سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إميل أفدالياني
في 20 يونيو سوف تجري انتخابات برلمانية مبكرة في أرمينيا، هذه الخطوة ستخفف من حدة التوترات التي تشهدها البلاد، لكنها ستفشل في إنهاء الانقسامات السياسية وفي حل المشاكل الهيكلية مثل سوء الوضع الاقتصادي وضعف القضاء وهشاشة الجيش.
جاء قرار إجراء الانتخابات بعد أشهرٍ من الاحتجاجات، حيث اتفق كافة رؤساء أرمينيا السابقين والرئيس الحالي “أرمين سركيسيان” وقيادة الكنيسة الأرمنية وأجزاء كبيرة من القيادات العليا للقوات المسلحة بالتنسيق فيما بينهم على معارضة حكومة “باشينيان”، التي يلومها الجميع على الهزيمة غير المتوقعة للبلاد في حربها مع أذربيجان عام 2020، ونتيجة لذلك اضطرت أرمينيا للتنازل عن معظم الأراضي الأذربيجانية التي تحتلّها منذ التسعينيات، بما في ذلك أجزاء من “ناغورنو كاراباخ” التي يسكنها معظم الأرمن.
تمتع “باشينيان” أحد أبطال الثورة المخملية في 2018 بشعبية واسعة في أول عامين من حكمه، ومع ذلك فقد ثبت أن التوقعات بحدوث تغييرات جوهرية مرتفعة شبه مستحيل في ضوء مؤسسات الدولة الضعيفة والثقافة السياسية المستقطبة والفساد السائد، بالإضافة إلى أن الذين ظهروا في الحكومة مع “باشينيان” جاءت غالبيتهم من المجتمع المدني، ما يعني أن لديهم خبرة محدودة جدًا في تطوير وإصلاح العملية السياسية.
ارتبط عام 2020 ببعض الاضطرابات في أرمينيا، كما أثارت الخسائر البشرية والمشاكل الاقتصادية الناتجة عن تفشي وباء كورونا والمقترنة بالحرب مع أذربيجان تساؤلات حول كفاءة “باشينيان” الذي تم تقويض موقعه في الداخل والخارج، مع ذلك ليس هناك بديل واضح مما يجعل المراقبون يعتقدون أن حلًا طويل الأمد لمشاكل البلاد ليس وشيكًا.
وفقًا للاستطلاع الذي أجراه “المعهد الجمهوري الدولي” لا يزال فصيل “خطوتي” التابع لـ”باشينيان” الحزب السياسي الأكثر شعبية في البلاد بنسبة تأييد 33%، يأتي بعده الفصيل الثاني وهو “أرمينيا المزدهرة” الذي يقوده الرئيس السابق “كوتشاريان” بنسبة تأييد 3% فقط، وبعده الحزب الجمهوري الحاكم السابق بنسبة تأييد 1% فقط، تُظهِر هذه الأرقام أن “باشينيان” لا يزال مطلوبًا لكن ثمة تنامي أيضًا في اللامبالاة السياسية، حيث لا يدعم ما يقارب 44% من الأرمن أي حزب، كما يختلف 45% من السكان مع الاتجاه العام الذي تتجه إليه البلاد، ويشير هذا إلى وجود فراغ سياسي طويل المدى فضلًا عن وجود مساحة كافية لظهور قوى سياسية جديدة.
ستكون الانتخابات تنافسية لكن من المرجح أن يفوز “باشينيان”، فرغم كل شيء وبعد كل أخطائه إلا أن خسارة أرمينيا العسكرية كانت نتيجة التدهور البطيء لإمكانيات أرمينيا العسكرية قبل وصوله إلى السلطة وحدوث التغيير في ميزان القوى، وللنمو السريع في قوة أذربيجان العسكرية؛ نتيجة للعلاقات العسكرية الثنائية للأخيرة مع تركيا، إضافة إلى سلوك روسيا الانتهازي خلال حرب 2020.
الانتخابات الجديدة قد تخفف من التوترات لكن المشاكل الهيكلية للسياسة الأرمنية سوف تبقى، كما أن العيوب الأعمق مثل الافتقار إلى المساءلة وعدم وجود سلطة قضائية مستقلة وضعف البرلمان، ستؤثر سلبًا على أي حكومة جديدة، بالإضافة إلى أن السياسة الأرمنية لا تزال تشهد درجات عالية من الاستقطاب وهو ما يحد من إحداث تغييرات سياسية حقيقية في نسيج إدارة البلاد، كما ستظل المشاكل المزمنة مثل الفساد والبطالة والهجرة والاقتصاد غير الفعال قائمة.
التداعيات الجيوسياسية:
إن الأحزاب المشاركة في الانتخابات الأرمينية لا تناقش السياسة الخارجية، بعدما كان يتم مناقشة مسار السياسة الخارجية للبلاد على الدوام منذ عام 1991 لكن هذه الانتخابات تقاطع هذا التقليد، فلولا وجود
روسيا في البلاد لما تمكنت أرمينيا من الدفاع عن نفسها مما يعطي الانتخابات بُعدًا خارجيًا.
هنا يكون موقف روسيا على درجة عالية من الأهمية، فهي محظوظة لأفضلية موقعها على جانبي الممر، كما أن روسيا لا تحتاج إلى دعم المرشح المؤيد للكرملين، في واقع الأمر كل كيان حاكم مقبول في أرمينيا سيكون معتمدًا بشكلٍ متزايد على موسكو، نأخذ على سبيل المثال حزب “أرمينيا الساطعة” برئاسة “إدموند ماروكيان” والذي اشتهر بموقفه المعتدل المؤيد لأوروبا، ومع ذلك دعا “ماروكيان” إلى إنشاء قاعدة عسكرية روسية ثانية في البلاد بعد مرور 44 يومًا من الحرب.
روسيا تبدو في وضع مثالي ففي ضربة بارعة واحدة في نوفمبر 2020 وضعت موسكو نفسها فعليًا داخل الصراع الإقليمي الوحيد في جنوب القوقاز، حيث لم يكن لها في السابق أي تأثير مباشر، لكن مع وجود قوات حفظ السلام التابعة لها في “كاراباخ” فإن الجيش الأرميني وعامة الناس الذين يشعرون بالإحباط والارتباك بعد فشل عام 2020، فإن روسيا هي الأمل الوحيد بالنسبة لأرمينيا، ويصبح هذا واضحًا بشكل متزايد للنخبة السياسية بأكملها في أرمينيا.
وبالتالي فإن نتائج الانتخابات لن تنطوي على تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية، مع ذلك ستكون النتائج ذات أهمية كبيرة للعلاقات الأرمينية الروسية وفي المناورات الجيوسياسية لأرمينيا، وجميع الأحزاب السياسية تسعى حاليًا إلى توثيق العلاقات مع روسيا مما قد يغير من نسيج العلاقات الثنائية، ويمكن لروسيا أن تصر على اندماج أعمق لأرمينيا في منظومتها الاقتصادية المفضلة “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”، حيث يمكن البحث عن ظروف تجارية أفضل للشركات الروسية، لبيع المزيد من الأسلحة الروسية الحديثة.
يمكن للاندماج الأعمق المعقول أن يمهد الطريق نحو نمط تكاملي جديد بين روسيا وجيرانها في الفضاء السوفييتي السابق، إن التعمق في العلاقات مع أرمينيا سيعني أيضًا أن روسيا قد تكون قادرة على تحريض أرمينيا وأذربيجان ضد بعضهما البعض، وهذا النهج الروسي ليس بالجديد لكن كثافته هذه المرة ستكون أكبر بكثير، وفي غضون أربع سنوات يتعين على روسيا تمديد مهمة حفظ السلام في أذربيجان رسميًا، ومع ذلك فإن الوجود العسكري الروسي يقلق العقول السياسية في باكو، وسوف تزداد الرغبة في إلغاء اتفاقية حفظ السلام الروسية مما يحتم على الكرملين أن يلعب لعبة ذكية.
وقد تكون بعض التنازلات من باكو فعالة، لكن هناك رسائل سياسية وعسكرية أخرى قد تنجح، وفي بعض الأحيان ستوضح روسيا لباكو أنه في حالة انسحاب قوات حفظ السلام، فإن الجيش الأرميني الأفضل تدريبًا وتجهيزًا والمزود بالأسلحة الروسية عالية التقنية سيكون مستعدًا لحملة عسكرية، وقد لا تنجح الطرق الأخرى لإقناع أذربيجان بوجود روسي طويل الأمد.
استنتاج:
بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات المقبلة فإن المشاكل الهيكلية بأرمينيا ستظل قائمة، وسوف يعيق ضعف القضاء والجيش والبرلمان من آفاق التوصل إلى حل سريع للصدمات التي مرت بها البلاد منذ أوائل عام 2020، وسوف يظل المشهد السياسي مشخصنًا وأكثر شراسة، مما يحول دون التعاون المحتمل بين الأحزاب للحد من الضغط السياسي الداخلي، ورغم أن الأرمن في الوقت الحاضر لا يشغلهم التفكير في السياسة الخارجية للبلاد، لكن ستحدث تغييرات حاسمة وسيزداد الاعتماد على روسيا فقط بسبب نقص الخيارات، وستتوقف محاولات السياسة متعددة النواقل أو ستظل لا تحقق أي نتائج عملية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Caucasus Watch
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر