أحقية الإنسان في الحصول على مكيفات الهواء لمواجهة أزمات المناخ | مركز سمت للدراسات

أحقية الإنسان في الحصول على مكيفات الهواء لمواجهة أزمات المناخ

التاريخ والوقت : الإثنين, 16 مايو 2022

روز إم موتيسو – مورغان دي بازيليان – جاكوب كينسر – بروك بوزر

تجتاح موجة حر كارثية بدرجات حرارة مميتة تتجاوز 100 درجة فهرنهايت جنوب آسيا، مهددة مئات الملايين من الناس. ومع ارتفاع درجة حرارة العالم، يحتاج مليارات الأشخاص إلى مكيفات الهواء، إذ كان يُعتقد أن هذه التكنولوجيا التي يبلغ عمرها 120 عامًا هي رفاهية.

لكن في عصر تغير المناخ، أصبحت من متطلبات الحياة البشرية، ومن المعلوم أن هذا أثار مخاوف بشأن التهديد المناخي للعالم الذي اجتاحته مكيفات الهواء. ومع ذلك، فإن طفرة مكيفات الهواء الوشيكة هي خطوة حاسمة نحو تقليص الفجوة الهائلة في توافر التبريد الموجود بين الأغنياء والفقراء من الأفراد والدول ونحو خلق عالم أكثر مساواة.

تتركز غالبية ملياري وحدة مكيف هواء مستخدمة حاليًا حول العالم في البلدان الأكثر ثراءً في أميركا الشمالية وشرق آسيا (مع أوروبا، التي تتمتع عمومًا بمناخ أكثر اعتدالاً، في الثلث البعيد)، وتبلغ نسبة ملكية مكيفات الهواء 12% فقط في المناطق الأكثر دفئًا في العالم، مقارنة بأكثر من 90% في الولايات المتحدة واليابان. ومع ذلك، سوف يتغير هذا النمط بشكل كبير مع زيادة ثراء السكان واستمرار ارتفاع درجات الحرارة.

وفقًا للوكالة الدولية للطاقة، من المتوقع أن يضيف العالم 4 مليارات وحدة مكيف هواء إضافية بحلول عام 2050، ويرجع ذلك أساسًا إلى الطلب في الاقتصادات الناشئة مثل الهند وإندونيسيا، إذ يمكن أن تكون مكيفات الهواء كثيفة الاستهلاك للطاقة، خاصة إذا تم استخدام نماذج غير فعالة، مما يعني أن هذه البلدان ستحتاج إلى قدر أكبر من الكهرباء. في الواقع، قد تمثل مكيفات الهواء 20% إلى 44% من ذروة الحمل في شبكة طاقة الهند بحلول عام 2050، وإذا تم توفير هذه الطاقة عن طريق الوقود الأحفوري، كما هو الحال عادةً في المناطق ذات النمو المرتفع مثل الهند وإندونيسيا، فسيكون للارتفاع تأثير كبير على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.

هذه التوقعات مرعبة، فهل يمكن أن تؤدي الحاجة إلى التبريد إلى سخونة الكرة الأرضية؟ في الواقع، هذا هو السؤال غير الصحيح، إذ لا يمكن اعتبار التخلي عن مكيفات الهواء خيارًا، ولا ينبغي أن يكون هدفًا أيضًا، وبدلاً من اعتباره تهديدًا، يمكن اعتبار ذلك فرصة لاستكشاف تقنية تبريد أكثر مراعاة للبيئة وتحفيز استخدام الطاقة المتجددة. وفي الوقت نفسه، فإن مكيفات الهواء لديها القدرة على تحقيق تكافؤ الظروف بين البلدان المختلفة كجزء أساسي من العدالة المناخية. وفي المناخات المعتدلة في شمال الولايات المتحدة وشمال أوروبا، عادةً ما يكون نقص التبريد مصدر إزعاج صيفي. أما بالنسبة للمناطق الاستوائية، فتدوم موجات الحرارة لفترة أطول، وتصل إلى درجات حرارة أعلى وتكون أكثر فتكًا. ففي العام الماضي عانى سكان نيامي، عاصمة النيجر الواقعة على حافة الصحراء الكبرى، من درجات حرارة تصل إلى 100 درجة فهرنهايت لمدة 174 يومًا، وشهد سكان البصرة في العراق 168 يومًا بدرجة حرارة 100 فهرنهايت. أما مومباي فشهدت 62 يومًا.

يستخدم الباحثون “درجة حرارة المصباح الرطب”، التي تجمع بين كل من الحرارة والرطوبة لتفسير كيفية تعرض جسم الإنسان للحرارة الشديدة، لفهم ما تعنيه موجات الحرارة هذه للأفراد من الناحية الفسيولوجية، وعند درجة حرارة مصباح رطب تبلغ حوالي 90 درجة فهرنهايت، تصبح العمالة محفوفة بالمخاطر، وإذا تجاوزت 95 درجة فهرنهايت، فلن يتمكن الجسم من تبريد نفسه، مما يؤدي إلى المرض وربما الوفاة. ووفقًا لبعض التوقعات، فقد تواجه جنوب آسيا أكثر من ضعف درجات الحرارة التي تتعرض لها العمالة غير الآمنة ودرجات الحرارة المهددة للحياة مقارنة بما يحدث اليوم إذا ارتفعت درجات الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين (حوالي 3.5 درجة فهرنهايت)، إذ سيؤدي الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية (حوالي 2.5 درجة فهرنهايت) إلى تقليل هذا التعرض إلى النصف، لكن ملايين الأشخاص في المنطقة سيظلون عرضة للضغط الحراري الشديد، ولا تُعتبر هذه المشكلة مستقبلية افتراضية، حيث كانت السنوات التسع الماضية من بين أكثر 10 سنوات دفئًا على الإطلاق. علاوة على ذلك، وصلت موجات الحر هذا العام إلى جنوب آسيا في وقت أبكر من أي وقت مضى، مسجلة رقمًا قياسيًا في مارس. ومنذ عام 2010، تسببت موجات الحر في الهند في وفاة 6500 شخص على الأقل، وفي عام 2015 وحده، لقي حوالي 3500 شخص مصرعهم في الهند وباكستان خلال خامس أشد موجة حرارة تم تسجيلها على الإطلاق.

بينما تزيد موجات الحر من معدلات الوفيات، هناك عواقب سلبية أخرى يجب مراعاتها، إذ ثبت أن درجات الحرارة المرتفعة تعطل إنتاجية العمالة، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة في جنوب وجنوب شرق آسيا، وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وأميركا الوسطى. وفي عام 2020، هُدر ما يقدر بنحو 295 مليار ساعة عمل محتملة على مستوى العالم نتيجة للارتفاع المفرط في درجات الحرارة، مع أكبر التأثيرات في قطاع الزراعة في البلدان الفقيرة، إذ يمكن أن تكون خسارة الإيرادات المترتبة على ذلك كارثية للموظفين.

كيف يمكن للعالم أن يتجنب هذه الكارثة؟ أولاً، الاعتراف بأن التبريد الكافي هو ضرورة إنسانية حاسمة في مناخ يزداد احترارًا. علاوة على ذلك، سوف تستمر الحرارة الشديدة في إحداث اضطراب، وستكون هناك حاجة للوصول إلى تقنيات التبريد العادلة لضمان البقاء على قيد الحياة والازدهار الاقتصادي لمليارات الأشخاص الذين يعيشون في البلدان الاستوائية. في الواقع، اعتبر رئيس الوزراء السنغافوري “لي كوان يو” أن مكيف الهواء هو الاختراع الوحيد الأكثر أهمية لازدهار بلاده.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الشركات المصنعة والحكومات أيضًا أن تبتكر تقنية مكيف هواء فعالة وبأسعار معقولة باستخدام مبردات ذات تأثير أقل على المناخ. ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة، فإن متوسط وحدات مكيف الهواء الحالية أكثر كفاءة بنسبة 10% فقط من تلك التي تم بيعها في عام 2010، لكن السياسة والتكنولوجيا الفعالة يمكن أن تضاعف كفاءة وحدات مكيف الهواء وتقليل الطلب على طاقة التبريد بنسبة 45% بحلول عام 2050. كذلك يجب تقييد ممارسة إغراق النماذج القديمة لزيادة الكفاءة – وبالتالي الأقل كفاءة والأكثر ضررًا بالبيئة – في البلدان الفقيرة. بالإضافة إلى وضع معايير الكفاءة، يجب على الحكومات (جنبًا إلى جنب مع المنظمات الخيرية والمصنعين) الاستثمار في خفض تكلفة نماذج مكيفات الهواء عالية الجودة. كما يمكن أن يؤدي التحول إلى المبردات البديلة أيضًا إلى تقليل انبعاثات التبريد بشكل كبير في العقود المقبلة.

لقد حان الوقت لبناء أنظمة طاقة أنظف وأكثر مساواة. على سبيل المثال، يتحول الطلب على التبريد إلى المناطق الاستوائية المثلى لتوليد الطاقة الشمسية، وترتبط درجات الحرارة في النهار ارتباطًا وثيقًا بحدود الطاقة الشمسية؛ هذا يعني أن وحدات مكيف الهواء يمكن أن تكون مصدرًا مهمًا للطلب في الأوقات التي يبلغ فيها توليد الطاقة الشمسية ذروته. ونتيجة لذلك، سوف يتم استخدام المزيد من الطاقة الشمسية فعليًا خلال ساعات الذروة، مما يعزز الجدوى المالية لقطاع الطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم. ويجب أيضًا استكمال نشر مكيفات الهواء بجهود أوسع لتقليل الطلب الكلي على طاقة التبريد، وهذا يعني تحسين كفاءة البناء واستكشاف تقنيات التبريد غير الكهربية عند الاقتضاء.

لا يجب أن يكون التبريد ضارًا بالبيئة. في الواقع، إذا تم الاستدانة بشكل صحيح، فمن الممكن أن تكون محركًا للمساواة والنمو الاقتصادي والانتقال إلى الطاقة المتجددة.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: scientificamerican

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر