أزمة مخاض العالم الجديد | مركز سمت للدراسات

أزمة مخاض العالم الجديد

التاريخ والوقت : الإثنين, 28 مارس 2022

أمجد المنيف

 

قبل فترة، أعلن عدد من الأندية الأوروبية الكبيرة رسميًا، إطلاق “دوري السوبر”، وهي مسابقة خاصة تهدف إلى منافسة دوري أبطال أوروبا، كإعلان حرب على الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الذي تعهد بمعاقبة الأندية ولاعبيها لاحقًا. واعتبر الأغلبية أن هذا التحرك مفاجئ، أو حديث على أقل اعتبار. والحقيقة أنه لا يمكن التعاطي معه كفكرة دوري مستقل، أو لعبة كرة قدم ومشجعين، وإنما خطوة ضمن منظومة تغيير كبيرة.

وعلى الرغم من ردود الفعل التي أجهضت المشروع، إلى حد كبير، بعدما انتقد مسؤولون وقادة سياسيون الأندية المعنية، وعلى رأسهم رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” الذي قال: “إنه يتعين عليهم الرد على جماهيرهم”، فإن هذا التوقف وقتي، من وجهة نظري.

انشغل الجميع بردة فعل الفيفا الرسمية – آنذاك – بعدما أعرب عن “استيائه” من الإعلان، قائلاً في بيان: إنه “في ظل هذه الخلفية، لا يمكن لفيفا إلا أن يعبر عن رفضه للدوري السوبر خارج هياكل كرة القدم الدولية وعدم احترامها للمبادئ”، لكنها تجاهلت المصادر التي تحدثت عن منح رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، “جياني إنفانتينو”، الضوء الأخضر لرؤساء تلك الأندية المشاركة في “السوبر ليج” لتأسيس تلك البطولة!

تقول بعض المصادر الإعلامية، إن “إنفانتينو” كان لديه علم بكل ما دار بين رؤساء تلك الأندية من اجتماعات على عكس ما تم إعلانه في العلن من رفض لإطلاق تلك البطولة إلى النور، وأن الفيفا تعرض لضغط كبير من قِبل رئيس الاتحاد الأوروبي “ألكسندر تشيفرين”، الذي أجبره على إصدار بيان رفض إقامة البطولة.

بالتوازي، تمامًا، تأتي ثورة العملات الرقمية لتحاول إلغاء ما تصفه بـ”سيطرة وتحكم البنوك المركزية”. أعلنت المفوضية الأوروبية، نهاية العام الماضي تقريبًا، عن تخطيطها لقانون جديد يهدف إلى تنظيم العملات الرقمية، في أول محاولة لفرض الإشراف التنظيمي على هذه التقنية الناشئة. وقالت الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي وقتها إن “مستقبل الخدمات المالية رقمي”، ولكن من المهم التخفيف من “أي مخاطر محتملة”.

ولملاحقة ذلك، أطلق الرئيس الأميركي “جو بايدن”، قبل أسبوعين تقريبًا، مشروع دولار رقمي، في إطار جهود واسعة النطاق لفرض ضوابط على قطاع العملات المشفرة، وفقًا لما أعلن البيت الأبيض. وجاء في بيان أن “بايدن” وقع مرسومًا يطلب فيه من إدارته “إيلاء أهمية قصوى للبحث والتطوير، بغية التوصل إلى عملة رقمية للمصرف المركزي” في الولايات المتحدة، التي تهيمن عملتها على قطاع المال في العالم.

في المقابل الشرقي، تخطط الصين لجعل اليوان الرقمي قابلاً للاستخدام الدولي دون أي رابط بالنظام المالي العالمي الذي يهيمن فيه الدولار الأميركي، وبالتالي في حال رواج هذه العملة الافتراضية، فإنها قد تشكل تهديدًا، وربَّما تحدث زلزالاً في النظام المالي المسيطر منذ الحرب العالمية الثانية.

جنبًا إلى جنب، يأتي التغول التقني بكل ما أوتي من بيانات ونفوذ، محاولاً تحدي الدول والمسؤولين، والتمدد رغمًا عن المحاذير، ومحاولة التأثير والتغيير.. معظمها بدعم حكومات محددة، وقليل منها بشكل ارتجالي، تتقاطع في الهدف غالبًا. تشير بعض التحليلات إلى صراع مستقبلي محتمل بين الحكومات والشركات، ليكون الفائز هو من يمسك بزمام الوصول للشعوب، وعلى الآخر الالتزام.

ولعل أبرز مظاهر التغول التقني، المكانة والأهمية المتزايدة التي يكتسبها الذكاء الاصطناعي الذي يمكن اعتباره موردًا قيمًا في حياتنا اليومية. لا خلاف الآن على أن المستقبل، أو على الأقل معلمه الرئيس، يعتمد بشكل أساسي على الذكاء الاصطناعي، كرأس حربة في الثورة التقنية التي شهدها العالم خلال العقود الأخيرة. إن تبعات الانتشار الكبير للذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب، تحتم على من يرغب أن يحجز لنفسه موطئ قدم في العالم الجديد، أن يخوض غمار هذا المجال التقني، ويواكبه، بل ويتقدم الصفوف، وإلا سيصبح جزءًا من الماضي.

إن وجود قوى جديدة تزاحم الموجودة حاليًا، لم يعد مقصورًا على مجال بعينه، ولعل أهم المجالات التي تأثرت بهذا الصراع، المجالات العسكرية والتقنية.

تزايد التقنية في المجال العسكري أسفر عن ظهور ما يعرف بـ”الجيش الذكي الصغير”. أحد أسس بناء هذا الجيش الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات لزيادة قدرات المقاتلين، والتقدم التكنولوجي في التصنيع الحربي. أيضًا، صناعة الترفيه هي الأخرى ليست بمنأى عن تحديات المستقبل، التي اختلفت تمامًا عن تحديات ما قبل بضع سنوات. ففي هوليوود مثلاً، وبعد أن كانت القرصنة هي الكابوس المزمن، ظهرت تحديات مثل جائحة كورونا وتبعاتها، وظهور المنصات مدفوعة الأجر، وتقنيات الواقع الافتراضي (Virtual Reality)؛ كل ذلك يحتم على العاملين في الصناعة ملاحقة التطور، مع الأخذ بالاعتبار أن هوليوود دائمًا ما كانت رأس الحربة في كل تغيير، كقوة ناعمة ومدمرة للقيم والثوابت، لكنها – كما يبدو – استسلمت وسلمت الراية لـ”نتفليكس”.

الاستعراض السابق، وغيره كثير لم أشر إليه، يوضح أننا أمام صراع محتدم بين جديد يولد وقديم يحاول الصمود. وبرؤية أشمل بعيدًا عن القطرية والنظرة الضيقة، سيكون السؤال هو: هل نحن أمام تشكُّل نظام عالمي جديد؟

النظام العالمي الجديد مصطلح استخدمه الرئيس الأميركي “جورج بوش” الأب في خطاب وجهه إلى الأمة الأميركية بمناسبة إرسال القوات الأميركية إلى الخليج “بعد أسبوع واحد من نشوب الأزمة في أغسطس 1990م”، وفي معرض حديثه عن هذا القرار، تحدث عن فكرة “عصر جديد”، و”حقبة للحرية”، و”زمن للسلام لكل الشعوب”.

تزايدت أهمية الإجابة عن السؤال السابق بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، لا سيما أن غالبية التحليلات ترى الأمر أكبر بكثير من مجرد مسألة تتعلق بأمن دولة ذات سيادة، وأن المعركة في تلك الدولة الواقعة في شرق أوروبا هي نزال من أجل النظام العالمي الجديد. ترى هذه التحليلات أن الرئيس الروسي يهدف إلى الإطاحة بالنظام العالمي الحالي، على الأقل فيما يتعلق بالبنية الأمنية لأوروبا.

تاريخيًا، عند تغير نظام عالمي، تكون المشكلة دائمًا أن المرحلة الانتقالية بين القديم والجديد هي مرحلة دموية، تشهد سقوط تحالفات وتشكل أخرى؛ حدود تظهر وأخرى تختفي.

ليظهر السؤال: هل هذه التخمينات مجرد إغراق في نظرية المؤامرة، أم أن العالم قرر فعلاً إعادة البناء.. وفصل المعسكر الشرقي عن الغربي، والاستقطاب التام، حتى تصل لمرحلة التبعية والمقاطعة، أم كل ما نراه مجرد أضغاث أحلام؟!.. أنا أيضًا لست متأكدًا. والسلام..

 

مدير عام مركز سمت للدراسات، وكاتب سعودي*

@Amjad_Almunif

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر