سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إيساتي آثي
قبل عام واحد، أُعلنت هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا والعراق. ومنذ ذلك الحين، انصبَّ الكثير من الاهتمام على مصير المقاتلين الأجانب في التنظيم، ولاسيَّما المخاوف الأمنية المتعلقة بعودتهم. ومع ذلك، فقد أُولِي القليل من الاهتمام بأطفال المقاتلين الأجانب، وبخاصة أولئك الذين قُتِلوا في سوريا والعراق، والذين جاؤوا مع أسرهم للمنطقة.
تشير التقديرات إلى أن حوالي 12% من بين أكثر من 40 ألف من مقاتلي “داعش” الأجانب من حديثي السن. كما أنه من المرجح أن يكون آلاف الأطفال قد ولدوا في العراق أو سوريا لمقاتلين أجانب. ورغم هذه الأرقام، فإنها لا تشمل هؤلاء القاصرين الذين ولدوا في المناطق المحاصرة أو الذين يعيشون فيها، أو الذين ولدوا دون أن يتم إثباتهم في السجلات المدنية، أو حتى أولئك الذين لم تتعرف السلطات على مصيرهم.
وكذلك، هناك حالات لأطفال غادروا “داعش” بمفردهم. وكثيرًا ما يتم النظر إلى القاصرين بموجب اتفاقية حقوق الطفل على أنهم دون سن الثامنة عشرة، وهم يمثلون جزءًا مهمًا يصعب تقديره وتقييمه والتعامل معه، بل إنهم في حاجة إلى التركيز عليهم بشكل خاص. وفي حين أن تجنيد الأطفال وإشراكهم في الصراعات المسلحة لا يمثل اتجاهًا جديدًا، فإن ارتباطهم بالإرهابيين والجماعات المتطرفة العنيفة يمثل ظاهرة حديثة إلى حد ما. لكن تنظيم “داعش” الإرهابي يختلف عن التنظيمات الإرهابية الأخرى، إذ إنه تمكن من جذب الكثير من المتطرفين من دول عديدة حول العالم. وفي إطار الاهتمام العالمي بمكافحة الإرهاب، فإن غالبية دول العالم تدعو إلى ضرورة إعادة تأهيل المقاتلين الأجانب، وتحقيق التوازن بين وضعهم الخاص وأولويات الأمن القومي.
ونتيجة للضغوط التي يبديها المتطرفون والإرهابيون، أصبحت طرق التعامل مع عودة المقاتلين الأجانب وإعادة تأهيلهم ودمجهم، مسألة عقابية بدرجة كبيرة. حيث يُنظر إلى الأطفال على أنهم يمثلون تهديدات أمنية محتملة، بل و”قنابل موقوتة”. وهو المفهوم الذي تمَّ تعزيزه بواسطة تنظيم “داعش” الذي يصنف الشباب كأوصياء على توجهاته الأيديولوجية في إطار ما يعرف بـ”جيل الأشبال” الذين سيصبحون أسود الغد. والحقيقة أن “داعش” قد دعمهم بالتدريب والمشاعر العنيفة منذ سنهم المبكرة. كما أنهم شاركوا على نطاق واسع، ولا سيَّما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في لقطات فيديو لتلقين الأطفال وتجنيدهم، أو حثهم على المشاركة في أعمال العنف. وقد ساهم هذا التوجه في عدم النظر إليهم كضحايا بشكل عام.
ونتيجة لذلك، يُنظر إلى عودة هؤلاء الأطفال وإعادة دمجهم وتأهيلهم في مواجهة أولويات الأمن القومي وجهود مكافحة الإرهاب. وهكذا، كانت عملية إعادة الأطفال إلى أوطانهم بطيئة إلى حد ما، وهو ما تمَّ تنفيذه على أساس كل حالة على حدة من قبل معظم الدول.
ومع ذلك، فإن عودة أطفال المقاتلين الأجانب وإعادة إدماجهم، يمثل جزءًا لا يتجزأ من جوانب الأمن القومي. ذلك أن تركهم معزولين في المناطق التي كان يسيطر عليها “داعش” سابقًا مع حصولهم على الاحتياجات الأساسية بشكل محدود جدًا، فضلاً عن عدم وجود شعور بالانتماء، ومنطق الصدمة غير المدروسة، والإحباط، بالاضافة إلى المستقبل الغامض الذي ينتظرهم، كل ذلك يمثل تهديدًا أمنيًا على المدى الطويل.
والواقع هو أن هؤلاء الأطفال يقعون ضحايا لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وعلاوة على ذلك، تشير التقديرات إلى أن غالبية أطفال المقاتلين الأجانب تقل أعمارهم عن خمس سنوات، بل إنه من المرجح أنهم ولدوا في المناطق التي كانت يسيطر عليها “داعش”. فبموجب القانون الدولي، يجب اعتبار جميع الأطفال المرتبطين أو المجندين في جماعات مسلحة أو إرهابية، أولاً وقبل كل شيء، ضحايا، وهو ما يوجب ضرورة أن تتواءم السياسات دائمًا مع مصلحة الأطفال.
وفي الوقت الحالي، يعيش معظم أطفال “داعش” من الأجانب بسوريا في مخيمات اللاجئين، حيث الظروف المعيشية العصيبة. وبحسب التقارير الرسمية، يتم احتجاز هؤلاء الأطفال أيضًا في مراكز خاصة بالعراق، حيث يحدد السن القانونية للمسؤولية الجنائية بعمر تسع سنوات. وقد تمَّ الإبلاغ عن العديد من حالات التعذيب للمعتقلين في العراق، وهو ما أثار الكثير من المخاوف بشأن عدم اتباع الإجراءات القانونية الصحيحة والمحاكمات السريعة. ومن وجهة نظر القانون الدولي، فإن اعتقال الأطفال واحتجازهم أو سجنهم، يعتبر تدبيرًا أخيرًا لأقصر فترة زمنية ممكنة. بالإضافة إلى ذلك، وتماشيًا مع كونهم ضحايا، لا يجوز احتجاز الأطفال والتحقيق معهم، ولا يمكن مقاضاتهم بناء على انتمائهم، ولا يجب مقاضاتهم بسبب وجودهم غير القانوني أو الدخول غير القانوني في دولة ما.
ومع ذلك، فقد انتقلت بعض الدول لمقاضاة القُصَّر باعتبارهم بالغين، وذلك بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، حيث يعملون على تخفيض سن المسؤولية الجنائية لمقاضاة الأطفال على الجرائم التي تتعلق بالإرهاب أو الاشتباه في ارتباطهم بـ”داعش”. كما تتناسب هذه المناورات في سياق التحقيق الحالي، لكن ذلك الأمر مشكوك فيه من المنظور القانوني، حيث تنطبق مع القواعد والمعايير العامة لمقاضاة الأطفال الأحداث. فمن غير المستبعد وضع الأطفال في إطار النزاعات المسلحة محل المسؤولية الجنائية والمساءلة عن الجرائم الخطيرة، ولكنه يستلزم الأخذ بالحسبان حقهم في الإجراءات الواجبة المتعلقة بالأطفال، وبمعايير المحاكمة العادلة المعترف بها دوليًا للأحداث بناء على عامل السن واحتياجاتهم ومواطن الضعف المحددة لهم.
ورغم عدم وجود رؤية عالمية موحدة بشأن المسؤولية الجنائية، أوصت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل بأنه لا ينبغي أن يقل عمر الطفل عن 12 عامًا. وقد أدى غياب تلك الرؤية العالمية للدول بتطبيق مقاربة فضفاضة حول احتجاز هؤلاء القاصرين ومقاضاتهم. وفي حين دعا الخبراء إلى عودة أطفال المقاتلين الأجانب وإعادة دمجهم والحاجة إلى تلبية احتياجاتهم الخاصة، فإن تأثير هذه الدعوات كان محدودًا؛ لأن المسؤولية الرئيسية تقع في المقام الأول على عاتق الدول، بما يتوافق مع ظروفها الداخلية.
ومن ثَمَّ، فقد ترتب على الطريقة التي اعتمدتها العديد من التحديات، حيث يتم تعيين جنسية الأطفال في المقام الأول، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا في سياق النزاعات المسلحة. وأكثر من ذلك، ما يتصل بـ”داعش” حول إمكانية الوصول إلى أقرب قنصلية أو سفارة، ما يعني في كثير من الأحيان عبور الحدود وسط العنف المستمر. وعلاوة على ذلك، فقد أدى تعقيد الصراع إلى عدد من الحالات التي تتطلب استجابات مختلفة. فغالبًا ما يجد الأطفال الذين يولدون في مناطق “داعش” والذين حصلوا على وثائق الولادة الخاصة بهم، أن وثائقهم غير معترف بها دوليًا. كما قد تكون وثائق الهوية لديهم قد أُتلفت في القتال. وكثيرًا ما كان الأطفال يفقدون كلا الوالدين، أو آبائهم، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا بالنسبة للبلدان التي يمكن الحصول فيها على الجنسية بسهولة؛ ويعني ذلك أيضًا أن هؤلاء الأطفال غير قادرين على الوصول إلى خدمات الصحة العامة أو التسجيل المدني، فيُتركون في فراغ قانوني ويواجهون التمييز.
وقد أثارت هذه العوامل، مقترنة بصعوبة أخذها في الاعتبار، القلق بشأن خطر خلق “جيل من عديمي الجنسية”. وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك اتفاقية حقوق الطفل، على حق الطفل في الحصول على الجنسية. كما تحظر “اتفاقية خفض حالات انعدام الجنسية” الحرمان التعسفي من الجنسية إذا جعلت الشخص عديم الجنسية. ويمكن للدول أن تعمل على معالجة العقبات المادية والإدارية أمام عودة هؤلاء الأطفال، وإعادة الأطفال المواطنين بالأساس، وذلك من خلال إصدار وثائق سفر مؤقتة، على سبيل المثال، والعمل مع منظمات أخرى مثل “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”.
كذلك، فإن ثمة تحديًا آخر يتعلق بكون السياسات والبرامج المصممة خصوصًا لمساعدة هؤلاء الأطفال ترتبط في كثير من الأحيان مباشرةً بالسياسات الخاصة بأمهاتهم، أي زوجات المقاتلين الأجانب. ومع ذلك، فإن الاحتياجات والاستجابات الفورية لهؤلاء النساء والأطفال تختلف ولا يمكن الخلط بينها. وأكثر من ذلك، أن معظم الدول كانت مترددة في إعادة الأمهات إلى أوطانهن بسبب المعلومات المحدودة المتاحة عن أدوارهن الدقيقة في النزاع المسلح. وعلاوة على ذلك، فإن ربط مصير الأطفال بالأمهات يمكن أن يؤخر عودتهم وإعادة دمجهم بالنظر إلى القدرات المحدودة للسلطات العراقية والسورية لتوفير معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب عن هؤلاء النساء.
إن الظرف الراهن يتطلب التعاون وتبادل المعلومات بين الدول من أجل عودة الأطفال، رغم أن بعضهم قد يكون مؤهلاً للحصول على جنسيتين، فينبغي أن يشمل التنسيق – أيضًا – المشاركة مع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة في مجال حماية الطفل، مثل: “منظمة الأمم المتحدة للطفولة”، و”مكتب الأمم المتحدة للممثل الخاص للأمين العام” المعني بالأطفال والصراعات المسلحة، لضمان الامتثال الكامل لإطار حقوق الطفل ولإرساء أسس قابلة للبقاء ووضع بدائل لإعادة اندماجهم.
وبجانب الوضع القانوني، فإن مسألة إعادة الإدماج على المدى الطويل لهؤلاء القصَّر تمثل – أيضًا – شاغلاً رئيسًا، بما في ذلك علاجهم البدني والنفسي وإعادة إدماجهم في المجتمع. وهنا ومرة أخرى، فإن التنسيق بين الأخصائيين الاجتماعيين والأخصائيين النفسيين والمتخصصين في حماية الأطفال والمنظمات والجهات الفاعلة القانونية، أمرٌ بالغُ الأهميةِ. فالحفاظ على الأطفال في بيئة أسرية يُعدُّ – أيضًا – جانبًا مهمًا من إعادة الدمج، خاصة بالنسبة لمن لديه طفلان وُلدا في مناطق الصراع، وكذلك الذين تكون هويتهم الوحيدة المعروفة هي أنهم جزءًا من “داعش”. كما يمكن للعائلات تقديم الدعم النفسي والمساعدة في التعامل مع الصدمة، ومع ذلك، ربَّما يكون من الصعب تحديد قدرة الأسر على رعاية الأطفال المصابين بصدمات نفسية، وهو ما يؤكد على أهمية ضمان رؤية متعددة الجوانب لأصحاب المصلحة.
كذلك يجب أن تراعي مبادرات إعادة الإدماج حساسيات النوع والسن. فالأطفال الأكبر سنًا، على سبيل المثال، أكثر عرضة للعنف والتلقين. وبالمثل، فإنه من المحتمل أن تكون التجارب الصادمةللأطفال مختلفة، وعلى سبيل المثال: انعكاس ذلك عليهم بشكل معقد بسبب الاستغلال والاعتداء الجنسي. وعلى هذا النحو، فبالنسبة للأطفال الأكبر سنًا، ربَّما يتطلب الأمر زيادة تقييم المخاطر ورصدها بناءً على أدوارهم، مع مراعاة مصلحة الطفل على الدوام.
ولمَّا كان التوتر بين حماية الأطفال وتحديد أولويات الأمن القومي ما زال قائمًا، ينبغي الاعتراف بأن التقاعس في ترك الأطفال دون مسار واضح للأمام، يعدُّ أسوأ السيناريوهات الممكنة، وذلك إذا كان الهدف هو التخفيف من “التهديدات” الأمنية.
وأخيرًا، فإن وضع أطفال “داعش”، لا يتعلق فقط بالأمن القومي لدولة واحدة، بل بمستقبل العراق وسوريا ودول أخرى، إذ تتطلب تجربة هؤلاء الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح – بمن فيهم مواطنو العراق وسوريا – استراتيجيات ونُهُجًا يساعد على ضمان مساعدة هذا الجيل من الأطفال ليكونوا مساهمين إيجابيين في بلادهم.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: المرصد العالمي The Global Observatory
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر