أردوغان وجماعة الإخوان الإرهابية | مركز سمت للدراسات

أردوغان والإخوان.. تغييرات جذرية أم إعادة تموضع؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 22 مارس 2021

إميل أمين

 

من بين القضايا التي تطل برأسها في الأيام الأخيرة على الشرق الأوسط والخليج العربي، تأتي قضية علاقة الرئيس التركي أردوغان، مع أطياف وأطراف جماعة الإخوان الإرهابية، الفارين إلى الأراضي التركية، لا سيما المصريين منهم، وأولئك الذين يقومون على عدد من قنوات التلفزة التي لا تنفك تبث سمومها صباح مساء كل يوم ضد مصر والمصريين، قيادة وشعباً، وتحرض على القتل والتخريب وإراقة الدماء.

لم تكن الأخبار الواردة من أنقرة بضرورة تغيير تلك المحطات سياستها تجاه مصر، والالتزام بخط غير عدائي، إلا نغمة جديدة مضافة، ضمن مجموعة معزوفات خرجت من تركيا في الشهرين الماضيين، وجميعها تعزف على لحن التصالح مع مصر، وأنه ما من عقبة تمنع تواصل المصريين والأتراك، وأن علاقات تاريخية تجمع البلدين، إلى آخر هذه المنظومة الكلامية.

يعن للقارئ والسامع أن يتساءلا عن سر تغيير موقف أردوغان وحزب العدالة والتنمية على الأقل تجاه مصر، هكذا بين يوم وليلة؟

يحتاج الجواب إلى نظرة عليا، أبعد ما تكون عن إلهاء العوام بقصة الإخوان، وكأنها مربط الفرس فيما يجري داخل تركيا، حتى وإن كانت مهمة بدرجة أو أخرى بالنسبة لمصر، سيما وأن العشرات وربما المئات ممن يؤويهم النظام التركي، أياديهم ملوثة بالدماء، وصدرت في حقهم أحكام جنائية نافذة.

ما يجري في تركيا يمكن تفسيره عبر مسارين: داخلي، وخارجي. ماذا عن ذلك؟

فيما يخض الداخل، فقد وصلت أوضاع البلاد بسبب سياسات أردوغان التي اتبعها في العقد الأخير، إلى حالة مزرية، إذ انهارت العملة التركية في مقابل الدولار، وأضيرت حركة التجارة مع دول الخليج العربي، وبخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، عطفاً على مصر، وباتت أزمة الخبز تدفع الأتراك للاعتراض على أردوغان في الشوارع.

يجد أردوغان نفسه في مواجهة معارضة داخلية متصاعدة، معارضة قادرة على أن تبطل أحلامه في الاستمرار في رئاسة تركيا لمدة 5 سنوات أخرى، في الانتخابات الرئاسية المقبلة العام 2023.

أما عن الخارج، فقد بدا واضحاً أن دعم أردوغان للإخوان قد فشل في إحداث أي حراك، أو تحقيق نجاحات في مصر بنوع خاص، وخلص النظام التركي إلى أن عودة الإخوان إلى السلطة انتهت وأن الجماعة أصبحت من الماضي.

لقد حان الوقت إذن للتخلص من الإخوان بشكل أو بآخر، ومن هنا يبدو المشهد وكأن أردوغان في طريقه لصفقة مع جيرانه عبر التخلص من بقايا الإخوان، صفقة براجماتية تقليدية، لا مكان فيها للأخلاقيات أو القيم.

في السياق الخارجي نجد أردوغان المأزوم في مواجهة إدارة أمريكية ديمقراطية جديدة، موقفها واضح، وغير مراوغ كما كان الحال من قبل مع دونالد ترامب.

يدرك أردوغان أن العلاقات التركية تمر عبر مفترق طرق حرج، وأن لدى الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن الآن فرصة لإيقاف هذا الفصل المزعج في التاريخ التركي الحديث، بل عكس مساره.

راهن أردوغان كثيراً على الغطاء الأمريكي الذي وفره له ترامب، وفي ظله حرَّك قواته إلى البحر الأبيض المتوسط، ولولا إرادة مصرية حاسمة وحازمة رسمت له خطاً أحمر في ليبيا، لربما كان قد مضى في إكمال مشروعه الإخواني، بدل ما هو حادث الآن من سحب مرتزقته من غرب ليبيا، وإعادة إرسالهم إلى سوريا، كما تفيد مصادر استخباراتية في الأيام القليلة الماضية.

على الصعيد الأوروبي يجد أردوغان نفسه في أزمة مع كافة القيادات السياسية الأوروبية، حتى وإن أظهر بعضها تماهياً آنياً معه لحين الانتهاء من أزمة كوفيد-19 الكبرى، ولا أحد ينسى له أنه الرجل الذي لا يزال يهدد أوروبا بفتح بوابات بلاده للمهاجرين غير الشرعيين للدخول إليها، ناهيك عن إتاحة الفرصة للإرهابيين لاختراق القارة الأوروبية من خلال ليبيا إلى إيطاليا، ومنها إلى عموم القارة الأوروبية.

أين السر إذن في تغيرات أردوغان الأخيرة؟

باختصار غير مخل، الهدف الرئيس لأردوغان هو استعادة ثقة الأتراك فيه، والفوز بفترة رئاسية ثالثة، وحرمان المعارضة التركية من أي فرص مستقبلية للفوز بمواقع متقدمة على صعيد الحياة السياسية التركية.

ما يغيب عن أعين الناظرين هو أن معركة أردوغان الآن ليست مع مصر أو دول الخليج العربي، وإنما معركته الحقيقية هناك في الداخل التركي، لا سيما وأن الدستور التركي لا يسمح ببقاء الفائز برئاسة البلاد في منصبه لأكثر من دورتين.

حلم أردوغان الآن هو تعديل وتبديل الدستور التركي، وإخراج دستور إسلاموي أصولي يتفق وتوجهات الرجل، وهو يدرك أن ذلك لن يكون بالأمر اليسير ما لم يرتب أمور اقتصاد بلاده، وفي المقدمة منها ترسيم الحدود البحرية مع مصر، ومحاولة استغلال أي فرص لوجود غاز، يستنقذ البلاد والعباد من الضائقة، ودع عنك كافة التصريحات الجوفاء والمفرغة من أي موضوع عن حقول غاز عملاقة تم اكتشافها في المياه الإقليمية التركية.

ما الذي تخفيه ورقة الإخوان؟

الجواب يحتاج لإلقاء نظرة على التقرير الذي أعدته مؤسسة «هنري جاكسون»، البريطانية عن المناهج الدراسية في تركيا، والتي باتت تتبنى مواقف متطرفة معادية للغرب، وتظهر تعاطفاً مع داعش والقاعدة.

المناهج التعليمية في تركيا اليوم تتضاءل فيها نسبة التسامح، وتتحول إلى التطرف، وقد أدخلت مفهوم الجهاد في الكتب المدرسية، مع تمجيد الاستشهاد في المعركة.

أما عن الروح القومية – العرقية العثمانلية، التي يجري بثها في الأجيال الجديدة، فحدث عنها ولا حرج.

هذا هو شكل الأجيال التركية المستقبلية، والقائمة على هوية تركية أصولية.

لا ينبغي أن ننشغل بورقة الإخوان المصريين في تركيا، إذ أن وراءها جب عميق للمنطقة، ينبغي الحذر من أصوليته المتطرفة القائمة والقادمة.

المصدر: العربية.نت

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر