سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
غزل اليزيدي
اُعتبر يوم الثالث من نوفمبر الماضي نقطة تحول في حياة الشعب الأميركي بصفة خاصة، والعالم بصفة عامة. في هذا اليوم تمَّ الإعلان عن انتهاء التصويت للسباق الرئاسي الأميركي لعام 2020، وإعلان اسم الرئيس الأميركي المُنتخب. انحصرت انتخابات هذا العام بين الرئيس الحالي “دونالد ترمب”، مرشح الحزب الجمهوري، وبين “جوزيف بايدن”، مرشح الحزب الديمقراطي، ونائب الرئيس السابق الديمقراطي “باراك أوباما”.
الفائز بالانتخابات لهذا العام، سيكون الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية بعد استقلالها عام 1776، لفترة رئاسية تمتد لأربع سنوات، تبدأ في العشرين من يناير لعام 2021 حتى العشرين من يناير لعام 2025.
من المهم معرفة أن التصويت الشعبي الذي يحدث كل أربعة أعوام، وفي نهاية كل سباق انتخابي في شهر نوفمبر، والمحدد موعد حدوثه في أول يوم ثلاثاء بعد أول يوم اثنين من شهر نوفمبر، ويصادف هذا العام يوم الثالث من نوفمبر، لم يكن موعدًا لانتهاء السباق الرئاسي فقط وإعلان اسم المرشح الفائز لتولي الرئاسة، بل يعدُّ إعلانًا بانتهاء ثلاثة انتخابات وإعلان أسماء المرشحين الفائزين فيها.
على سبيل المثال، هناك السباق الرئاسي بين مرشحي الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى السباق الانتخابي لأعضاء الكونجرس بمجلسيه: مجلس النواب، ويعتبر المجلس الأدنى في الهيئة التشريعية الوطنية للولايات المتحدة، ويتم إعادة انتخاب جميع أعضائه. أيضًا، انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، الذي يعدُّ المجلس الأعلى في الهيئة التشريعية الوطنية للولايات المتحدة. لكل من هذه الانتخابات الثلاثة حملات إعلانية مخصصة لها وتكلف مبالغ باهظة.
ويُشار إلى أنه رغمًا من أن الحملات الانتخابية (للانتخابات الثلاثة) وتجمعات المرشحين بأنصارهم في السباق الرئاسي لعام 2020، لم تكن بالنشاط والعدد الذي كانت عليه في الحملات الانتخابية السابقة، في الأعوام الماضية، نظرًا للإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس “كوفيد – 19″، فإن تكلفة الحملات الانتخابية الأخيرة وصلت لما يقارب 14 مليار دولار. ولهذا صُنِّفت الانتخابات الثلاث لهذا العام بأنها الأعلى في تاريخ الحملات الانتخابية الأميركية. هذا الرقم أعلى بمعدل النصف عن الحملات الانتخابية في عام 2018، إذ كانت تكلفة الحملات الانتخابية عام 2016 تقارب 6.5 مليار دولار أميركي، كان نصيب “هيلاري كلينتون” منها 1.4 مليار دولار متجاوزة “دونالد ترمب” الذي كلفته حملته 957 مليون دولار، وهو مبلغ تجاوز ما سبقه من الحملات الانتخابية، 70% من هذا المبلغ تمَّ صرفه على الإعلانات.
للمال دور لا يمكن إنكاره في دعم الحملات الانتخابية، لكن لا يقل أهمية عن تواصل المرشح المباشر أو غير المباشر مع ناخبيه. هنا يكمن الدور الحقيقي للاستعانة المثلى بالإعلام في دعم المرشح.
يُذكر أن نتائج الانتخابات دائمًا ما تكون مفاجئة وغير متوقعة، فحتى عند اتفاق أغلبية الأصوات على أحد الناخبين، فإن النتائج قد تأتي مخالفة تمامًا ومغايرة للتوقعات. على سبيل المثال، فإن نتيجة التصويت للانتخابات الأميركية الماضية لعام 2016، كانت غير متوقعة للكثيرين داخل وخارج أميركا، نظرًا لأن “دونالد ترمب” لم يمارس العمل السياسي أو الحكومي قبل فوزه. فقد تقدم المرشح الجمهوري “دونالد ترمب” على الديمقراطية “هيلاري كلينتون” بعد أن كسب 274 صوتًا من أصوات المجمع الانتخابي البالغة 538 صوتًا، ويكفي أحد المرشحين الحصول على 270 صوتًا على أقل تقدير للفوز بمنصب الرئاسة الأميركية.
بالرغم من أن “هيلاري كلينتون” فازت بالتصويت الشعبي بما يقارب مليونين ونصف المليون صوت عن “دونالد ترمب” على مستوى الولايات المتحدة، فإن “ترمب” كان الفائز بالانتخابات الرئاسية، وذلك بسبب نظام “المجمع الانتخابي”. وما حصل في انتخابات عام 2016 مشابه لما حدث في انتخابات عام 2000، فقد فاز “جورج بوش الابن”، مرشح الحزب الجمهوري بالانتخابات بالرغم من حصوله على أصوات أقل من منافسه مرشح الحزب الديمقراطي “آل غور” بفارق 540 ألف صوت؛ وذلك لأن “جورج بوش الابن” حصل على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي والمتمثل في 271 صوتًا، ليصبح رئيسًا للولايات المتحدة.
أيضًا، فقد كانت الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 1888 شاهدة على حالة فوز مشابهة نتيجة لتصويت أعضاء المجمع الانتخابي، فقد فاز المرشح الجمهوري “بنجامين هاريسون” بالرئاسة على خصمه المرشح الديمقراطي “جروفر كليفلاند”، بسبب فوزه بتصويت المجمع الانتخابي وكسب أصوات 233 من أعضاء المجمع الانتخابي مقابل 168 صوتًا لـ”جروفر كليفلاند”، بالرغم أن التصويت الشعبي كان لصالح “كليفلاند”.
المجمع الانتخابي (Electoral College) هو هيئة انتخابية رسمية مهمتها انتخاب الرئيس التنفيذي للولايات المتحدة الأميركية ونائبه، ويعاد تشكيله كل أربع سنوات. ويمكن القول إن المجمع الانتخابي مثال للانتخابات غير المباشرة، أي أن الشعب الأميركي فعليًا ليس هو من يقرر رئيسه المنتخب عن طريق التصويت المباشر، بل يتم التصويت لصالح أعضاء المجمع الانتخابي في تصويت شهر نوفمبر، الذين بدورهم يختارون المرشح الرئاسي في تصويت شهر ديسمبر طبقًا للعديد من العوامل.
بمعنى أنه خلال التصويت الشعبي، في شهر نوفمبر، فإن الناخبين الأميركيين وعن طريق تصويتهم، فهم يعطون تلميحًا لأعضاء المجمع الانتخابي في الولايات التي تتبع نتيجة التصويت الشعبي لاختيار المرشح الرئاسي، عمَّن هو المرشح الرئاسي المفضل لهم ليقوموا بالتصويت له لاحقًا في شهر ديسمبر.
طبقًا للدستور الأميركي، فإن القانون الفيدرالي للولايات المتحدة الأميركية لا ينص على أن يُجبر أعضاء المجمع الانتخابي على أن يصوتوا وفقًا لنتيجة التصويت الشعبي أو لمرشح الحزب السياسي الذي ينتمون له، لكن يختلف النهج المتبع من ولاية لأخرى، إذ إن بعض الولايات تطلب من أعضاء المجمع الانتخابي بها التصويت للمرشح الرئاسي بناء على نتيجة التصويت الشعبي، مثل: ولاية واشنطن، وكولورادو، وهاواي. بينما هناك ولايات تطلب من أعضاء المجمع الانتخابي بها التصويت وفقًا لاختيار الحزب الحاكم للولاية، مثل: ولاية تكساس، وفلوريدا، وأوكلاهوما.
ابتداء من يناير لعام 2021 سيدخل حيز التنفيذ قانون الميثاق الوطني للتصويت الشعبي المشترك بين الولايات (NPVIC). وهو عبارة عن اتفاق بين مجموعة من الولايات الأميركية، بالإضافة إلى مقاطعة كولومبيا، لمنح جميع أصوات المجمع الانتخابي في هذه الولايات للمرشح الرئاسي الذي يفوز بالتصويت الشعبي في جميع الولايات ومقاطعة كولومبيا. يهدف هذا القانون إلى ضمان اختيار المرشح الذي اتفق عليه أغلبية الشعب الأميركي. وعدد الولايات التي انضمت لهذا الاتفاق حتى يناير من عام 2021 هي خمس عشرة ولاية ومقاطعة كولومبيا. هذه الولايات لديها 196 صوتًا من أعضاء المجمع الانتخابي، وهذا يعادل 36٪ من الهيئة الانتخابية و73٪ من 270 من الأصوات اللازمة لترجيح كفة الفوز للمرشح الرئاسي. ومن المتوقع زيادة أعداد الولايات المنضمة لهذا الاتفاق مع مرور الوقت.
نشأت فكرة المجمع الانتخابي في المؤتمر الدستوري الذي عقد في ولاية فيلادلفيا عام 1787، وبحضور ممثلين عن الولايات الثلاث عشرة الأعضاء ذلك الوقت، وهو نفس المؤتمر الذي تمَّ خلاله الانتهاء من وضع الدستور الأميركي. نظرًا لاتساع الأراضي الأميركية، لم يكن من السهل على الناخبين الأميركيين المشاركة في التصويت الرئاسي، وذلك لصعوبة التنقل وبدائية وسائل الاتصال. لذا، تمَّ التوصل لقرار من واضعي الدستور بإنشاء ما يسمى بالمجمع الانتخابي، ليتم منح فرصة أكبر للشعب الأميركي بالمشاركة في التصويت في الانتخابات الرئاسية ولا يتم حصرها فقط على طبقة النبلاء أو السياسيين. كان لهذا القرار صداه الإيجابي في جميع الولايات، خصوصًا أصغرها مساحة، لأنه يعمل على تأكيد مشاركتها السياسية وإيصال صوتها لمراكز صنع القرار.
تقوم كل ولاية باختيار أعضاء المجمع الانتخابي فيها لفترة تستمر أربع سنوات، وذلك طبقًا لنظامها الانتخابي الخاص بها، ويكون موعدهم للتصويت الرئاسي في أول يوم ثلاثاء بعد أول يوم اثنين من شهر نوفمبر في السنة الأخيرة لرئاسة الرئيس الأميركي، ويسمى بالثلاثاء الكبير.
تمَّ اختيار شهر نوفمبر والاتفاق عليه بالإجماع لانتخاب الشعب الأميركي في جميع الولايات عام 1845، بعد أن كان الانتخاب يتم بتواريخ مختلفة في عدد من الولايات، إذ يأتي بعد فترة الحصاد، وبوقت كافٍ قبل بدء العواصف الثلجية في فصل الشتاء، مما يعني عدم الانشغال الكلي للناخبين من المزارعين، ويسمح لسكان الولايات الباردة بالخروج للانتخاب، فضلاً عن أنه تمَّ اختيار يوم الثلاثاء كي لا يضطر الناخبون للسفر يوم الأحد للإدلاء بأصواتهم مما سيعيقهم عن حضور القداس.
كل ولاية لها عدد معين من الأصوات في المجمع الانتخابي بما يتناسب مع عدد سكانها، وهو نفس عدد ممثليها في الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب. فعلى سبيل المثال، تعتبر ولاية كاليفورنيا من أكبر الولايات الأميركية من حيث عدد السكان ولها 55 صوتًا، بينما تملك ولاية فيرمونت ثلاثة أصوات فقط وهو العدد المحدد للولايات الصغيرة.
أيضًا، تمتاز جميع الولايات باحتساب كل أصوات أعضاء المجمع الانتخابي بها تبعًا للأغلبية في التصويت بها. بمعنى أنه عندما يصوت أكثر من نصف أعضاء المجمع الانتخابي في إحدى الولايات لمرشح ما، فإن جميع أصوات أعضاء المجمع الانتخابي في هذه الولاية تذهب للمرشح ذي الأغلبية في التصويت، يُستثنى من هذا ولايتا ماين ونبراسكا اللتان تُحتسب فيهما أصوات أعضاء المجمع الانتخابي طبقًا لنسبة الأصوات لكل مرشح.
ختامًا، مالا يعلمه الكثير، أنه رغم إعلان اسم المرشح الرئاسي الفائز بالرئاسة الأميركية في شهر نوفمبر، فإن الحسم الرئاسي لم ينتهِ حتى إعادة أعضاء المجمع الانتخابي لتصويتهم واعتماده في شهر ديسمبر، إذ يجتمعون في يوم الاثنين بعد ثاني يوم أربعاء في شهر ديسمبر، ويصادف في هذه الانتخابات يوم 14 من ديسمبر، وكان هناك احتمالية أن يخسر المرشح الذي تمَّ إعلان اسمه ويكون منافسه هو الرئيس المقبل. أحد هذه الاحتمالات أن يغير مندوبو المجمع الانتخابي اسم مرشحهم، فالدستور الأميركي لا ينص على أن يصوت مندوبو المجمع الانتخابي للمرشح الفائز في الولاية التي فاز فيها بأصوات الناخبين، كما لا ينص أن يصوت مندوبو المجمع الانتخابي لرئيس الحزب الذي يتبعونه. فالمندوبون، يوم 14 ديسمبر، سيعيدون التصويت رسميًا لانتخاب رئيس للولايات المتحدة، وتُعتمد ترشيحاتهم النهائية التي جاءت تأكيدًا لفوز “جوزيف بايدن”، بعدها يُقر الكونغرس الأميركي نتائج التصويت يوم 6 يناير، وذلك قبل أن يتم تنصيب المرشح الفائز، ويتولى مهام عمله في 20 يناير 2021. أي أنه كانت هناك فرصة مواتية لهم لتغيير اختيارهم السابق لصالح المرشح الرئاسي الآخر. والاحتمال الآخر، هو تغير اسم المرشح الفائز في الانتخابات الرئاسية، وليتم ذلك ينبغي إثبات عدم نزاهة الانتخابات. فانتخابات هذا العام شابها الاتهام بعدم النزاهة بسبب التصويت عن طريق البريد. وهذا الأمر متداول بعدما أعلن البيت الأبيض فتح تحقيق بسبب أنباء عن خروقات أمنية طالت النظام الإلكتروني للتصويت. وتشير الاتهامات إلى أن الأحزاب المتنافسة تقف خلفها، كنوع من التشكيك بأن النتيجة المعلنة قد لا تعكس الرغبة الحقيقية للناخبين الأميركيين.
كاتبة متخصصة في العلاقات والمنظمات الدولية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر