العنف المنزلي في أزمة كورونا | مركز سمت للدراسات

أزمة “كوفيد ــ 19” المستجد: العنف المنزلي يتزايد في أنحاء العالم

التاريخ والوقت : السبت, 11 أبريل 2020

أماندا توب

 

قد تؤدي القيود على الحركة التي تستهدف وقف انتشار فيروس “كوفيد ــ 19” المستجد إلى جعل العنف في المنازل يتكرر وأن يصبح أكثر خطورة؛ حيث يؤدي ذلك إلى إضافة أزمة صحية عامة لحصيلة أزمة “كوفيد ــ 19” المستجد: تشير البيانات المتواترة إلى أن العنف المنزلي بات يُمارس كعدوى انتهازية، ويزدهر في الظروف التي خلفها الوباء.

فتقول “ماريان هيستر”، عالمة الاجتماع بجامعة بريستول التي تدرس العلاقات المسيئة بين الجنسين، إن هناك الكثير من الأسباب للاعتقاد بأن القيود المفروضة لمنع انتشار الفيروس سيكون لها مثل هذا التأثير، ذلك أن العنف المنزلي سيرتفع كلما قضت العائلات وقتًا أطول مجتمعين معًا، مثلما هو الحال في عيد الميلاد والعطلات الصيفية.

والآن، فمع تجمع العائلات في كافة أنحاء العالم، تبرز التقارير المثيرة المعنية بإساءة الاستخدام، وتشير إلى انصراف الحكومات لمواجهة أزمة كان يتعين عليها أن تتنبه لها مسبقًا كما يشير الخبراء.

وقد دعت الأمم المتحدة، يوم الأحد الماضي، إلى تحرك عاجل لمكافحة تصاعد العنف المنزلي في العالم. وكتب الأمين العام “أنطونيو غوتيريس” على تويتر قائلاً: “أحث جميع الحكومات على وضع سلامة النساء أولاً أثناء مواجهة الوباء”.

لكن الحكومات فشلت إلى حد كبير في الاستعداد للطريقة التي ستوفر بها إجراءات الصحة العامة الجديدة فرصًا لمسيئي التصرف ما يؤدي إلى ترويع ضحاياهم. والآن، يتدافع الكثيرون لتقديم الخدمات لأولئك المعرضين للخطر.ولكن، كما هو الحال مع مواجهة الفيروس نفسه، فإن التأخير يعني أن الضرر الذي لا يمكن إصلاحه ربَّما حدث بالفعل.

ومع إغلاق المدن في جميع أنحاء الصين، وجدت امرأة تبلغ من العمر 26 عامًا تدعى “لِيلِي” نفسها منخرطة في جدل مع زوجها، الذي كان عليها أن تقضي طوال الوقت معه في المنزل بمقاطعة “أنهوي”، شرقي الصين.ففي 1 مارس، بينما كانت “لِيلِي” تعتني بابنتها البالغة من العمر 11 شهرًا، بدأ زوجها في ضربها. ورغم أنها غير متأكدة من عدد المرات التي تعرضت فيها للضرب، فإنها في النهاية فقدت الإحساس بإحدى ساقيها، وسقطت على الأرض، ولا تزال تحمل الطفل بين ذراعيها.

وتظهر الصورة التي التقطتها بعد الحادث أن الكرسي المرتفع الذي ضُربت به ملقى على الأرض، واثنتان من رجليه المعدنيتان مكسورتان، ما يدل على قوة العنف التي تعامل بها زوجها معه. وصورة أخرى توثق إصابات “ليلي” حيث كانت كل بوصة تقريبًا من ساقيها مغطاة بالكدمات، وبقعة دموية ضخمة على كتفها الأيسر.وتقول “ليلي” التي لم توضح اسمها بالكامل من أجل سلامتها، أن زوجها أساء معاملتها طوال علاقتهما التي استمرت ست سنوات، لكن تفشي مرض” كوفيد ــ 19″ جعل الأمور أسوأ بكثير.فقالت إنه “خلال هذا الوباء، لم نتمكن من الخروج، وصراعاتنا تزايدت أكثر فأكثر”.

ومع دخول فترة الحجر الصحي حيز التنفيذ في جميع أنحاء العالم، فإن هذا النوع من “الإرهاب الحميم”، وهو مصطلح يفضله العديد من الخبراء للعنف المنزلي، يزدهر.

وفي الصين، شهدت منظمة غير حكومية مقرها بكين مكرسة لمكافحة العنف ضد المرأة، والمساواة، زيادة في المكالمات على خط المساعدة منذ أوائل فبراير، عندما أغلقت الحكومة مدنًا في مقاطعة “هوبي”، ثم مركز تفشي المرض.

وفي إسبانيا، تلقى رقم الطوارئ للعنف المنزلي مكالمات زادت بنسبة أكبر من 18% في الأسبوعين الأولين من الإغلاق مقارنة بنفس الفترة من الشهر السابق.

وتقول إحدى الناشطات المعنيات بمساعد النساء عن بعد، وتسمى أنابيلا: “لقد تلقينا بعض المكالمات المؤلمة للغاية، والتي تبين لنا بوضوح مدى شدة سوء المعاملة النفسية والجسدية التي يمكن أن تحدث عندما يبقى الأشخاص مدة 24 ساعة في اليوم معًا في مساحة محدودة”.

وكانت الشرطة الفرنسية قد أفادت، يوم الخميس الماضي، بحدوث ارتفاع ملحوظ على مستوى البلاد بنحو 30% في العنف المنزلي. وقال “كريستوف كاستانير”، وزير الداخلية الفرنسي خلال مداخلة إذاعية، إنه طلب من الضباط البحث عن أية حالة للإساءة المنزلية، حيث يعتقد “كاستانير” أن الخطر يتزايد مع فترة الحجر بالمنزل.

لا مفر

في إسبانيا، وبمساعدة الجمعيات النسائية، اتصلت صحيفة نيويورك تايمز بالنساء العالقات في المنزل مع زوج أو شريك مسيء وأجرت عددًا من المقابلات عبر “الواتس آب”WhatsApp،حيث تقول إحداهن وتدعى “آنا” التي طلبت عدم كشف اسمها بالكامل، إنها تتشارك في شقة مع شريكها، وتقول إنه يسيء معاملتها بانتظام. ويصر على السيطرة الكاملة عليها طول الوقت. فإذا حاولت أن تعزل نفسها في غرفة، فإنه يركل الباب حتى تفتح له.

وكتبت في رسالة أُرسلت في وقت متأخر من الليل حتى تتمكن من إخفاء الرسالة من زوجها: “لا يمكنني الحصول على خصوصية حتى في الحمام، والآن يجب أن أتحمل هذا في صمت”.

وقد كشفت “جوديث لويس هيرمان”، الخبيرة الشهيرة في مجال الصدمات في كلية الطب بجامعة هارفارد، أن الأساليب القسرية التي يستخدمها المعتدون المحليون للسيطرة على شركائهم وأطفالهم “تشبه بشكل غريب” أساليب أولئك الخاطفين الذين يستخدمونها للسيطرة على الرهائن وتستخدمها الأنظمة القمعية لكسر إرادة السجناء السياسيين.

وكانت كتبت في مقال نُشِر بإحدى المجلات واسعة الانتشار في عام 1992: “إن الأساليب التي تُمَكِّن إنسانًا من التحكم في إنسان آخر تبدو متسقة بشكل ملحوظ، ففي حين أن مرتكبي القمع السياسي أو الجنسي المنظم قد يوجهون بعضهم البعض بأساليب قسرية، يبدو أن مرتكبي الاعتداء المنزلي يعيدون اختراعهم”.

وبالإضافة إلى العنف الجسدي، فإن الأساليب الشائعة لسوء المعاملة تشمل العزلة عن الأصدقاء والعائلة والعمل، والمراقبة المستمرة لقواعد صارمة للسلوك، والقيود المفروضة على الوصول إلى الضروريات الأساسية، مثل: الغذاء والملابس والمرافق الصحية.

وكما يقول الدكتور “هيستر” فإن: “الانعزال بالمنزل، مهما كان حيويًا لمكافحة الوباء، فإنه يمنح المسيء المزيد من القوة، ذلك أنه إذا كان على الناس فجأة أن يكونوا في المنزل، فهذا يمنحه فرصة بشكل مفاجئ لأن يملي عليك ما يجب أن تفعله أو لا تفعله.”

كما أدت العزلة والحجر الصحي إلى تدمير شبكات الدعم، مما يزيد من صعوبة حصول الضحايا على المساعدة أو الهروب.

موارد ضعيفة ومغمورة

بعد أن اعتدى عليها زوجها بالكرسي، طافت “ليلي” بالغرفة المجاورة واستدعت الشرطة. وعندما وصلوا، قاموا بتوثيق الاعتداء فقط، ولم يتخذوا أي إجراء آخر.وبعد ذلك، لجأت إلى محامي وقدمت طلبًا للطلاق فقط، لتجد أن الوباء قد قطع عليها هذا الطريق للهروب أيضًا. وتمَّ تأجيل إجراءات طلاقها حتى أبريل، وهي لا تزال بانتظار قرار المحكمة. وقد واجهت صعوبة في العثور على منزل جديد وسط تفشي المرض، مما أجبر “ليلي” وابنتها على الاستمرار في العيش مع زوجها المسيء لأسابيع.

نمط شائع حول العالم

إن المؤسسات التي يفترض أنها تحمي النساء ضحايا العنف المنزلي، تعاني حاليًا من الضعف ونقص التمويل في ظل طلبات الاستغاثة المتزايدة. تقول “فنغ يوان”، المؤسس المشارك لمجموعة المساواة الصينية، إن لديها عميلة واحدة اتصلت بخط الطوارئ فقط لتخبرها أن الشرطة عاجزة عن تقديم الدعم والمساعدة لها، فقد قالوا لها عبر الهاتف: “يمكننا أن نصل إليك بعد الأزمة”.

وفي أوروبا، يبدو أن دولة تلو أخرى اتبعت نفس المسار القاتم؛ ففي المقام الأول فرضت الحكومات عمليات الإغلاق دون وضع أحكام كافية لضحايا العنف المنزلي. وبعد حوالي 10 أيام، تزايدت طلبات الاستغاثة، مما أثار غضبًا عامًا. وعندها فقط ستتدافع الحكومات للعمل على إيجاد الحلول.

إيطاليا كانت في المركز الأول

فقد بدأ الإغلاق في أوائل مارس. وبعد ذلك بوقت قصير، بدأت تقارير العنف المنزلي تتزايد في الظهور، ولكن لم يكن هناك مكان تذهب إليه النساء اليائسات أخيرًا. ولم تستطع الملاجئ إيواءهن لأن خطر العدوى كان كبيرًا جدًا.لذلك قالت الحكومة إن السلطات المحلية يمكن أن تطلب غرفًا فندقية لتكون ملاجئ مؤقتة، حيث يمكن سيطرة ضحايا الحجر الصحي على كافة الأماكن.وفي 14 مارس أعلنت إسبانيا الإغلاق، وهو ما قامت به فرنسا بعد ذلك بثلاث أيام. وبعد حوالي أسبوعين فقط، ومع ارتفاع أعداد تقارير العنف المنزلي، أعلن المسؤولون أنهم أيضًا خططوا لتحويل غرف الفنادق الشاغرة إلى ملاجئ، من بين جهود الطوارئ الأخرى. أمَّا في بريطانيا فانتظرت السلطات لفترة أطول قبل فرض الإغلاق.

وقبل عشرة أيام من بداية الأزمة، اتصلت صحيفة نيويورك تايمز بوزارة الداخلية للسؤال حول ما تعتزم القيام به حيال العنف المنزلي. لكن الرد كان أنه لن تتوافر إمكانية المشورة والدعم. فقد نشرت الحكومة في وقت لاحق قائمة بالخطوط الساخنة والتطبيقات التي يمكن للضحايا استخدامها لطلب المساعدة، ولكن تمَّ تخصيص أحدها فقط لأزمة “كوفيد ــ 19”.

بعد أسبوع من الإغلاق، قال “آفون وسومرست، في جنوب غرب البلاد، إن تقارير العنف المنزلي ارتفعت بالفعل بنسبة 20%، وأن القوات المحلية في أماكن أخرى تستعد للشيء نفسه.وفي الأسبوع الماضي، وبعد أن وقّعت عشرات الجماعات المدنية على رسالة مفتوحة للحكومة تدعو إلى العمل، تعهد المسؤولون بالرد دون تقديم تفاصيل.وقالت وزارة الداخلية في بيان لها أن “دعم ضحايا العنف المنزلي يمثل أولوية بالنسبة لوزارة الداخلية”، فوزيرة الداخلية تدرك تمامًا حالة الكرب والقلق اللذين انتشرا خلال هذه الفترة بين أولئك الذين يعانون من العنف المنزلي أو المعرضين لمخاطره، وقالت الوزيرة: “إننا نعمل مع الشرطة والجمعيات الخيرية للعنف المنزلي وخطوط المساعدة والعاملين في الخطوط الأمامية لدعم الناس وحمايتهم، لكن الضحايا يتجاهلون أوامر البقاء في المنزل إذا اضطروا إلى اللجوء الفوري”.

وفي النهاية، ستنتهي عمليات الإغلاق. ولكن مع استمرار الحجر المنزلي، يبدو من المرجح أن يزداد الخطر. حيث تظهر الدراسات أن المسيئين أكثر عرضة لقتل شركائهم والآخرين في أعقاب الأزمات الشخصية، بما في ذلك فقدان الوظائف أو النكسات المالية الكبرى.

أخيرًا، فمع التداعيات الاقتصادية الكارثية لأزمة “كوفيد ــ 19″، من المقرر أن تصبح هذه الأزمات أكثر تواترًا.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: نيويورك تايمز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر