادي الناجم عن الإرهاب، بتكلفة تقدر بحوالى 142 مليار دولار خلال هذه الفترة.
بلغ الأثر الاقتصادي للإرهاب في أفريقيا 13 مليار دولار في عام 2019، وهكذا زادت حصة المنطقة في التأثير الاقتصادي العالمي للإرهاب بنحو 26.4 مليار دولار منذ 2007، حيث قدرت كلفة الإرهاب في القارة 171.7 مليار دولار.
وما يعزز التوجس من أن تتحول منطقة الساحل الصحراء الأفريقية إلى إحدى أكبر البؤر الإرهابية مستقبلاً، الاستعدادات الأميركية غير المسبوقة، نظرياً وعلى أرض الواقع. فالولايات المتحدة أخذت في تعزيز حضورها العسكري في المنطقة في شكل غير مسبوق، منذ مدة، حيث شرعت واشنطن منذ عام 2018 في بناء قاعدة جوية عسكرية جديدة في شمال النيجر، ستنشر فيها مقاتلات وطائرات من دون طيار ومجهّزة بوسائل الرّصد وبالأسلحة، وسيكون في مقدورها الوصول إلى عدد من دول غرب وشمال أفريقيا. وهذه الطائرات بدأت منذ مدة في تنفيذ ضربات مركزة استهدفت قيادات بارزة من تنظيم “القاعدة” في جنوب ليبيا.