سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جيليان تيت
عندما التقى جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وسائل الإعلام، بعد رفع سعر الفائدة 25 نقطة أساس، سعى لأن يبدو شجاعا بشأن الاضطرابات المصرفية في دولته. أعلن أن “نظامنا المصرفي سليم ومرن، مع رأسمال وسيولة قويين”، واعدا بأن الاحتياطي الفيدرالي، ووزارة الخزانة، والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع ستبذل كل جهودها لتهدئة الذعر الناجم عن إفلاس بنك سيليكون فالي.
ربما هذا صحيح. زود الاحتياطي الفيدرالي البنوك بسيولة مذهلة بلغت 152 مليار دولار الأسبوع الماضي. لكن المستثمرين لا يزالون غير راضين بالتأكيد، فبعد فترة وجيزة من حديث باول، تراجعت أسهم البنوك، مع حالات انخفاض تحديدا في المجموعات الأضعف مثل “فيرست ريببليك”.
لعل من المغري إلقاء اللوم في الشعور بالضيق على رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة، لكن هذا ليس سوى جزء صغير من الحكاية. القضية الأكبر هنا هي أن البنوك الأميركية الصغيرة والمتوسطة تتصارع مع ثلاث مشكلات مترابطة: سحب الودائع، ونموذج أعمال متآكل، وأزمة ائتمانية.
أبدأ بمشكلة الودائع. نشأت المشكلة لأن مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية مكلفة بحماية الودائع التي تصل إلى 250 ألف دولار فقط، إذا أفلس البنك، ما لم يكن هناك سبب “مهم من الناحية النظامية” لتوسيع نطاق التغطية.
قبل انهيار بنك سيليكون فالي، بدا أن “النظامية” تعني البنوك الكبيرة. ومن ثم عندما تذبذب “سيليكون فالي” و”سجنتشر”، نقل العملاء الأموال إلى الشركات العملاقة الأكبر من أن تفلس. مع ذلك، أعادت المؤسسة لاحقا تفسير هذا التكليف بمهارة، وحمت جميع الودائع في “سيليكون فالي” و”سجنتشر”، وذلك بسبب مخاطر انتشار العدوى على مستوى النظام، كما يفترض. مثلما أشار باول الأربعاء “لقد أظهر التاريخ أن المشكلات المصرفية المعزولة، إذا تركت دون معالجة، يمكن أن تقوض الثقة بالبنوك السليمة وتهدد قدرة النظام المصرفي كاملا”.
لكن جانيت ييلين، وزيرة الخزانة، كشفت أيضا الأربعاء أن وزارة الخزانة ومؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية لا تخططان لتقديم ضمانات شاملة للمودعين مقدما، دون دعم الكونجرس. الغموض لا يزال سائدا. ومن شبه المؤكد أن يؤدي هذا إلى مزيد من التدفقات الخارجة من البنوك الأصغر.
المشكلة التالية هي نماذج أعمال البنوك. خلال العقد الماضي تمتعت البنوك بتمويل رخيص وفير لأن عملاءها تركوا أموالهم في حسابات مصرفية منخفضة العائد بسبب عدم وجود بدائل أفضل. ثم حققت البنوك أرباحا من خلال تقديم القروض بأسعار أعلى قليلا وشراء أصول طويلة الأجل مثل سندات الخزانة.
لكن سلوك العملاء يتغير. ليس هناك فرار من البنوك الصغيرة إلى البنوك الأكبر فحسب، بل تنتقل الودائع إجمالا إلى صناديق سوق المال. وفقدان التمويل الرخيص يضر، حيث لا تزال لدى البنوك قروض في سجلاتها ممددة بأسعار منخفضة. والأدهى من ذلك، أن تقلبات أسعار الفائدة تسببت في خسائر غير محققة في محافظ الأوراق المالية للبنوك بلغ مجموعها 620 مليار دولار في جميع أنحاء الصناعة نهاية 2022، وفقا لمؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية.
لحسن الحظ، لا تحتاج هذه عادة إلى حجز، ما لم يفلس البنك. وأغلب البنوك أقل عرضة للإفلاس من بنك سيليكون فالي، لأن لديها عددا أقل من المودعين غير المؤمن عليهم. لكن، حتى لو كان من الممكن تجنب دراما على غرار “سيليكون فالي”، فإن النمط يوجد “ذيلا طويلا من بنوك الزومبي” التي تستهدف شريحة متخصصة، كما يقول صندوق التحوط بريدجووتر. بحسب الصندوق “يمكن لصانعي السياسة إيقاف تدافع لسحب الودائع، لكن ما لم يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، فلن يتمكنوا من إيقاف إعادة تسعير الفائدة في تكاليف تمويل البنوك”.
هذا يعزز قضية ثالثة: أزمة ائتمانية. مع ارتفاع تكاليف التمويل، ستخفض البنوك القروض. من بعض النواحي، هذا ما يريده مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي، لأن تباطؤ توليد الائتمان سيحد من التضخم. لكن المشكلة تتمثل في الصعوبة الفائقة في التنبؤ بتأثير الضغط الائتماني، لأنه يمكن أن ينشئ دوامة هبوطية ذاتية التعزيز من الركود والتخلف عن السداد. لذا، في حين إن الأزمة في البنوك الأميركية اندلعت في البداية بسبب أخطار أسعار الفائدة “والسيولة”، فقد تتحول الآن ببطء إلى مشكلة مخاطر ائتمان أيضا.
سوق الإقراض العقاري التجاري التي تبلغ 5.6 تريليون دولار توضح المشكلة. يأتي 70 في المائة من هذه القروض حاليا من مجموعات صغيرة ومتوسطة. “لقد نما انكشاف البنوك الصغيرة (…) على إقراض العقارات التجارية بمعدل متسارع على مدى الأعوام العشرة الماضية”، حسبما لاحظ “مورجان ستانلي”.
حتى قبل أن تتحول دورة سعر الفائدة، بدأت قيم العقارات التجارية تتعرض للضغط لأن ارتفاع التسوق عبر الإنترنت والعمل من المنزل أضرا بمساحات البيع بالتجزئة والمكاتب. لكن مع ارتفاع أسعار الفائدة “فجأة يصبح من الصعب جدا تمديد سداد هذه الأصول”، كما يقول ريك ريدر، من “بلاك روك”. وبما أنه من المقرر إعادة تمويل 2.5 تريليون دولار من القروض في الأعوام الخمسة المقبلة، فإن هذا سيخلف في النهاية ألما للمقترضين، والبنوك.
الخبر السار هنا هو أن مشكلات العقارات التجارية لا تبدو بجسامة المشكلات التي نشأت في قروض الرهن العقاري الثانوي في عام 2008. هناك مال وفير في النظام المصرفي الأميركي لاستيعاب مثل هذه الخسائر الائتمانية.
علاوة على ذلك، إذا كانت المشكلات في البنوك الصغيرة سببا في انطلاق شرارة عمليات اندماج، فإن هذا سيكون موضع ترحيب. في الماضي، كان السياسيون الأميركيون يفخرون بعدد البنوك الكبير في دولتهم -يبلغ عددها حاليا أكثر من أربعة آلاف بنك- باعتباره علامة على المنافسة واختيار المستهلك. لكن أن يكون لدى الدولة “ذيل زومبي” طويل من البنوك فذلك لا يعود بنفع كبير عليها.
غير أن الأخبار السيئة هي أن هذه المشكلات الثلاثية تعني أن أي شخص يأمل في إيجاد حل سريع لمتاعب البنوك سيصاب بخيبة أمل. إذا مددت المؤسسة التأمين، فسيخف الذعر. وسيقلل وقف رفع أسعار الفائدة من الضغوط. لكن فوضى الحاضر هي نتيجة عقد من الأخطاء السياسية، ولن يتم إصلاحها في غضون عشرة أيام أو عشرة أشهر، خاصة إذا انتقل الفصل التالي من الدراما من أخطار أسعار الفائدة إلى مصائب الائتمان.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر