سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
يكشف التصعيد المتبادل بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والحكومة وحزب العدالة والتنمية من جهة وقوى المعارضة من جهة أخرى، سواء عبر الخطاب السياسي أو الإعلامي، عن سعى الأخيرة إلى تحقيق مكاسب سياسية على المديين القصير والمتوسط، من خلال توظيف التوتر الذي تتسم به العلاقات بين تركيا والعديد من القوى الدولية والإقليمية، فضلاً عن تفاقم الأزمة الاقتصادية بسبب السياسات التي تتخذها الحكومة. ويتوازى ذلك مع تحركات مكثفة تقوم بها المعارضة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية عبر استحداث تحالفات مناوئة للحزب الحاكم وحلفاءه، وتزايد مساحة الاستقطاب استعداداً لخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر عقدها في يونيو 2023.
تصعيد متبادل:
شهدت الفترة الأخيرة تصعيداً متبادلاً بين الطرفين. إذ أكد الرئيس أردوغان، في 26 يناير الفائت، أن “حزب الشعب الجمهوري فقد هويته السياسية وتحول إلى مركز لترويج الأكاذيب”، وهو ما تزامن مع هجوم بعض المسئولين على أحزاب المعارضة، مثل وصف رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون خطاب أحزاب المعارضة بـ”المتشدد”، لأنه، في رؤيته، يستهدف بشكل منهجي جميع مؤسسات وموظفي الدولة.
في المقابل، أكدت بعض قوى المعارضة، في مؤتمر صحفي جمع رئيس حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان، ورئيس حزب السعادة تميل كرم الله أوغلو، في 25 يناير الفائت، أن “السلطات لجأت إلى العنف السياسي للتخلص من الديمقراطية”، وأن “تركيا تشهد يومياً حالات من العنف السياسي للتخلص من المعارضين”.
وتوازى ذلك مع تصاعد حدة الحملات الإعلامية المتبادلة، حيث سعى الطرفان إلى الترويج لتراجع شعبية كل منهما، وإلقاء الضوء على الانشقاقات التي تؤثر على تماسكهما الحزبي. ففي هذا السياق، نشرت وسائل الإعلام التابعة لحزب العدالة والتنمية تقارير تكشف عن تزايد الانشقاقات داخل أحزاب المعارضة خلال الفترة الأخيرة، منها إبراز تقديم 3 نواب من حزب “الشعب الجمهوري” المعارض، استقالاتهم من البرلمان، وذلك احتجاجاً على السياسة التي يدار بها الحزب، إلى جانب إعلان القيادي المنشق عن الحزب مصطفى ساريغول عن تشكيل حزب جديد هو “حركة التغيير”، فيما تسود التوقعات بإعلان المرشح الرئاسي السابق محرم إنجه عن تأسيس حزب “وطن” في مارس المقبل، والذي قد ينجح في استقطاب نواب من حزب “الجيد” الذي تقوده ميرال أكشنار للانضمام إليه.
في حين ركزت وسائل إعلام المعارضة على استطلاعات الرأى التي أجرتها بعض الشركات المعنية باستطلاعات الرأى العام، والتي تكشف تراجع شعبية الرئيس أردوغان وحزب “العدالة والتنمية”، كان آخرها “شركة ماك لاستطلاعات الرأى”، والتي كشفت أن 1 من كل 3 شاركوا في استطلاع للرأى، أعلن محمد علي قولات رئيس الشركة نتائجه في 30 يناير الفائت، أعربوا عن “ندمهم” للتصويت لحزب “العدالة والتنمية” خلال انتخابات عام 2018، وأن معظم من قالوا هذا هم من أنصار الحزب، واعتبروا حزب “الخير” وحزب “المستقبل” وحزب “ديفا” وجهتهم الجديدة.
دوافع عديدة:
يمكن تفسير التصعيد الحالي في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- تغيرات سلبية: شهدت تركيا خلال السنوات الأخيرة تطورات راديكالية مفاجأة في العديد من المجالات، منها تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، وصاحب ذلك تقويض الممارسات الديمقراطية وتزايد انتهاكات حقوق الإنسان، بالتوازي مع انتهاج سياسة خارجية أدت إلى تدهور علاقات أنقرة مع بعض القوى الإقليمية والدولية، وانعكس ذلك برمته على الوضع الاقتصادي الذي تراجع بشكل ملحوظ وفرض تداعيات لا تبدو هينة على المواطن التركي، خاصة بعد جائحة كورونا، الأمر الذي أتاح للمعارضة فرصة يمكن توظيفها لشن حملات مستمرة ضد الرئيس والحكومة والحزب، على نحو دفعهم إلى تصعيد الخطاب المناوئ للمعارضة في الفترة الأخيرة، وحشد جميع أدوات الهجوم عليها.
2- إعادة هيكلة التحالفات: تسعى العديد من القوى السياسية إلى تغيير شكل الخريطة السياسية وأنماط التحالفات والائتلافات، وهو ما انعكس في محاولات أردوغان ضم حزب “السعادة” إلى تحالفه مع “الحركة القومية” تحت اسم “تحالف الشعب”، في مقابل تحرك المعارضة لتنظيم صفوفها، على نحو بدا جلياً في مطالبة نائب رئيس حزب “الشعوب الديمقراطي” للشئون الخارجية هوشيار أوزسوي، في 16 ديسمبر 2020، أحزاب المعارضة بـ”الاتفاق حول برنامج ديمقراطي كبديل لحكومة حزب العدالة والتنمية وحلفائه”، وذلك بالتوازي مع تحركات لتأسيس أحزاب جديدة، الأمر الذي قد يكون له أثر سلبي على تماسك المعارضة ككل، وتشتيت الأصوات، خاصة وأن هناك انقسامات داخل تلك الأحزاب نتيجة محاولات الاستقطاب السياسي التي يشهدها المجتمع.
3- التمهيد للانتخابات البرلمانية والرئاسية: بدأ الجدل يتصاعد حول تلك الانتخابات بسبب الضغوط التي تمارسها قوى المعارضة لإجراء انتخابات مبكرة نتيجة عدم قدرة الحكومة على مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة. ويبدو أن ذلك كان أحد الأسباب التي دفعت الرئيس أردوغان إلى إجراء تغيير في حساباته، عبر إقصاء صهره برات ألبيراق وزير الخزانة والمالية ومحافظ البنك المركزي مراد اويسال في 7 و8 نوفمبر 2020، إلا أن ذلك تم توظيفه من قبل المعارضة لإضفاء وجاهة على مقاربتها القائمة على أن هناك خللاً في إدارة الاقتصاد التركي، وأن القرار جاء متأخراً. واللافت في هذا السياق، أن فرص المعارضة في تحقيق نتائج ملموسة في الانتخابات المقبلة تزايدت مؤخراً، خاصة في حالة إجراءها مبكراً، نتيجة تراجع نفوذ وشعبية حزب “العدالة والتنمية” خلال السنوات الأخيرة، وهو ما انعكس في انشقاق عدد من أعضاءه الذين اتجهوا إلى تأسيس أحزاب جديدة.
4- سياق دولي مناوئ: تصاعدت حدة الانتقادات على الساحة الدولية تجاه السياسة التي تتبناها تركيا إزاء بعض الملفات، خاصة الحرب في سوريا وليبيا والصراع على موارد الغاز في شرق المتوسط، والتدخل في أزمة إقليم ناجورني قره باغ. وتوازى ذلك مع اتساع نطاق الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية بسبب إبرام الأولى صفقة صواريخ “إس 400” مع روسيا، وهو اتجاه ربما يكون مرشحاً للاستمرار مع بداية عهد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي طالبت تركيا، في 28 يناير الفائت، بسحب قواتها والمرتزقة التابعين لها من ليبيا. ويبدو أن المعارضة تحاول استثمار ذلك لتعزيز شعبيتها وتقليص نفوذ الحزب الحاكم قبيل الانتخابات القادمة.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن التحركات التي تقوم بها المعارضة، فضلاً عن الأزمات المتعددة التي تواجهها تركيا على المستويات المختلفة دفعت الرئيس والحكومة والحزب إلى إجراء بعض التغييرات في السياسات المتبعة، إلا أنه لا يرجح أن تتواصل تلك التغييرات أو أن تؤثر على الاتجاهات العامة التي تتبناها تلك الأطراف، على نحو يوحي بأن التوتر والتصعيد سوف يبقى سمة غالبة في التفاعلات التي تشهدها تركيا على الصعيدين الداخلي والخارجي.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر