سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
باتريك م. كرونين
يمثل فيروس كورونا أزمة صحية عامة، بل وأزمة مالية عالمية. ولكنه أيضًا يمثل تحديًا جغرافيًا استراتيجيًا لقوة أميركا ونفوذها في منطقة المحيط الهادئ – الهندي. فبدون معرفة التأثير الكامل للفيروس، يبدو من المحتمل أن تؤدي الصدمة إلى تضخيم العديد من الاتجاهات الاقتصادية والتكنولوجية والأمنية الحالية الجارية بالفعل في المنطقة.
أولاً: ستعمل بيئة ما بعد أزمة فيروس كورونا على تأجيج المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين بدلاً من نزع فتيلها
على الرغم من أن الأوبئة تتطلب تعاونًا دوليًا، فإن الفيروس الذي اجتاح مدينة ووهان الصينية وانتشر على مستوى العالم، سيؤدي إلى تفاقم التوترات الموجودة بين أكبر اقتصادين في العالم. لقد أدت أزمة الفيروس إلى تراجع الاقتصاد الصيني المتباطئ بالفعل. ومن المحتمل أن تؤجل لجنة مشكلات السلع إصلاحات اقتصادية مؤلمة، بل وتبحث عن حوافز قصيرة المدى. وسيتخلى الرئيس الصيني كذلك عن إصلاحات التحرير الاقتصادي والمالي التي أعلن عنها خلال المؤتمر التاسع عشر للحزب الحاكم. وستتصاعد الديون السامة وسوء تخصيص رأس المال للشركات المملوكة للدولة. وفي الوقت نفسه، ستحتاج “لجنة مراقبة السلع” إلى تحويل المزيد من الموارد للتعامل مع نظام الصحة العامة الهش، وكذلك الشيخوخة السكانية. كما ستعني المطالب الناتجة عن النمو الصيني المستدام أن البديل في رأسمالية الدولة في بكين سيستغل نقاط ضعف السوق الحرة بشكل أكبر من خلال سرقة الملكية الفكرية المدعومة من الدولة، وغيرها من الوسائل الأخرى. ومن المتوقع من الصين أن تعمق الاستثمار في التقنيات الرقمية التي تعزز مصالحها الاقتصادية والأمنية.
وفي الوقت نفسه، سيواجه اقتصاد الولايات المتحدة أيضًا رياحًا معاكسة. فالفيروس سيعطل الاقتصاد والحياة اليومية في الولايات المتحدة. إذ تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة قد تواجه الركود. وقد تفشل محاولة روسيا لسحق النفط الصخري الأميركي، لكنها تضيف ضغطًا آخر على إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الأمريكي. وقد تستفيد الصين حتى من الضعف النسبي أو التشتت النسبي للولايات المتحدة، التي ربَّما تتراجع في اتفاقها على شراء ما يصل إلى 200 مليار دولار من السلع الأميركية الإضافية، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال، على مدى العامين المقبلين. وفي الوقت نفسه، فإنه مع تحول الدول إلى “الانكفاء على الداخل”، يتوقع أن تملأ الصين الفراغ وتبني شبكتها من المؤسسات الإقليمية والدولية.
ثانيًا: ستزداد حدة القومية التقنية والحمائية في الولايات المتحدة والصين
لقد استفادت الصين من قاعدة البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا التعرف على الوجه والطائرات بدون طيار للسيطرة على أزمة “ووهان”. وستؤدي النتائج الإيجابية إلى تسريع خطط بكين لتعزيز دور “الدولة المراقبة” بشكل أكبر، ومضاعفة الاستثمارات في تقنيات “صنع في الصين 2025” لتحقيق التفوق في المعلومات وتعزيز حلم الصين. ونتيجة لذلك، فمن المرجح أن تسرِّع أميركا وحلفاؤها المميزون من خطط لتفكيك التقنيات المهمة وتقليل الاعتماد الاستراتيجي على الصين. كما ستعزز دول أخرى خططها لنقل مراكز التصنيع والأعمال خارج النطاق الرئيسي. وبالنسبة للولايات المتحدة، ستستغرق عملية فك الارتباط الكبير المزيد من الوقت والقدرة على تعبئة القطاع الخاص وشركاء التحالف. وهو ما يطلق عليه البعض مسمى “إشكالية ميكروسوفت”. أي كيف يمكن لشركة أميركية كبيرة أن تعزل نفسها تمامًا عن مشكلة شركة هواوي وشركة “زد تي إي” ZTE وغيرها من الشركات الكبرى الصينية دون تقليل حصتها في السوق، وبالتالي اندفاعها نحو البحث والتطوير الضروريين للابتكار المستقبلي؟ ومن المرجح أن يُسَرِّع الفيروس من المنافسة لوضع معايير وقواعد تكنولوجية دولية.
ثالثًا: سيخلق الفيروس التاجي تصدعات وأزمة قيادة محتملة في كوريا الشمالية
إن نمط إدارة الأزمة الذي اتبعته الصين خلال الفترة الأولى يبدو أشبه بكارثة “تشيرنوبيل”، خاصة في أعقاب الكشف عن القمع الوحشي في مقاطعة “شينجيانغ”، والتفاؤل بشأن ما يحدث في هونغ كونغ، وكذلك الموقف الصيني تجاه تايوان.
إن النقد المستمر لمحاولات الرئيس الصيني المبكرة لاحتواء نطاق تفشي المرض، ودعوته للشعب الصيني إلى متابعته في “حرب الشعب” لهو دليل على كل من المشاكل الشرعية المستمرة للحزب الحاكم في الصين والنظرية المفضلة للرئيس الصيني بشأن تحقيق النصر.وفي الوقت نفسه، يمكن أن تؤدي أزمة صحية كاملة في كوريا الشمالية إلى نتائج غير متوقعة تواجه أسرة “كيم” الحاكمة. تمامًا مثلما تواتر من أخبار بشأن فيلق الجيش السادس لكوريا الشمالية الذي تمرد وسط مجاعة عام 1996، حيث يمكن لنظام الصحة العامة المنهك أن يؤدي إلى انقلاب أو إلى ما هو أسوأ من ذلك؛ إذ دفع “كيم جونغ أون” إلى الخوض في صراع من أجل توحيد السكان. ذلك أنه من المحتمل أن يقوم الفيروس بإعادة ضبط بؤر أمنية أخرى موجودة، ربَّما تطال كلاً من تايوان، وكذلك بين الولايات المتحدة وحلفائها الاستراتيجيين. وسيزداد الضغط على حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، حتى مع سعيهم لمقاومة المطالب بتقاسم أعباء أكبر ومخاطرة الوقوع في صراع محتمل على القوى الكبرى. لذا، فمن المتوقع من الصين أن تركز على تعزيز هذه التحالفات.
رابعًا: ستتضاعف التهديدات المنبثقة عن البيولوجيا التخليقية
على الأرجح بدأ فيروس كورونا منطلقًا من تربة خصبة، وليس في مختبر بيولوجي. ومع ذلك، فإن التأثير الواضح للفيروس الجديد خطير بما يكفي لأن يشجع السلطات الصينية على تنفيذ خطط جديدة لتسليح البيولوجيا التركيبية. وقد تظهر مجموعة من العلاجات الحيوية في المستقبل من خلال المختبرات السرية عبر استخدام وطباعة الحمض النووي وغيرها من أوجه التقدم في علم الأحياء الاصطناعية. وهنا يمكن أن تشجع المكاسب التكنولوجية للجنة “مراقبة السلع” على التفكير فيما لا يمكن تصوره: أي كيف يمكن أن تزرع فيروسًا مستقبليًا بغرض التأثير الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي؟ ربَّما يكون ذلك وسط أزمة أو صراع.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Hudson Institute
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر