سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
فيرجوس أوسوليفان
بعد 28 شهرًا من الجدل، أصبحت بريطانيا بصدد اتفاق بشأنالخروج من الاتحاد الأوروبي. فقد كشفت رئيسة الوزراء “تيريزا ماي”، أخيرًا، عن اتفاقية تمَّ التفاوض بشأنها مع الاتحاد الأوروبي؛إذ تسمح لبريطانيا بالتخلي رسميًا عن عضوية الاتحاد. ويبقىالسؤال: هل يمكن أن يعني ذلك نهاية المطاف بالنسبة لمفاوضات بطيئة في مرحلة ما قبل الانفصال بشكل مؤلم، مما يسمح لبريطانيا بالانتقال إلى فصل جديد؟
على الأغلب، أن الإجابة هي “لا”. إذ يجب أن تحصل “ماي” على موافقة البرلمان؛ ذلك أن هناك احتمالاً قويًا بعدم حدوث ذلك. فالقوى المتشددة الموالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تشعر أنها معرضة للخطر. أمَّا القوى المتشددة الموالية للمقاومة، فترى أنه لا داعي لتدمير الاتحاد الأوروبي E.U. وتصل معارضة ذلك إلى “ماي” نفسها. فقد استقال، أخيرًا، سكرتير بريكست “دومينيك راب”(الوزير المسؤول مباشرة عن الإشراف على عملية خروج بريطانيا من الاتحاد)، احتجاجًا على الاتفاق الذي تمَّ التوصل إليه أخيرًا. كما استقال ثلاثة وزراء آخرون، وربَّما يتبعهم آخرون أيضًا.
وإذا ما تجاوزت الصفقة، فإنها أبعد ما تكون عن “الفجر الجديد الشجاع” الذي أصر المدافعون عن بريكست Brexit على أنه قاب قوسين أو أدنى؛ إذ سيظل هناك ارتباط بالاتحاد الأوروبي. فالقواعد (بما في ذلك الاتحاد الجمركي) المعتمدة في المستقبل المنظور، بالإضافة إلى ضعف قدرة بريطانيا على التأثير في تلك القواعد، ستتعرض إلى الخطر، ذلك أنه إذا تمَّ التوصل إلى طريق مسدود، فستكون هناك إمكانية لإعادة الاستفتاء، أو الخروج من الاتحاد من دون أي اتفاق على الإطلاق.
ومهما كان الأمر، فإن هذه الملحمة المربكة والمؤلمة، قد قدمت درسًا صعبًا ومرهقًا لبريطانيا، وهو الدرس الذي تعترف به القوى الداعمة لبريكست بالفعل؛ إذ يتجلى المسار الذي سلكه هذا الدرس في العناوين الإعلامية الكئيبة في وسائل الإعلام البريطانية خلال الأيام الأخيرة، التي تتناقض بشكل كبير مع تلك التي جاءت عقب نتائج الاستفتاء المؤيد في يونيو 2016 مباشرة.
لكن الدروس المستفادة لا تتعلق فقط بالانقسامات الموجودة بالبلاد، بل إنها تتصل بالفجوة المتسعة بين الرأي العام في لندن الغني نسبيًا، وانعدام التكافؤ الواضح بين المناطق المنكوبة التي تعاني من الركود والتي لا تزال متخلفة رغم كل تلك الدروس. فعلى الصعيد الدولي، كشفت عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – أيضًا- عن وجود افتراضات غير واقعية، بل وقاسية حول مكانة بريطانيا وتأثيرها في العالم بأسره.
فقد كانت حملة “التأييد” في البداية على قدر كبير من الثقة بالنفس المتصاعدة بوضوح، لكنها أخيرًا قدمت الرؤية لبريطانيا التي تستعد لاستعادة مكانتها الصحيحة كقوة عالمية عظمى ومتداخلة. وقد أكدت أرقام وزير الخارجية الأسبق “بوريس جونسن” بشأن الناخبين، أنه بفضل القوة الاقتصادية لبريطانيا، فإن الاتحاد الأوروبي سوف يسقط سريعًا في خضم صفقة يائسة لضمان أننا أبقينا على شراء السلع بكميات كبيرة، وكنا نتغذى برؤى خيالية لأمة إمبريالية جديدة تعاني من الإدمان، وترفض التشابكات المعقدة مع جيرانها الأوروبيين، وتعزز روابط التجارة العالمية مع الدول في الإمبراطورية السابقة. وقد كان من المفترض أن تنتهز هذه الدول الفرصة لإحياء العلاقات الاقتصادية مع من كان يستغلها في السابق.
وبطريقة ما، سيتم شراء كل هذا دون أي تكلفة، حيث سيمضي المواطنون البريطانيون في التمتع بالسفر بدون احتكاك بالجامعة الأوروبية؛ فلا تزال حركة السلع والخدمات العابرة للحدود تنساب بسهولة ويسر. لكن المهاجرين سيجدون أن نقاط الدخول الدولية لبريطانيا أصبحت أشبه “بثقب الإبرة”. فقبل كل شيء، قيل لنا إنهسيتم الآن توظيف كافة المساهمات لأجل الخدمة الصحية بالداخل البريطاني، وهو الوعد الذي يستعيد الحنين الإمبراطوري مع ولع البريطانيين بمرحلة كان يتم فيها تمويل الخدمات العامة بشكل أفضل. وكما قال “ديفيد بريز”، وزير خارجية بريكست السابق، لم يكن هناك “جانب سلبي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
كما أن الأمر ليس على هذا القدر من التأكيد، فقد بدت تأكيدات وتبريرات جوهرية لقوة بريطانيا وهيبتها، وقدرتها على إثناء إرادة الدول الأخرى. فالاتحاد الأوروبي لم يذعن بعدُ لطلب واحد ذي مغزى من الحكومة البريطانية التي بدت في كثير من الأحيان ضعيفة ومرتبكة.
يمكن الإشارة هنا إلى أنه في العديد من الحالات، يكون الأمر غير قابل للتنازل دستوريًا. فعلى سبيل المثال، يستند عمل السوق الأوروبية الموحدة أساسًا على حركة السلع والخدمات التي لا حدود لها، وكذا المواطنون. لذا، فإن طلب بريطانيا هو الاحتفاظ بهذا المجالين، لكن الاستغناء عن هذا الأمر كان دائمًا غير مقبول.
كما أن هذا الافتقار إلى الواقعية لدى المعسكر المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، صاحبه بعض الجهل المفرط بالواقع الذي تعيش فيه بريطانيا. فعلى مدار الـ28 شهرًا الماضية، كان معروفًا أن وزير شؤون إيرلندا الشمالية، يعترف أنه قبل توليه المنصب لم يكن يعرف أن الناس في هذه المقاطعة كان تصويتهم على أساس طائفي. فقد رأينا عضوًا بالبرلمان يعتقد أن جميع مواطني المملكة المتحدة، مؤهلون للحصول على جوازات سفر إيرلندية (التي لا يمكن إلا عن طريق الولادة، أو النسب، أو الزواج الإيرلندي). وخلال هذا الشهر، كشف وزير شؤون بريكست، الذي استقال منذ يومين، أنه اكتشف أخيرًا، أهمية ميناء “دوفر” الذي يعدُّنقطة وصول التجارة الدولية الرئيسية من بريطانيا إلى فرنسا.
لكن كيف حدث سوء الفهم الهائل لكيفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”؟ هنا نشير إلى أن جزءًا من تلك الإشكالية يكمن في الخروج المتعثر من الوهم الإمبراطوري؛ إذ لم تتكيف صورة بريطانيا الذاتية تمامًا مع واقع قوتها المعاصرة، التي لا تزال مصدر قوة لا يمكن أن تتجاوز ببساطة قدرة 27 دولة أوروبية أخرى تعمل بشكل كامل. لكن هناك أمرًا آخر، إذ يبدو أن بريطانيا تفترض أن هياكل القوة العالمية تشبه إلى حد بعيد ما هو مألوف محليًا.
فبريطانيا تعمل في ظل شكل من أشكال الاستبداد السياسي، حيث تعمل السلطة على استثمار كافة المتغيرات التي تمر بما يفيد حزب الأغلبية البرلمانية. فلا توجد حاليًا انتخابات لرئيس الدولة؛ ذلك أن الملكية القائمة لا حول لها ولا قوة، إذ لا يملك مجلس اللوردات سوى قدر متواضع من التأثير في عملية صنع القرار الحكومي. وتميل بريطانيا إلى الافتراض، بشكل غير صحيح، أن هذه النوعية من كل شيء أو لا شيء من أجل الاحتفاظ بالسلطة السياسية، إنما تنعكس على جيرانها المحيطين بها أيضًا.
فلا يتوافق الهيكل الفيدرالي للاتحاد الأوروبي مع أي مؤسسة بريطانية، وهكذا يتم تمثيلها في وسائل الإعلام البريطانية في كثير من الأحيان كمنتدى حواري متعدد الجوانب، وهو المنظمة التي يمكن للحكومة البريطانية أن تتجاهلها، في حين تتفاوض مع ما تعتبره نظراءها الحقيقيين كحكومات فرنسا وألمانيا.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: citylab
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر