العنف في الصحراء الغربية | مركز سمت للدراسات

أعمال العنف تندلع في الصحراء الغربية

التاريخ والوقت : الأحد, 22 نوفمبر 2020

سارة فوير

 

في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، شنّ المغرب عملية عسكرية هدفها تحرير حركة البضائع على طول طريقٍ يمتد من موريتانيا إلى الصحراء الغربية. وجاءت هذه الخطوة بعد ثلاثة أسابيع من إقدام “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” (“جبهة البوليساريو”) المدعومة من الجزائر، وهي حركة تدافع عن استقلال الأراضي الخاضعة للسيطرة المغربية، على إغلاق الطريق ومنع عدة مئات من الشاحنات من دخول الصحراء الغربية عبر موريتانيا. ثم في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت “جبهة البوليساريو” عن الانتهاء الفعلي لوقف إطلاق النار الذي دام ثلاثين عاماً، وأن “الجبهة” أصبحت اليوم في حالة حرب مع المغرب.

وحتى الآن، لم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات، ولكن اندلاع أعمال العنف يشكل تدهوراً كبيراً في واحدة من أطول النزاعات المجمّدة في أفريقيا. وقد تؤدي هذه الأعمال العدوانية التي نشبت في أعقاب زيارة وزير الدفاع الأميركي السابق مارك إسبر إلى المنطقة، إلى جرّ اثنتين من دول شمال إفريقيا إلى الحرب – إحداهما حليفة وثيقة للولايات المتحدة، والأخرى شريكة أمنية محتملة تتطلع إلى تنويع تحالفها الطويل الأمد مع روسيا.

الفراغ يترك مجالاً للتصعيد

فيما يمكن اعتباره برهاناً على نجاح وقف إطلاق النار على المدى الطويل، هناك قلة من الأميركيين الذي هم على دراية بالنزاع الدائر حول الصحراء الغربية، وهي منطقة تقع بين الحدود المعترف بها دولياً للجزائر وموريتانيا والمغرب. فقد كانت هذه الأرض القليلة السكان والغنية بالمعادن مستعمرةً إسبانية حتى عام 1975، ثم خضعت للسيطرة الإدارية للمغرب وموريتانيا. ومع هذا الانتقال، فإن “جبهة البوليساريو” – جماعة تشكلت قبل عامين من ذلك التاريخ وتدّعي أنها تمثل المجتمع الصحراوي الأصلي – حوّلت تمرّدها المسلح من القوة الاستعمارية إلى السلطات الجديدة. وقد انسحبت موريتانيا في عام 1979، لكن المغرب و”جبهة البوليساريو” المدعومة من الجزائر بقيا في حالة حرب إلى أن فرضت الأمم المتحدة وقف إطلاق النار في عام 1991. وبحلول ذلك الوقت، كان المغرب قد ضمّ إليه ما يناهز 80 في المائة من الأراضي، وأصبح عدة آلاف من الصحراويين يعيشون في مخيمات اللاجئين في منطقة تندوف الواقعة داخل الحدود الجزائرية. وتُقدّر الأمم المتحدة أن 90 ألف صحراوي يعيشون حالياً في تندوف، بينما يبلغ عدد سكان الصحراء الغربية حوالي 650 ألفاً، وهم مزيج من الصحراويين والمغاربة الذين استقروا هناك منذ عام 1975.

ويُشار إلى أن اتفاق عام 1991 دعا إلى إجراء استفتاء لتحديد ما إذا كانت المنطقة ستنال استقلالها أو ستُضمّ إلى المغرب. كما نصّ على إنشاء قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، وهي “بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية” (“مينورسو”)، من أجل تولّي مهام المراقبة المؤقتة للمنطقة العازلة التي تفصل منطقة السيطرة المغربية عن الجزائر وموريتانيا. ولكن بسبب الخلافات حول شروط أهلية الناخبين واندلاع العنف بشكل دوري، لم يُجر الاستفتاء مطلقاً، واستمر انتشار بعثة “المينورسو”.

وفي عام 2007، وبعد عدة جولات غير ناجحة من المفاوضات بين المغرب و”البوليساريو”، اقترحت الرباط خطة لمنح الصحراء الغربية الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. واعتبرت الولايات المتحدة تلك المبادرة “جادة وواقعية وذات مصداقية” ولكن “جبهة البوليساريو” والجزائر رفضتاها. وفي العقد التالي، واصلت الأمم المتحدة تجديد ولاية “المينورسو”، داعية الأطراف إلى الامتناع عن أي عمل من شأنه تغيير الوضع القائم أو تقويض عمل قوة حفظ السلام التي يبلغ قوامها 450 شخصاً (مقسّمة بالتساوي بين أفراد من القوات النظامية والمدنيين).

ثم أحُرز تقدمٌ دبلوماسي في كانون الثاني/ديسمبر 2018 عندما استضاف مبعوث الأمم المتحدة هورست كولر اجتماعاً في جنيف مع ممثلين عن الجزائر وموريتانيا والمغرب و”جبهة البوليساريو”- وشكّل ذلك الاجتماع الجولة الأولى من المحادثات المباشرة لفترة دامت ست سنوات. وعُقد اجتماعٌ ثانٍ في آذار/مارس 2019 ولكنه لم يُسفر عن تقدم يُذكر، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الجزائر كانت غارقة في أزمة سياسية داخلية بعد اندلاع مظاهرات جماهيرية ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وعندما استقال كولر في أيار/مايو لأسباب صحية، بقيت الصحراء الغربية من دون مبعوث للأمم المتحدة.

وحيث لم تضطلع الأمم المتحدة بدور دبلوماسي مستمر على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، تفاقم الوضع بفعل فراغ السلطة الحاصل في الجزائر – وفي الآونة الأخيرة، تم نقل خليفة بوتفليقة، عبد المجيد تبون، إلى ألمانيا لتلقي العلاج من فيروس كورونا المستجد. وحوّل هذا الموقف ما كان يمكن أن يكون اشتباكاً روتينياً إلى مواجهة مهيأة للانفجار. وتمشياً مع الخطى التي اتبعتها “البوليساريو” على مر السنين، أرسلت “الجبهة” مدنيين لتعطيل حركة المرور والاحتجاج على وجود المغرب في أواخر الشهر الماضي، أي قبل أيام فقط من التصويت المقرر في مجلس الأمن الدولي على تجديد بعثة “المينورسو”. لكن القدرة الدبلوماسية المحدودة للأمم المتحدة على تخفيف التداعيات مهّدت الطريق هذه المرة أمام رد مغربي أكثر قوة.

وفي الوقت الحاضر، يبدو أن للرباط اليد العليا: فجبهة “البوليساريو” ليست خصماً عسكرياً قوياً (على الرغم من أن الجزائر تمثل تهديداً أكثر خطورة إلى حد كبير)، في حين تحظى المملكة المغربية بدعمٍ دولي واسع نسبياً لمطالبها بالأراضي بعد عدة سنوات من التقدم الدبلوماسي في هذا المجال. وأصدر “الاتحاد الأفريقي” – الذي انضم إليه المغرب مؤخراً بعد انساحبه منه قبل ثلاثين عاماً احتجاجاً على قرار هذه المنظمة الاعتراف باستقلال الصحراء الغربية – بياناً محايداً بشكل لافت للنظر بشأن العملية العسكرية الأخيرة للمملكة، دعا فيه فقط إلى ضبط النفس. وسرعان ما دعت العديد من دول الخليج العربية إلى الدفاع عن المغرب – وهو تعبير نادر عن الوحدة من قبل مجموعة هي خلاف ذلك متصدعة.

مسارات لخفض التصعيد

على الرغم من هذا الدعم، ليس لدى المغرب مصلحة في استمرار الأعمال العدائية. ومع ذلك، قد لا ينطبق هذا الأمر على “جبهة البوليساريو” والجزائر. فقد ترى الأولى أن المواجهة مفيدة لتعزيز شرعيتها في مخيمات اللاجئين، في حين قد ترغب الثانية في صرف انتباه الرأي العام عن حكومة غير شعبية وتحويله نحو القضية العاطفية لهذه الصحراء.

ومع ذلك، لا يمكن للمنطقة ككل تحمّل احتدام آخر، لا سيما بالنظر إلى الفوضى المتزايدة ومخالفات القانون في منطقة الساحل إلى الجنوب (حيث أنقذت “القوات الخاصة” الأمريكية مؤخراً رهينة أمريكياً من إحدى الجماعات المسلحة العديدة التي تجوب المنطقة)، واستمرار الأزمة السياسية والاقتصادية التي تقوض استقرار الجزائر، والصراع المستمر في ليبيا المجاورة. كما أن الحرب قد تحرف اهتمام المغرب والجزائر ومواردهما بعيداً عن المهام الأمنية الجوهرية التي تهتم الولايات المتحدة بشدة بالحفاظ عليها، من احتواء التهديدات الإرهابية الإقليمية إلى السيطرة على تدفقات المهاجرين إلى أوروبا.

والآن بعد أن تم فتح طريق الصحراء الغربية وفقاً لبعض التقارير، على واشنطن أن تحث المغرب على ممارسة ضبط النفس بينما تطلب من الجزائر منع أي تعبئة إضافية لجبهة “البوليساريو”. ويمكن لنداء شخصي من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن يساهم إلى حدٍّ كبير في نزع فتيل الموقف، شأنه شأن عناصر أخرى من النفوذ الأمريكي. على سبيل المثال، من المفترض أن لا يرغب المغرب، كأقوى وأقدم حليف لأمريكا في المنطقة، في البدء بالانخراط مع إدارة بايدن المقبلة بشكل سيّئ. لذلك يجب على واشنطن أن توضح أن استمرار العنف سيقضي على أي فرصة لاعتراف أمريكي في النهاية بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.

وفي المقابل، يُعتبر نفوذ الولايات المتحدة في الجزائر أكثر محدودية، ولكن حتى هناك بإمكان واشنطن الاستفادة من رغبة الحكومة المعلنة في توطيد علاقاتها مع شركاء آخرين إلى جانب حليفها القديم في موسكو. فقد طلبت الجزائر مؤخراً زيادة عدد الضباط العسكريين الذين يمكن أن ترسلهم إلى الولايات المتحدة في إطار “برنامج التعليم والتدريب العسكري الدولي” الذي تجريه وزارة الدفاع الأمريكية. على واشنطن أن توضّح أن مثل هذا الانخراط لن يستمر ما لم تسيطر البلاد على “جبهة البوليساريو” وتمتنع عن تأجيج الوضع بشكل أكبر. أخيراً، يؤكد الاحتدام الأخير على الحاجة إلى تعيين مبعوث شخصي جديد للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية.

المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر